اقتصاد دولي

هل ينقذ "خفض الفائدة" الاقتصاد التركي من الركود؟

يضغط الرئيس التركي باتجاه تحقيق مستويات أقل لأسعار الفائدة قد تصل إلى حدود الـ10 في المئة- جيتي
يضغط الرئيس التركي باتجاه تحقيق مستويات أقل لأسعار الفائدة قد تصل إلى حدود الـ10 في المئة- جيتي

في محاولة لإنعاش الاقتصاد التركي، لجأ البنك المركزي التركي إلى سياسة نقدية توسعية، إذ أعلن في الثاني عشر أيلول/سبتمبر الحالي خفضه لمعدلات الفائدة الأساسية في البلاد إلى 16.5 في المئة.

ويعد هذا التخفيض الثاني على أسعار الفائدة خلال أقل من شهرين على قرار خفضها من 24 في المئة إلى 19.75 في المئة.

ومن أجل تسهيل الوصول إلى قرار التخفيض، استخدم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لأول مرة الصلاحيات الجديدة التي منحها له النظام الرئاسي الجديد في البلاد، وأصدر مرسوما رئاسيا في يوليو/تموز الماضي، نص على إنهاء مهام رئيس البنك المركزي مراد تشتين كايا، وتعيين نائبه مراد أويصال بدلاً عنه.

ويضغط الرئيس التركي باتجاه تحقيق مستويات أقل لأسعار الفائدة قد تصل إلى حدود الـ10 في المئة، متأثرا ذلك بما يمر به الاقتصاد التركي من فترة انكماش، حيث تقلص الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 1.5 في المئة على أساس سنوي في الربع الثاني للعام الحالي، تابعا بذلك الانخفاض الذي شهده الربع الأخير من العام الماضي والربع الأول من العام الحالي.

اقتصاد إنتاجي


وفي هذا الخصوص، يوضح الخبير الاقتصادي التركي يوسف كاتب أوغلو، في حديثه ل"عربي21" "الأثر الإيجابي" المتوقع للاقتصاد التركي تحقيقه إبان قرارات خفض الفائدة، قائلا:" خفض أسعار الفائدة يعني التحول من اقتصاد مالي أو ورقي إلى اقتصاد يعتمد على الإنتاج الحقيقي، ما يدفع بعجلة النمو الاقتصادي نحو التقدم".

 

اقرأ أيضا: خيبة المتشائمين والمتربصين

ويرى أن "الاقتصاد المالي الذي يعتمد على نسب مرتفعة من الفائدة يجعل رؤوس الأموال تتكدس في البنوك، وبالتالي لا يمكن الاستفادة منها إلا من قبل فئة قليلة من أصحاب رؤوس الأموال الذين يستطيعون الإيداع في البنوك والحصول على فوائد عالية".

وأكد أن "السياسة التركية كانت تضغط بشكل كبير لكي تكون قرارات البنك المركزي تتماشى مع أهداف الحكومة التركية التي تريد تسريع عجلة الإنتاج وتقليل نسب البطالة والتضخم".

ويشير إلى أن "الأسواق المالية داخل تركيا تلقته بإيجابية وانعكس أولا العملة التركية حيث انخفضت قيمة الدولار مقابل الليرة، والتي كانت 5.75 ووصلت إلى 5.68".

 

"آثار إيجابية"


وفي إشارة ثانية لـ"آثار القرار الإيجابية على الاقتصاد"، يكمل الخبير الاقتصادي: "بدأت البنوك تعلن تخفيض الفوائد لمن يرغب في أخذ قروض للاستهلاك وشراء العقارات، والتي شهدت في الآونة الأخيرة ركوضا كبيرا"، مضيفا "بعد أن قامت بنوك الدولة سواء الزراعات والوقف والهلق بتخفيض الفوائد إلى أقل من 1 في المئة شهريا، أعلن إيش بنك وهو من أكبر البنوك التجارية تخفيض الفوائد إلى 1.17 فائدة شهريا على القروض لمدة 120 شهرا".

وتوقع أن تشهد عدة قطاعات نموا في إنتاجها ذاكرا بأن"الفوائد المنخفضة للقروض العقارية ستشجع على الاستهلاك والشراء، الأمر الذي سيدفعه إلى النهوض بعد الركوض الحاصل بسبب كثرة المعروض وقلة الاستهلاك"، بالإضافة إلى أن "القطاع الإنتاجي سيشهد تحفيزا أكبر، بحيث يكون هناك تأثير إيجابي على القروض التي يتم طلبها لدعم مشاريع إنتاجية وصناعية في مختلف المجالات".

ويلفت إلى أن "نسبة الفائدة ستشهد تخفيضا ثالثا قبل نهاية العام الحالي"، متوقعا أن "تنخفض الفائدة من 16.5 إلى 12 أو 11.5، بحيث تتم ثلاث تخفيضات هذا العام، بما يحقق نتائج إيجابية على الاقتصاد التركي خلال العام القادم".


وتحدث عن أن "تركيا تستهدف الوصول إلى أرقام محددة، أهمها الوصول إلى خانة أحادي في نسبتي التضخم والفائدة، وقد يصل التخفيض نسبة الفائدة إلى أقل من 10 في المئة أو 11 في المئة نهاية الربع الأخير من هذا العام أو الربع الأول من عام 2020 على الأرجح" مؤكدا في ذات الوقت "هذا هدف استراتيجي للحكومة التركية".


وتوقع أن "ترتفع نسبة النمو مع نهاية هذا العام قد تصل من 1.5 إلى 2 في المئة، وبالتالي الخروج من الانكماش والركود التي كانت تسطير على الأسواق بسبب ارتفاع الفوائد وانعدام السيولة  والتباطؤ في عملية الإنتاج".


ويشير إلى أن "عدد العاطلين عن العمل حاليا 2 مليون و200 ألف، وهي تقارب 11 إلى 12 في المئة، وأتوقع يتم إنزال هذا الرقم بنسبة 0.1 في المئة أي قد نصل إلى عدد 2 مليون، وذلك بسبب الزيادة في الطلب المتوقع بعد تحفيز الاستهلاك وتحفيز الإنتاج".

ويؤكد بأن "مؤشرات الاقتصاد الجزئي الأخرى سيكون لها الدفة الكبيرة في دعم هذه المؤشرات، كزيادة الإنتاج الصناعي، والذي يشكل 72 في المئة، حيث سيشهد مؤشره ارتفاعا" مكملا "الصادرات التركية متصاعدة، وربما تنهي هذا العام قيمة 170 مليار دولار، بارتفاع 11 في المئة عن العام الماضي".


"وليست خفض الفائدة هي السبيل الوحيد للخروج من حالة الانكماش الاقتصادي" وفق كاتب أوغلو الذي يقول: "بعد خفض الفائدة سيتم تشجيع الإنفاق، مع ترشيد الإنفاق والاستهلاك، وتشغيل عدد من الأيدي عاملة، عبر دعم النشاط الزراعي، ومنح قروض بدون فوائد وهبات لأي مشاريع ذات أهمية قصوى، وتقديم حوافز مادية ونقدية ولوجستية للعملية الإنتاجية".

 

اقرأ أيضا: أردوغان يكشف سبب عزله لمحافظ البنك المركزي

"إجراء سريع"


في المقابل، يرى الباحث الاقتصادي أحمد أبو زعيتر بأن قرار خفض الفائدة "يستهدف التحكم في كمية المعروض من النقود بالعملة المحلية داخل الدولة"، وأن "البنك المركزي التركي اتخذ قرار التخفيض كإجراء سريع لعلاج مشكلة الركود الاقتصاد التي تمر بها البلاد".


ويشير في حديثه لـ"عربي21" إلى أنه "بفعل الأزمة التركية الأمريكية في عام 2018 اضطر البنك المركزي إلى رفع أسعار الفائدة إلى 24 في المئة للحفاظ على قيمة الليرة التركية، ولمواجهة مستويات التضخم المرتفعة"، منوها أنه تم "اختيار رفع سعر بشكل أكبر من معدل التضخم الذي كان 18 في المئة".


وأكد أن إجراء رفع سعر الفائد "حقق في الوقت القصير تأثيرات ايجابية على سعر الصرف، حيث دفعت برؤوس الأموال الساخنة من خارج البلاد إلى الداخل وبالتالي تحققت زيادة الطلب على العملة المحلية ورفعت قيمتها في المدى القصير".


واستدرك بالقول: "على المدى المتوسط والبعيد أدى ذلك إلى تراجع في النمو الاقتصادي، وزيادة معدل التضخم، ووفق بيانات الربع الأخير من 2018 والربعين الأولين من عام 2019 الأرقام تتحدث عن انكماش".


ويضيف: "في ظل هذا الواقع الانكماشي لجأ البنك المركزي بعد ضغط الرئاسة التركية إلى اتباع سياسة نقدية توسعية من خلال تخفيف معدل الفائدة، وزيادة السيولة في النقود، بما يحقق زيادة في الاستهلاك، والتي تؤدي إلى زيادة الإنتاج، وتدفع بعجلة الاقتصاد إلى النمو والخروج من مستنقع الركود".


ويؤكد أن "خفض الفائدة كأداة من أدوات السياسة النقدية لا نستطيع الحكم على فعاليتها في الاقتصاد لوحدها، كون تركيا لا تقع في معزل عن العالم، وهي متواجدة في منطقة مليئة بالأزمات، مثل الأزمة السورية، والتخطيط لتنفيذ عملية عسكرية شرق الفرات، وأزمتها مع الولايات المتحدة الأمريكية حول شراء منظومة "أس 400" الصاروخية، واستبعادها من شراء طارات "أف 35"، إضافة إلى بعض الإجراءات الروسية المعادية لها خاصة في منطقة إدلب السورية، وإرسال تركيا بعض السفن للتنقيب وحفظ الحقوق التركية القبرصية بما يشكل تحديا لبعض الدول، و وكذلك أزمة اللاجئين مع الاتحاد الأوروبي ومماطلته في دفع مستحقات دعمهم".

وينبه إلى أن "كل هذه الأزمات لا تجعلنا نستطيع الجزم بأن خفض سعر الفائدة وحده قادر على انتشال ودعم الاقتصاد التركي إضافة لما تمر به من عوامل سياسية  داخلية"، مؤكدا "سعر الفائدة يكون محرك سريع، فيما يخص تعجيل النمو الاقتصادي، وهو يعتمد على استقرار العوامل الداخلية والخارجية الأخرى".

سياسات أخرى


ويعتقد الباحث الاقتصادي أن هناك "مشاكل في الهيكل الاقتصادي التركي، بحاجة إلى إصلاحات أهمها التركيز على الاعتماد على الموارد الداخلية التركية، خاصة في موضوع الطاقة والتي تستوردها تركيا بجميع أنواعها بالدولار الأمريكي".

 

اقرأ أيضا: هذه أبرز التحديات التي تواجه اقتصاد تركيا بعد فشل الانقلاب

ويضيف "لا بد من إيجاد بعض السياسات التي تشجع على الإنتاج والإصلاح الذاتي، وتخفيض الاعتماد على السياسية الضريبية، لأنها تزيد من الأعباء على الشارع والتي تلاقي احتقان كبيرة من قبل المواطن التركي نتيجة زيادة الأسعار".


كما شدد على "ضرورة إعادة النظر في طبيعة العلاقات الخارجية، والتي هي بحاجة إلى التعامل بدبلوماسية أكثر لتجنب أي صدمات تصيب الاقتصاد التركي، خاصة في العلاقات مع الولايات المتحدة"، و"النظر بواقعية وتوازن تجاه حجم البلاد السياسي والاقتصادي والتي تسعى بقوة إلى الاستقلال بقرارها بعيدا عن المؤثرات الخارجية".


ويختتم بالقول: "تخفيض سعر الفائدة عامل مؤثر، لكن لا يمكن جعله وكأنه العامل الوحيد للنجاة بالاقتصاد التركي، لا بد من الربط بين السياسات الفعالة التي تتخذها الحكومة والبنك المركزي، والتي لا بد أن تتواءم مع التطورات الخارجية حتى تستطيع أن تحقق أهدافها المرجوة في خطتها التي تنتهي عام 2023".

التعليقات (0)