كتاب عربي 21

آبي أحمد يرد الاعتبار لـ "نوبل"

جعفر عباس
1300x600
1300x600

لم يحدث أن جادل أو طعن أحد في أهلية من فازوا على مر العقود بجوائز نوبل في العلوم والاقتصاد والطب، ولكن مراقبين كثرا ظلوا يرفعون الحواجب دهشةً بين الحين والحين، كلما تم الإعلان عن الفائز بالجائزة المخصصة للسلام، ولأن الكتاب يُعرف بعنوانه، فلك أن تتساءل بأي مشيئة فاز بها ميخائيل غورباتشوف؟ هل خدم تفكيكه للاتحاد السوفييتي السلام لغير دول حلف الأطلسي؟

 

والغون في الدماء حتى الرُّكَب

كيف خدم الزعماء الإسرائيليون مناحيم بيغن وشيمون بيريز وإسحاق رابين السلام، وثلاثتهم والغون في الدماء حتى الرُّكَب؟ بل كيف استحق الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات الجائزة؟ أليس لأنه قام بتوقيع اتفاق سلام مع رابين، وهو اتفاق لم يعد عليه حتى بالسلام والأمان الشخصيين؟

وفاز بجائزة نوبل للسلام لعام 1973 هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، رغم أنه مهندس توسيع نطاق الحرب في فيتنام بقصف كمبوديا عشوائيا، حتى صار كل أخضر فيها يابسا، وشاركه إياها مناصفة خصمه الزعيم الفيتنامي الشمالي (الشيوعي) لو دك ثو، الذي رفضها فور الإعلان عنها لتبرئة تاريخه في منازلة الأمريكان من الاقتران بكيسنجر، ولو صبرت لجنة جائزة نوبل حتى عام 1975، حين تم توقيع الاتفاق على إنهاء الحرب في فيتنام، الذي شارك فيه كيسنجر بجهد مقدر، لما حظي منحها له بالاستهجان الشديد، وإنصافا لكيسنجر فقد تمتع بقدر من الحياء، دفعه لرفض المثول شخصيا أمام اللجنة التي منحته الجائزة لاستلامها، وبعد اجتياح القوات الشيوعية لفيتنام الجنوبية التي كانت محمية أمريكية، عرض رد الجائزة للَّجنة.

 

كيف استحق الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات الجائزة؟ أليس لأنه قام بتوقيع اتفاق سلام مع رابين، وهو اتفاق لم يعد عليه حتى بالسلام والأمان الشخصيين؟


وفاز الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما بجائزة السلام تلك قبل أن يكمل عامه الأول في البيت الأبيض، لمجرد أنه قال طراطيش كلام عن تحقيق السلام في أفغانستان والعراق، وبانتهاء أعوام حكمه الثمانية اتضح أن كل ذلك كان "كلام والسلام".

وفي تقديري فإن الصبية الباكستانية ملالا يوسفزي أقل أهلية واستحقاقا من بيغن وكيسنجر وبيريز ورابين لجائزة نوبل للسلام، وليس من العسف والشطط القول إنها صنيعة الإعلام الغربي، فقد دفعت بها إلى دائرة الضوء هيئة "بي بي سي" وصحيفة "نيويورك تايمز" عندما كتبتا عن حرصها على نيلها قدرا من التعليم، ثم جاء جلاوزة طالبان وأطلقوا عليها النار، وصارت بعدها علما على رأسه نار، بعد أن تم نقلها إلى بريطانيا، حيث تولى أمرها محترفون في صناعة النجوم، وصارت "داعية" لحقوق البنات.

وفازت الكينية وانغاري موتا مآثاي بجائزة نوبل للسلام، وجاء في تبريرات منحها الجائزة أنها مناضلة بيئية صلبة العود، بدليل أنها أشرفت على غرس مليون شجرة في بلادها بمعاونة أطراف دولية، في حين أن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الذي فاز بالجائزة قبل أيام أشرف على زراعة 350 مليون شجرة في مختلف أنحاء بلاده في يوم واحد، ولكن لم يرد ذكر هذا الإنجاز في تبريرات منحه الجائزة، لأن سجله في مجال السلام الحقيقي الذي يقود إلى الأمان والاستقرار والنهوض والارتقاء حافلٌ ومبهر.

 

فوز مستحق

فور توليه رئاسة حكومة بلاده في آذار (مارس) من عام 2018، قام آبي أحمد بإلغاء حالة الطوارئ في البلاد، والافراج عن جميع المعتقلين السياسيين، وأطلق الحريات العامة ومنح نصف مقاعد الحكومة للنساء، ولكن ما هو أهم من كل ذلك أنه طوى صفحة النزاع مع الجارة إريتريا، رغم ما بينها وبين إثيوبيا من دم نزفه ثمانون ألف قتيل ومائة ألف ونيف جريح في حروب بين البلدين، وخلال الأشهر القليلة التي قضاها في دست الحكم، واجه أحمد محاولتين انقلابيتين، ومع هذا لم يعلن حالة الطوارئ ولم يشن حتى حربا كلامية على من حملوا السلاح في وجهه، جريا وراء العادة في أفريقيا، فزاد ذلك من التفاف الشعب حول قيادته.

 

فور توليه رئاسة حكومة بلاده في آذار (مارس) من عام 2018، قام آبي أحمد بإلغاء حالة الطوارئ في البلاد، والافراج عن جميع المعتقلين السياسيين، وأطلق الحريات العامة ومنح نصف مقاعد الحكومة للنساء،


ثم كان ما كان من أمر نزوله حلبة المشهد السوداني قبل نحو شهرين وسيطا، عندما استعرت الخصومة بين قوى مدنية ومجلس عسكري أراد الاستفراد بالحكم، بعد أن سقطت حكومة عمر البشير بفعلٍ ثوري شارك فيه الملايين، ورغم أن عسكر السودان تعاملوا مع آبي أحمد بجفاء واستعلاء في بادئ الأمر، إلا أنه ثابر واستقطب مساندة الاتحاد الإفريقي، حتى توجت جهوده بإبرام اتفاق بين الطرفين المتشاكسين، وتم تشكيل حكومة مدنية، على أن يكون للعسكر نصيب في المجلس السيادي الذي يمثل رئاسة الدولة، ولكن بلا صلاحيات تنفيذية.

ونيل شخص مثل آبي أحمد لجائزة نوبل للسلام، يرد لها الاعتبار على أنها وسام معنوي رفيع، قبل أن تكون ذات قيمة مالية عالية، فقد أصاب لجنة هذه الجائزة على وجه الخصوص رذاذ كثير مستحق، لأنها قامت بتسييس الجائزة في أحيان كثيرة، ومنحتها لمن لا يستحق، ترجيحا لميزان القوى الدولي بحيث يميل دائما لصالح الغرب.

التعليقات (0)