قضايا وآراء

بعد حراك 20 سبتمبر.. المشهد والسيسي إلى أين؟

محمد الشبراوي
1300x600
1300x600

تحولات لا يمكن أن تخطئها عين أو ينكرها متابع للحالة المصرية، فالمشهد المصري بات مختلفا بعد ظهور رجل الأعمال والفنان المصري محمد علي، والذي مثلت أحاديثه للمصريين ما يشبه قنبلة ارتجاجية كبيرة الحجم شديدة التأثير أصابت أركان السلطة في مصر، وأسقطت هيبة رأس السلطة، وكانت رصاصة خرقت جدار الصمت وأسقطت حاجز الخوف الذي طوق مصر خلال السنوات الماضية.

الفترة منذ حراك 20 أيلول/ سبتمبر  وحتى كتابة هذه السطور تبدو شديدة السيولة والضبابية، مما يجعل استقراء المآلات وتقييم التداعيات ضربا من التخمين لدى البعض، في ظل عدم قدرتهم على قراءة مواقف مؤسسات القوة الصلبة في مصر، حيث يبدو واضحا وجود ارتباك شديد، وأن انقساما في التعامل مع المشهد قد أصابها ربما تفسره طريقة التعامل مع التظاهرات والمشهد ككل.

ما حقيقة المشهد المصري وإلى أين يتجه؟

المشهد المصري حتى اللحظة يمكن تقييمه في نقاط تلخص الحالة على النحو التالي:

* ما يحدث في مصر الآن هو انعكاس لصراع حقيقي داخل مؤسسات الدولة؛ أحد أسبابه الرئيسية خلاف شديد ليس وليد اللحظة، حول كيفية إدارة البلاد وتداعيات تتعلق بالأمن القومي المصري.

* من الواضح أن أطرافا داخل النظام المصري تكونت لديها قناعة بأن الحراك الشعبي قادم لا محالة، نتيجة غليان يعتمل منذ فترة في المجتمع المصري، حيث تراكمت أسبابه سياسيا واقتصاديا واجتماعياً وأمنيا، ومن ثم ترى هذه الأطراف أن الوقت قد حان لتجنب ما هو أسوأ وتدارك التداعيات على الأمن القومي للبلاد، وأرادت عبر تسخين المشهد أن تبرق برسائل لرأس السلطة والجناح الداعم له.

* من الواضح أن الحراك الحاصل منذ أيام في مصر ليس المقصد منه إسقاط النظام، ولكن يسعى في أقصى درجاته إلى تغيير رأس النظام كخيار أول، عبر محاولات إنضاج حراك شعبي يدعم في الدفع نحو هذا الاتجاه. أما في حال تراجع الخيار الأول لهذا الحراك إن بقي رأس السلطة، فهو تقليم أظافر رأس السلطة ليصبح منزوع القدرة على التحكم منفردا، مع القيام بإجراء اصلاحات تحفظ النظام السياسي والدولة من السقوط وتحدث نوعا من التوازن في المشهد الذي أخل به تفرد رأس السلطة.

* في مصر خصوصا هناك معامل مهم لا تستقيم معادلة التغيير بغير الفوضى دونه، وهو أنه لا يمكن أن يحدث تغيير في المشهد دون وجود المؤسسة العسكرية، ومعطيات الواقع لا تعطي مؤشرا خلافا لذلك.

 

* وفي مصر هناك ثلاث جهات رئيسية في المشهد الآن هي: الرئاسة، والجيش، والمخابرات العامة. ومن يتابع المشهد في مصر خلال الأيام الماضية سيلحظ صمتا رسميا؛ دلالاته أن هناك انقساما عميقا داخل أركان السلطة ومؤسساتها الصلبة يتعلق برأس السلطة تحديدا. فمنذ ظهور السيسي في المشهد وتوليه السلطة اعتمد على تماسك القوات المسلحة ودعمها المباشر له. وحتى اللحظة يبدو أن المؤسسة العسكرية تلوذ بالصمت وتبتعد عن الخوض المباشر، وهذا دون شك له دلالات عديدة أهمها حساسية الموقف.

* الحراك الحاصل في مصر رغم أنه ليس كثيف العدد، إلا أنه كان نوعيا وفارقا بالدرجة الأولى، في ظل القبضة الأمنية الشديدة والمحكمة التي سيطرت على المشهد منذ 2013.

واستمرار الحراك في مصر وإنضاجه جماهيريا قد يمثل مطلبا وفرصة لمؤسسات القوة الصلبة في الدولة، وعلى رأسها المؤسسة العسكرية، لإعادة تقديم نفسها للشارع المصري وغسل يدها من سوءات مرحلة ما بعد 2013.

إن ما يجري في مصر الآن تحت المجهر ليس داخل مصر فقط ولكن خارجها أيضا، إقليميا ودوليا، والأيام القادمة ستكون حاسمة في توجيه الخيارات، في ظل انشغال الداعمين إقليميا ودوليا بمشكلاتهم الداخلية والصراعات التي تموج بها المنطقة.

رأس السلطة في مصر إلى أين؟

إن السؤال الأهم الذي يطرحه كثيرون الآن؛ هو عن تداعيات ومآلات حراك العشرين من أيلول/ سبتمبر على استمرار رأس السلطة في مصر في ظل الزلزال القوي الذي أحدثه رجل الأعمال محمد على، وأصاب رأس السلطة عبد الفتاح السيسي شخصيا.

إن تداعيات ما كشفه محمد علي وما تلاه من ردود للسيسي وحراك نوعي غير متوقع تؤكد بوضوح أن العقد المنسوج بعد الثالث من تموز/ يوليو 2013 قد انفرطت حباته، وبدأ فصل جديد من الحكاية المصرية، وأن صورة أخرى مختلفة تتشكل في معركة النفس الطويل، وأن المفاجأة ستظل متوارية لبعض الوقت.

إن نظم الحكم تحتفظ بهيبتها بحفظ هيبة رؤوسها، فإذا سقطت هيبة الرأس وأصبح مجروحا بالحقائق التي لا ينكرها وحُصر في زاوية الدفاع عن النفس، وبات لا يركن إلا إلى الخارج الذي لا تلتقي مصالحه مع مصالح شعوب تريد تملك إدارتها ويعتمد عليه، هنا تسقط هيبة النظم.

إن الهيبة والفكرة من أهم مقومات القوة الناعمة التي تؤمن استقرار العلاقة واستمرارها بين الحاكم والمحكوم ونظم الحكم والشعوب، وذلك على قاعدة الاقتناع والرضا والقبول الطوعي بالنظام واحترامه دون بطش أو إكراه، ويوم أن يفقد نظام أو رأس هرمه هذه المقومات فإنه لا محالة تتحقق أسباب السقوط.

الخلاصة

في عالم السياسية قد تنتهي نظم حكم وحكام دون أن يدرك كثيرون ذلك، ويصبح الأمر مسألة وقت لا أكثر ولا أقل.

وتجارب التاريخ تؤكد أن الأنظمة مهما بلغت قوتها وجبروتها تسقط إذا سقطت هيبتها، وغابت فكرتها الجامعة والمقنعة لشعوبها.

إن فقدان الهيبة وغياب الفكرة الجامعة التي يلتف حولها الشعب، وسقوط أعلى قمة هرم النظام في نظر المجتمع، يجعل استمرار النظام في وجود رأس الهرم عبئا ثقيلا وغير محتمل على منسوبيه وداعميه داخليا وخارجيا وعلى المجتمع ككل، ومن ثم يصبح السقوط حتميا ولكن يبقى التوقيت غير معلوم.

أحيانا عندما تدرك النظم حتمية السقوط تسارع إلى إزاحة الرأس لتحافظ على جسم النظام المنهك، وتبدأ محاولات لإعادة التدوير وإجراء إصلاحات داخل النظام ذاته؛ تفضي مع الوقت (إن استقامت هذه الإصلاحات) إلى تغيير النظام تدريجيا.

إن القادم في مصر ليس بعيدا عما يحدث في المنطقة ويتشكل رويدا رويدا ليكون مختلفا، وهناك متغيرات (ليست جلها ما يتمناه كثيرون) في معركة نفس طويل تقودها أطراف من داخل النظام ذاته ضد رأس السلطة وداعميه من نفس النظام ومن الخارج.

على وجه العموم، ما يحدث في مصر لن يكون سيئا، ولكنه في المجمل يصب تراكميا في تأسيس مرحلة جديدة ستكون بأي حال أفضل من مرحلة ما بعد 3 تموز/ يوليو 2013، ومقدمة لتغيير أكبر منشود.

التعليقات (1)
عامر
الإثنين، 30-09-2019 01:00 م
الحمد لله