مقالات مختارة

استهداف منشآت أرامكو وتغيير قواعد المواجهة

عبد الحميد صيام
1300x600
1300x600

بعد أسبوعين أو ثلاثة من بداية «عاصفة الحزم» بقيادة السعودية بتاريخ 25 مارس 2015 استضافـتني مع آخرين قناة فضائية سعودية لتحليل الأوضاع. وأذكر أنني قلت إن هذه الحرب ستطول، فالحوثيون وحلفاؤهم قادرون على القتال لمدة طويلة وبإمكانياتهم البسيطة، لأنهم تعودوا على المواجهات منذ عام 2004، وهم يقاتلون من أرضهم وعلى أرضهم، بالإضافة إلى أن هناك نوعا من الحاضنة الشعبية التي تقيهم وتمدهم بالمقاتلين، فاليمنيون بكل أطيافهم لا يحبون أن يسيطر عليهم أجنبي. رد عليّ يومها محلل سعودي من جدة قائلا «أين هم الحوثيون؟ لم يعد لهم وجود، انتهوا، لقد أصبحوا في خبر كان». قلت معلقا ستثبت لنا الأيام من منا كان على صواب. وكانت تلك آخر مرة أدعى إلى تلك القناة.

تذكرت تلك المناظرة وأخبار الصواريخ والطائرات المسيرة التي استهدفت ليلة 14 سبتمبر مصافي النفط التابعة للشركة العربية الأمريكية (أرامكو) في منطقتي أبقيق وخريص، تملأ الدنيا. لقد طغت هذه الهجمات على جلسة مجلس الأمن صباح الاثنين المخصصة لليمن، وكان هناك إجماع بإدانتها لما تشكله من خطورة على الاقتصاد العالمي وأسواق النفط خاصة. ولأن هذه العملية نوعية من حيث أثرها الاستراتيجي، أود أن أقدم بعض الملاحظات مع أننا ما زلنا في بدايات هذا التطور النوعي للمواجهات بين السعودية وحلفائها من جهة، والحوثيين وحلفائهم من جهة أخرى.

*أولا- هذا أكبر هجوم بالصواريخ والطائرات المسيرة تتعرض له السعودية مرة واحدة منذ بداية التدخل، وفي خاصرتها الضعيفة، منشآت النفط. فالمعلومات تشير إلى أن الهجوم الكبير ضم عددا من الصواريخ، بالإضافة إلى عشر طائرات مسيرة على الأقل انطلقت من منطقة يبدو أنها تقع على الحدود العراقية الإيرانية (وهذا غير مؤكد)، كما يبدو أن هناك تنسيقا كبيرا بين الصواريخ والطائرات المسيرة لإحداث أكبر ضرر في المنشآت النفطية، بحيث تكون الخسائر من الضخامة ما يؤثر على تصدير النفط السعودي ويجعل العالم بأسره يشعر بالأزمة. وهو فعلا ما حصل، حيث قفزت الأسعار وانخفضت الصادرات بنسب متفاوتة فورا.

*ثانيا- الهجوم يحمل رسالة إيرانية واضحة تماما، حتى لو لم تقم بالعملية. وجوهر الرسالة المرسلة إلى الولايات المتحدة تقول: «إذا كنتم بعقوباتكم غير الشرعية تحاولون منعنا من تصدير نفطنا، فسنعمل على تخريب صادرات نفط حليفتكم السعودية. فالسعودية هي التي اشترت الموقف الأمريكي بثمن عال لإلغاء الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات علينا… وإذا كان الأمر كذلك فليدفع الجميع الثمن».

*ثالثا- رغم أن المتحدث باسم الحوثيين أعلن مسؤولية الجماعة عن العملية، إلا أن الغالبية من الدول لا تصدق أن الحوثيين يعملون مثل هذه العملية الضخمة، بدون مساعدات إيرانية مباشرة أو غير مباشرة – لا فرق. ولأنها عملية بهذا الحجم فقد بدأت التكهنات تبحث عن إجابة السؤال المهم من أين انطلقت الصواريخ؟ السفير الروسي لدى الأمم المتحدة، فيسالي نبنزيا، قال هناك جهة ما تبنت العملية، ولا نستطيع أن نلقي اللوم على أحد إلا بتحقيق شفاف ومحايد، ولا نريد أن نستبق التحقيقات. بينما صرحت السفيرة الأمريكية الجديدة كيلي غرافت في مجلس الأمن، بأن هناك معلومات تشير إلى مسؤولية إيران. بقية أعضاء المجلس اكتفوا بإدانة الفعل بدون الإشارة إلى الفاعل.

*رابعا: السعودية من جهتها كانت متحفظة وحريصة فيما تقول، على غير عادتها، وطالبت فورا بإجراء تحقيقات دولية. الأمين العام استجاب للطلب وطلب من لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة والمسؤولة عن مراقبة انتهاك قرار حظر الأسلحة على اليمن حسب القرار 2231 (2015)، أن تعود فورا إلى المنطقة للتحقيق في الحادث وجمع العينات من مكان الارتطام بسرعة. أما الرئيس الأمريكي، فبعد أن أطلق صباح الاثنين تغريدة على حسابه في تويتر قال فيها إن أمريكا جاهزة للرد، تراجع وأكد أنه يريد تجنب الحرب مع إيران. توجه بعدها وزير الخارجية بومبيو ومساعدوه إلى السعودية لمشاركة القيادة السعودية بما لديهم من معلومات استخباراتية حول الهجوم.

*خامسا- على السعودية وغيرها ألا تستخف بأحد وألا «تحقرن صغيرا في مخاصمة». فالحوثيون هم البعوضة التي تدمي مقلة الأسد. فقد تعلموا كثيرا وحفظوا الدروس الإيرانية جيدا، بل طوروا بعضها بما يتلاءم وطبيعة اليمن. ولا تتوقع السعودية أنها ستضرب الأعراس والجنازات والأسواق والمدارس والمستشفيات وتقتل الأطفال والنساء وتحاصر الموانئ والمطارات، كما أثبتت التقارير الدولية، بما لا يدع مجالا للشك، ثم تظل في مأمن تستقبل المغنين والراقصات والكوميديين، حسب برامج لجنة الترفيه.

لا يوجد أقوى مِن مَن يدافع عن أرضه وعرضه وبيته وعائلته، فبالنسبة للحوثيين «الدم أغلى من النفط». وإذا أخذت السعودية والإمارات العزة بالإثم معتقدتين أن الحماية الأمريكية ستجنبهما الضرر، فهما لا شك مخطئان. فالضعيف عندما يمتلك أسباب القوة لن يتورع في استعمالها وبشكل مؤذ وخطير. التكنولوجيا اليوم مفتوحة على العالم والجميع يمكنه أن يتعلم ويتطور.

*سادسا- الهجوم على المنشآت النفطية يمثل فشلا ذريعا لأجهزة الدفاع السعودية والأمريكية من ورائها. فالسعودية صرفت المليارات لتحديث قواتها المسلحة ومنظومة الدفاع السعودية تشمل، بطاريات صواريخ باتريوت وأجهزة رادار متقدمة وطائرات أيواكس للتصوير الفضائي والمراقبة والإنذار المبكر. ومع هذا يقطع صاروخ أو طائرة مسافة 1200 كلم من أقرب نقطة حدود يمنية إلى منشآت البقيق. وحتى إذا جاء الهجوم من العراق أو من إيران، فهناك مسافات شاسعة سيقطعها الصاروخ/الطائرة المسيرة، خاصة أن هذا هو الهجوم الثالث على منشآت النفط، وقد سبقه هجومان على منشأة الدوادمي ومنشأة شيبة.

وقد أصدر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن فيديو افتراضيا في شهر أغسطس الماضي، يحذر من إمكانية استهداف مجمع إبقيق لأهميته الاستراتيجية، مشيرا إلى أن إيران يمكن أن تستهدف المنشأة بشكل مباشر، إضافة إلى فشل منظومات الدفاع السعودية، لا بد أن نشير إلى أن الولايات المتحدة منتشرة في المنطقة برا وبحرا وجوا، لديها أكبر قاعدة بحرية في البحرين، وقاعدة العيديد في قطر، وقواعد صغيرة منتشرة في الكويت، إضافة إلى أساطيلها في مياه الخليج، ومع هذا لم تكتشف الصواريخ المنطلقة نحو أهدافها عبر مسافات كبيرة، ألا يثير هذا الإخفاق الشك؟

سيناريوهات

من المؤكد أن هذه العملية تشكل تطورا نوعيا في المواجهة بين الحوثيين وداعميهم من جهة، والسعودية وحليفتها الإمارات اللتين تخوضان حربا مدمرة على اليمن لأربع سنوات ونصف السنة من جهة أخرى. فاستخدام أسلحة متطورة مثل الصواريخ بعيدة المدى والطائرات المسيرة ذات الحجوم الكبيرة يقلب المعادلة ويدخل النزاع مرحلة جديدة أكثر سخونة وأكثر خطورة. ولأن هذه حادثة نوعية، لا يمكن أن تمر مرور الكرام. بالتأكيد ستحاول السعودية والولايات المتحدة أن تحملا المسؤولية الكاملة لإيران، وهذا يعني أن خطوات محددة لا بد أن تلي تتعلق بمعاقبة إيران. ليس من مصلحة الولايات المتحدة ولا السعودية أن يتحول التنافس والتوتر إلى صراع مسلح شامل، وهو ما فتئت إسرائيل تدفع بالأمور للوصول إليه.

وهنا يثار تساؤل مشروع حول تكرار سيناريو التسخين والتحدي مع إيران، كلما كان هناك نوع من الانضباط وانخفاض مستوى التوتر. أصيبت السفن في مياه الخليج وتم تجاوزها، وضرب ميناء عُمان وتم تجاوز الموضوع، وتم خطف السفن المحملة بالنفط و تم تجاوز المسألة. وهوجمت المطارات في السعودية وأبو ظبي وتم ابتلاع الموسى، أما هذه المرة فلا بد من خطوات أعلى وتيرة وأقوى أثرا. فهل سيتم استهداف السفن الإيرانية المحملة بالنفط؟ أم استهداف المنشآت النفطية الإيرانية بأياد داخلية، كما حدث في الأحواز في سبتمبر 2018، حيث أدى هجوم مباغت على عرض عسكري إلى مقتل 29 شخصا وجرح 57، واتهمت دول إقليمية بأنها وراء الحادث الذي جاء بعيد تصريحات ولي العهد السعودي بأنه سيأخذ الحرب إلى داخل إيران؟

أما السيناريو الثاني فقد تقوم القيادات الشابة عديمة الخبرة والحكمة والحنكة بالارتماء أكثر في أحضان إسرائيل، إذا ما يئست من ابتعاد إدارة ترامب عن الخيار العسكري. وليعلم هؤلاء أن إسرائيل تقاتل بدماء غيرها وليست على استعداد أن تسكب نقطة دم واحدة من أجل مصالح الآخرين. فليتعقل هؤلاء ويبتعدوا عن المغامرات، فأمن الخليج لن يستتب إلا إذا كان ناتجا عن اتفاق طوعي بين دول المنطقة بعيدا عن الغرباء. فمن يحتمي بالغرباء لا بد يوما أن يكتشف أن ظهره مكشوف وأمنه مخترق وموارده قد جفت.

عن صحيفة القدس العربي اللندنية

1
التعليقات (1)
مولوك و صعاليك
الجمعة، 20-09-2019 02:54 ص
كلنا نعلم أن بترول آل الذل هو ملك أمريكا الخالص منذ عهد روزفلت ، الصعاليك من آل الرذيلة لهم نصيب معلوم إنهم مجرد حراس على الأبار وفقط . هذه الضربة هي إهانة لملك الأبار قبل حارسه .أمريكا البراغمتية ستخفف الضغط على إيران و تجبر الحراس على إنهاء الحرب فورا . سنرتقب أغنية السلام من (الأمم المتفرقة) الموسيقية عاجلا.

خبر عاجل