مقالات مختارة

السودان.. تفكيك النظام أم تفكيك الدولة؟

ياسر محجوب الحسين
1300x600
1300x600

هناك خلط كبير اليوم في السودان – متعمد أو غير متعمد – بين مطالب تفكيك النظام السابق وتفكيك الدولة والإتيان على مؤسساتها من القواعد. فقد تحولت الفترة الانتقالية إلى فترة انتقامية اختلط فيها حابل مؤسسات الدولة بنابل مؤسسات الحزب الحاكم السابق، الذي أطيح بحكمه في نيسان/أبريل الماضي.

وتقع حكومة رئيس الوزراء الانتقالي عبد الله حمدوك أسيرة في قبضة أحزاب قوى الحرية والتغيير التي يغلب اليسار على توجهها، فتحولت الفترة الانتقالية إلى ساحة وغى تدور فيها حرب إبادة جماعية لليمين الذي اعتبر النظام السابق رمزا له. في خضم هذه الإبادة الجماعية، تضيع مؤسسات الدولة تحت مسوغ أنها جزء من بنية النظام السابق وتستحق الإبادة.

 

ولعل أبرز هذه المؤسسات التي تناوشتها أطراف مؤثرة في قوى الحرية والتغيير، الجيش والشرطة والأمن، وإن لم يصل الأمر إلى إجراءات فعلية أو اصدار قوانين وتشريعات تمهد لتفكيكها، إلا أنها واجهت حملة كراهية وإساءة كبيرتين. وبلغ استهداف الجيش والقوات النطامية مبلغا، مما استدعى الأمر أن يقول رئيس مجلس السيادة الانتقالي، الجنرال عبد الفتاح البرهان: "صبرنا على الاستفزازات ضد الجيش والقوات النظامية". وكان البرهان يخاطب الأربعاء الماضي ضباط وجنود قوات الشرطة، داعيا إلى ألا تلتفت الشرطة للأقوال السالبة التي ظلت تتعرض لها، وأنها تقوم بواجبها على الوجه الأكمل ضد الإجرام وليست عدوا للشعب. وأكد البرهان أن هناك محاولات لتفتيت وحدة السودان من خلال تفتيت الأجهزة الأمنية. ولعل استهداف الجيش والقوات النظامية من الخطورة بمكان، ولا يستدعي ذلك صبر المسؤول الأول بأي حال من الأحوال، وإلا فإن الأمر يصب في خانة الضعف والتردد.

 

وإن كانت حالة الفوضى والسيولة الأمنية التي تعيشها البلاد قد كشفت تردد القادة العسكريين وضعفهم، فما بال حال بقية مؤسسات الدولة التي تشكل في نهاية المطاف بنية وهياكل الدولة السودانية؟ بالأمس القريب استهدفت الإبادة الجماعية صرحا تعليميا ضخما أشاع نوره كامل قارة أفريقيا، بل لامس شعاعه ناحية الصين وإندونيسيا وعدد مقدر من دول أوروبا الشرقية. دون مقدمات وبعد موافقات سابقة من السلطات الرسمية، بعث مجلس السيادة بتوصية من وزيرة التعليم العالي بقرار إلى جامعة أفريقيا العالمية، بتأجيل اجتماعات مجلس الأمناء الذي كان مقررا له الخميس والجمعة الماضيين. وكان من المتوقع مشاركة أكثر من 200 ضيف من شتى بقاع العالم، من بينهم وزير التعليم العالي في جمهورية بورندي بجانب الأساتذة والباحثين والعلماء من مختلف الدول، فضلا عن أعضاء مجلس الأمناء الذين يمثلون الدول المؤسسة والمشاركة في الجامعة. المثير أن تجمع أساتذة مؤيدا لقوى الحرية والتغيير بالجامعة، قال إنه أفلح في تعليق اجتماعات مجلس الأمناء. وانتماء أعضاء هذا التجمع للجامعة يدحض اتهام الجامعة بأنها خالصة لأتباع النظام السابق.

 

وقالت إدارة الجامعة التي تقدم مديرها لاحقا باستقالته، إنه "استجابة لتوجيهات رئيس مجلس السيادة الانتقالي، تعلن إدارة جامعة أفريقيا العالمية تأجيل اجتماع مجلس الأمناء في دورته السادسة والعشرين، الذي كان مقررا له ان ينعقد يومي الخميس والجمعة 9، 10 كانون ثانٍ/يناير 2020، وتتقدم إدارة الجامعة بالشكر والتقدير لأعضاء مجلس الأمناء الذين وفدوا من خارج السودان، وتتمنى لهم إقامة طيبة وعودا حميدا إلى بلدانهم". ويمثل مجلس أمناء الجامعة السلطة العليا بالجامعة التي تنظر في كل الجوانب الإدارية والمالية المتعلقة بالجامعة. وجامعة أفريقيا جامعة عالمية في السودان، وتحكمها اتفاقية مقر مع السودان موقعة في الخامس من كانون ثانٍ/يناير 1972م، حيث كانت تعرف بالمركز الإسلامي الأفريقي، وهي اتفاقية تمنحها صفة مؤسسة دبلوماسية دولية. وقد جاءت مبررات تأجيل اجتماع مجلس الأمناء، بأن السودان سيعيد النظر في اتفاقية المقر ومرجعيتها ومراجعة تكوين مجلس الأمناء. ويحتم التزام السودان باتفاقية المقر ألا يتخذ مثل هذا القرار المتعجل المتأثر بالصراع السياسي في الداخل السوداني، وفي المقابل من حقه طرح وجهة نظره في اتفاقية المقر، من خلال ممثله في مجلس الأمناء، على أن تمضي ترتيبات انعقاد مجلس الأمناء كما خطط لها. ولعمري إن هذا القرار يخصم كثيرا من سمعة السودان بشأن التزاماته الدولية تجاه المؤسسات الدولية التي تتخذ من السودان مقرا لها.

 

إن التدخل الموتور الذي جعل مجلس السيادة يستجيب لتوصية وزيرة التعليم العالي، يؤكد أن جهات سياسية تتلاعب بالسلطات الحاكمة ويظهرها بمظهر الضعيف والمتردد. فقد سبق أن التقى مدير الجامعة برئيس مجلس السيادة ووزيرة التعليم العالي، وأطلعهما على مجريات الأمور في الجامعة وترتيبات اجتماع مجلس الأمناء، وجرى التواصل باستمرار مع هذه الجهات الرسمية. بل إن القصر الجمهوري أكد حضور مجلس السيادة للجلسة الافتتاحية، كما تسلمت الجامعة كلمة وزيرة التعليم العالي المتوقع أن تلقيها في الجلسة الافتتاحية، كما أنه في إطار التواصل مع مكتب رئيس مجلس السيادة الانتقالي، وفرت الأمانة العامة لمجلس السيادة كل المطلوبات التي طلبتها الجامعة من تسهيلات درجت رئاسة الجمهورية على توفيرها كل عام.

 

(الشرق القطرية)
0
التعليقات (0)