مقالات مختارة

صورة الفلسطيني في رواية "المترجم الخائن"

عادل الأسطة
1300x600
1300x600

شغلتني في الشهر الماضي صورة الفلسطيني، في الرواية العربية في القرن الحادي والعشرين، أكثر مما شغلتني أية فكرة أخرى، وعدت بذاكرتي إلى الروايات التي قرأتها في العشرين سنة الأخيرة، بل وإلى روايات نشرت في العقد الأخير من القرن العشرين، مثل روايتي اللبناني إلياس خوري «مملكة الغرباء» و «باب الشمس» ورواية الجزائرية أحلام مستغانمي «ذاكرة الجسد» التي أتبعتها بجزأين هما «فوضى الحواس» و «عابر سرير» ظلت فيهما صورة الفلسطيني زياد الخليل، إن لم تخنّي الذاكرة، حاضرة.


كانت هناك ثلاثة أسباب وراء هذا الانشغال:


- الملف الذي خصصته مجلة «الجديد» التي تصدر في أوروبا عن «اليهود في الرواية العربية».


- تقديم ورقة بحثية لمؤتمر جامعتي الزيتونة والأردنية سيعقد في آذار من العام الحالي 2020.


- قراءة رواية إنعام كجه جي «النبيذة» التي صدرت في العامين الأخيرين، والتقائي بكاتبتها في رام الله في ملتقى الرواية العربية في تموز.


ويضاف إلى الأسباب الثلاثة، طلب مجلة «الجديد» مني أن أكتب مراجعة لما تضمنه عددها المخصص لصورة اليهود.

 

طلب المجلة ولّد في ذهني الفكرة الآتية:


- ما دامت المجلة خصصت عددا لصورة اليهود في الرواية العربية، فلماذا لا تخصص أيضا ملفا آخر لصورة الفلسطيني؟


وأنا أبحث عن صورة الفلسطيني في الرواية العربية، توقفت أمام رواية «المترجم الخائن» وقرأت فيها ما لا يسر صديقا ولا يغيظ عدوا، إذ تبدو الصورة سلبية ويختصرها عنوان الفصل الذي أتى على علاقة الفلسطيني بالفتاة السورية ليلى التي ارتبطت به:


«عباس: الثورة التي لم تقبل بأنصاف الحلول، تذهب إلى عالم التراجعات والتسويات»، وهو عنوان ذكرني مضمونه بعنوان كتابي «أدب المقاومة من تفاؤل البدايات إلى خيبة النهايات» الذي صدر في طبعته الأولى في غزة في 1998 وفي طبعته الثانية في دمشق في العام 2007 - أي قبل عام من صدور الرواية.


والصحيح أنني أخذت أتذكر أعمالا أدبية فلسطينية تبرز لنا فيها هذه الصورة السلبية الصادرة عن روائي سوري متمكن، وتساءلت إن كانت هناك دوافع وراء إبرازها هكذا، في زمن صارت صورة اليهودي في الرواية العربية تتأنسن بعد أن كان ينظر إلى اليهود كأعداء وما يتبع صورة العدو من أوصاف.
لم تخلُ أعمالنا الأدبية التي صدرت قبل العام 2000 من نماذج سلبية جدا، ولكن الصورة الإيجابية كانت تطغى.


وحتى العنوان الفرعي من رواية «المترجم الخائن» لا يخلو منها: «الثورة التي لم تقبل بأنصاف الحلول»، وهو ما كان عليه الفلسطيني في الفصل نفسه، فقد آثرت الفتاة السورية ليلى، التي طلبها سوريون للزواج، الفدائي الفلسطيني عليهم وتزوجت منه وقاطعت أهلها لأجله، والتحقت بالثورة الفلسطينية وتحملت الكثير. ولكن، وهنا يأتي النصف الثاني من العنوان ليلخص المآل البائس للطموحات وللواقع:


 «عالم التراجعات والتسويات»، ويقتل الفلسطيني الذي أحبته ليلى في تونس برصاص فلسطيني إثر اختلاف سياسي؛ يقتل في بار (؟).


هل كان فواز حداد قرأ قصيدتي محمود درويش «أنت، منذ الآن، أنت» و «أنت، منذ الآن، غيرك» ( أثر الفراشة 2007 ) وفي الأخيرة التي كتبها في أحداث غزة في انقلاب «حماس» في العام 2007 قال :
«من قال إننا استثناء؟»


و«رب عدو لك ولدته أمك»


هل كان فواز حداد قرأ القصيدتين؟


ولسوف تتجسد الصورة السلبية التي ظهرت للفلسطيني في «المترجم الخائن» في روايات فلسطينية عديدة، أبرزها رواية سامية عيسى «حليب التين» (2011) وأعمال أخرى، وكانت أصلا ظهرت في رواياتنا في الأرض المحتلة في العقد الأخير من القرن العشرين (عادل الأسطة «الوطن عندما يخون» وأحمد حرب «بقايا» وأحمد رفيق عوض «مقامات العشاق والتجار»).


طبعا علينا ألا ننسى، قبل أن نحاكم الكاتب، النظر في الصورة التي يقدمها للسوريين أنفسهم، وفي هذا ما يقلل من إمكانية الاستياء منه، فالصورة التي قدمها للسوريين وللمثقفين كانت أيضا لا تختلف عن الصورة التي قدمها للفلسطينيين.


وأنا أقرأ الرواية كان في ذهني طبعا أسئلة أخرى يجب البحث عن إجابتها:


- من هو المؤلف وما هي مواقفه السياسية؟


- كيف ننظر إلى هذه الرواية التي تطفح بالسخرية الجارحة المؤلمة للواقع السوري السياسي والثقافي؟


- هل تبدو الصورة التي يرسمها مثلا لليسار تختلف عن الصورة التي بدت لهم في كتابات كتاب أسبق مثل الطاهر وطار «الشاعرة الناشئة والرسام الكبير» و «اشتراكي حتى الموت»؟


- وماذا لو أمعنا النظر في روايات إلياس خوري وهو محب للفلسطينيين وصديق لهم؟ ألا نعثر على خيبات هذا الفلسطيني وما آل إليه في «باب الشمس»؟


ولعل ما يشغلني الآن هو الصورة المشرقة للفلسطيني في روايات الكاتبات العربيات في الرواية العربية في القرن الحادي والعشرين، وهي صورة تكاد تكون إيجابية في المطلق.


ما أود أن أختتم به الكتابة، هو أن صورة الفلسطيني في الرواية العربية في القرن الحادي والعشرين ليست سلبية في المطلق، فهناك من رسم له صورة إيجابية تماما، وهو ما توقفت أمامه وأنا أكتب عن رواية الكاتبة العراقية إنعام كجه جي «النبيذة»، وهو ما يشغلني هذا الشهر عموما.

 

(الأيام الفلسطينية)

0
التعليقات (0)