قضايا وآراء

النفوذ الصيني والروسي شرق المتوسط

حازم عياد
1300x600
1300x600

لا تقتصر حالة التنافس والتصارع شرق المتوسط على تركيا واليونان وقبرص الرومية وليبيا ومصر والكيان الإسرائيلي؛ فإيطاليا وفرنسا وألمانيا متواجدة في المشهد؛ ذلك أن ما يجري شرق المتوسط يؤثر على إمدادات النفط والغاز ومشاريع الطاقة الطموحة التي تسير بالتوازي مع الصراعات وموجات اللجوء القادمة من المنطقة إلى القارة الأوروبية العجوز.

ورغم أن التركيز في المرحلة الحالية ينصب على تصاعد التوتر بين اليونان والكيان الإسرائيلي ومصر من جانب وتركيا من جانب آخر فإن روسيا والصين بات لها حصة وازنة وواعدة في البحر المتوسط وخصوصا في الحوض الشرقي.

 

التحركات الروسية شرق المتوسط

فروسيا أعلنت يوم الاثنين 16 كانون أول (ديسمبر) الحالي عن مناورات كبيرة تجريها مع القوات البجرية التابعة للنظام السوري شرق المتوسط قبالة المياه الإقليمية السورية؛ مناورات ترافقت مع إعلان نائب رئيس الوزراء الروسي يوري بوريسوف للصحافيين يوم أول أمس الثلاثاء 17 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، بأنه من المقرر أن يتم استثمار نصف المليار دولار، على مدى أربع سنوات، في تحديث ميناء طرطوس السوري؛ إعلان جاء أثناء زيارته التي تستغرق يومين للعاصمة العربية دمشق.

التحركات الروسية لا تقتصر على ميناء طرطوس فتركيا ترغب بتطوير علاقاتها مع تركيا ومعنية برحيل القواعد الجوية الأمريكية من تركيا على أمل أن يفتح ذلك الباب لروسيا لعقد اتفاقات عسكرية مع تركيا تشمل التعاون في المجال البحري واستغلال القواعد العسكرية التركية؛ فروسيا متحفزة لرحيل القواعد العسكرية الأمريكية من تركيا على أمل أن يفتح ذلك بوابة واسعة لروسيا نحو المتوسط.

 

البحر المتوسط وخصوصا شرقه بات منطقة مزدحمة تتنازعه وتتجاذبه القوى الإقليمية والدولية


روسيا الناشطة في المتوسط امتد تأثيرها إلى ليبيا عبر الشركات الأمنية وعلى رأسها شركة (فاغنر) الروسية المتعاقدة مع مليشيا الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر؛ علما بأن حاملة الطائرات الروسية القديمة (كوزينتسوف) قامت باستعراض أمام المياه الإقليمية الليبية واستقبلت على متنها الجنرال الليبي المتقاعد حفتر في أعقاب إنهاء مهمتها شرق المتوسط قبالة الشواطئ السورية في العام 2017.

روسيا طورت علاقاتها بمصر وعملت على عقد اتفاقات لتطوير موانئ بورسعيد وتعمقت في البحر الأحمر نحو السودان وأسهمت في تطوير مفاعل الضبعة النووي المصري بالقرب من الإسكندرية؛ وهي بذلك تتعمق شيئا فشيئا غرب المتوسط مقتربة من واحد من أهم شركائها في مجال التسليح شمال إفريقيا (الجزائر) ومن شريك اقتصادي مهم في مجال الصيد البحري مع المملكة المغربية التي عقدت معها اتفاقية أطلق عليها صفقة القرن عام 2000 للصيد البحري في مياه الأطلسي المحاذية للصحراء الغربية ومنطقة أغادير وطرفاية؛ اتفاقية عادة ما يتم تجديدها سنويا بين البلدين .

 

مشروع "طريق واحد حزام واحد" الصيني

إذا كان هذا حال روسيا في المتوسط، فان حال الصين يعكسه مشروعها (طريق واحد حزام واحد)؛ فالصين تمكنت من إحداث اختراق خطير يهدد المصالح الأمريكية المباشرة؛ إذ تمكنت شركات صينية من اختراق مشاريع البنية التحتية للكيان الإسرائيلي سواء لتطوير القطار الخفيف أو تطوير ميناء حيفا وهو المشروع الأخطر الذي قرع جرس الإنذار في واشنطن ودفعها لتوجيه رسائل تحذير للكيان بضرورة إلغاء العقود مع الصين .

لا يقتصر الاختراق الصيني لشواطئ المتوسط على الموانئ الفلسطينية التي يسيطر عليها الكيان الإسرائيلي بل تمتد نحو مصر، إذ عملت الصين على إنشاء العديد من المصانع والمنشئات المهمة في الإسماعيلية بالقرب من قناة السويس؛ وعمدت إلى عقد اتفاقات مع الحكومة الليبية المؤقتة إلا أنها اتفاقات معطلة والحال ذاته مع تونس إلا أن علاقاتها مع المغرب والجزائر متطورة ونامية إلى حد كبير.

التمدد الصيني لم يعد يقتصر على الجوانب الاستثمارية بل امتد نحو تطوير أذرع جديدة على رأسها المساعدات الاقتصادية والقروض إلى جانب الأذرع الثقافية، إذ تملك الصين أكبر مركز ثقافي في المنطقة بالقاهرة تحت مسمى معهد كونفوشيوس؛ كما أنها تطور حضورا عسكريا بدأ بالإعلان عن إنشاء قاعدة عسكرية في جيبوتي على الشاطئ الغربي من البحر الأحمر مقتربة بذلك من قناة السويس والبحر المتوسط؛ والأهم من ذلك تواجد مستشارين عسكريين صينين في سوريا لمراقبة أنشطة التنظيمات الصينية المسلحة في سوريا .

 

لا يقتصر الاختراق الصيني لشواطئ المتوسط على الموانئ الفلسطينية التي يسيطر عليها الكيان الإسرائيلي بل تمتد نحو مصر،


الصين باتت أكثر قربا من البحر المتوسط من أي وقت مضى؛ وتملك روافع واعدة ومهمة لتطوير هذا الحضور على رأسها نفوذ الشريك الروسي المتنامي في المتوسط والنفوذ الاقتصادي المتصاعد في منطقة الخليج العربي وشرق أوروبا إلى جانب شمال إفريقيا؛ فالبيئة واعدة لتنامي النفوذ الصيني في البحر المتوسط ليضاف نفوذ يضاعف من فرصة النفوذ الروسي الصاعد في المتوسط.

ختاما: البحر المتوسط وخصوصا شرقه بات منطقة مزدحمة تتنازعه وتتجاذبه القوى الإقليمية والدولية؛ إذ تتقاطع فيه طرق التجارة وأنابيب الغاز والنفط والأساطيل البحرية والقواعد العسكرية؛ فالمتوسط لم يعد حكرا على الأسطول السادس الأمريكي وقواعده البحرية والجوية ولا على حاملات الطائرات البريطانية والفرنسية القديمة؛ فالمتوسط بات مزدحما بالقواعد العسكرية والموانئ التجارية المشحونة بالنفوذ الاقتصادي الصيني والأسلحة والغاز الروسي.

التعليقات (0)