قضايا وآراء

هل الجيش المصري خير أجناد الأرض؟!!

عصام تليمة
1300x600
1300x600

منذ خمس سنوات كتبت مقالا بعنوان "الجيش المصري بين التقديس والمساءلة"، وتكلمت أكثر من مرة في عدة برامج أرد على كلام الدكتور علي جمعة مفتي مصر الأسبق، والذي أراد فيه أن ينسج أوهاما دينية حول مكانة الجيش المصري تحديدا، وأن السنة النبوية نصت على خيريته، وكان علي جمعة ومشايخ السلطة العسكرية يستدعون نصوصا يجعلون بها قداسة وهالة حول المؤسسة العسكرية، وهو أمر تتم ممارسته منذ حكم العسكر سنة 1952م، ويتم توظيف المؤسسة الدينية لتخدم العسكر، بتطويع النصوص الدينية لتمجيد حكمهم.

 

شيوخ العسكر ودار الإفتاء

 
ومنذ أيام قلائل أصدرت دار الإفتاء مادة مصورة، تمتدح الجيش المصري والشرطة، بحديثين هما نفس الحديثين اللذين يروج لهما دائما من شيوخ العسكر، فقمت بالرد عليه في برنامجي (يستفتونك) مبينا ضعف هذه النصوص، وضعف الاستدلال، وموضحا منهج الإسلام في ذلك، فكان من دار الإفتاء على لسان مفتيها: الدكتور شوقي علام؛ أن أصدرت بيانا ترد على ما ذكرت دون ذكر اسمي، وأنه لا عبرة بمن يرد هذه الأحاديث هوى أو جهلا؟! وسوف نرى من الذي يلوي أعناق النصوص لتوافق هواه وجهله، وهوى سلطانه العسكري؟

شيوخ العسكر ودار الإفتاء يستشهدون بحديثين، الأول: (إذا فتح عليكم مصر فاتخذوا فيها جندا كثيفا، فذلك الجند خير أجناد الأرض. فقال له أبو بكر: ولم ذلك يا رسول الله؟ قال: لأنهم في رباط إلى يوم القيامة) والحديث الثاني: (تكون فتنةٌ أسلمُ الناس فيها الجند الغربي: يعني في مصر)، والحديثان قال عنهما أهل العلم: ضعيفان جدا، فالحديث الأول مداره على ثلاثة أشخاص: ابن لهيعة وهوضعيف، وفيه الأسود بن مالك الحميري، وهو مجهول، وفيه: بحير بن ذاخر المعافري، ولم يذكر فيه جرح ولا تعديل، والحديث ضعيف جدا، والحديث الآخر قال عنه أهل الاختصاص: منكر. وتفاصيل حول الحديثين ليس هنا مجال الإسهاب فيها.

 

هل يعقل أن جيش محمد صلى الله عليه وسلم يكون فيه المصيب والمخطئ، وجيش عبد الفتاح السيسي يكون خير أجناد الأرض بالإطلاق؟


ولو افترضنا صحة الحديثين، فهما يتحدثان عن شعب مصر، وليس عن جيش مصر، فلا علاقة له بالعسكر من قريب أو بعيد، فقد تحدث أن يتخذ من أهلها جندا، لأن الخيرية حسب الحديث عن شعب، وليست عن جند وجيش، فلم يكن لمصر آنذاك ولا بعده جيش بالمعنى المعروف حاليا، وهذه نقطة. 

النقطة الثانية: هل الخيرية مرتبطة بشروط أم هي عامة ودائمة؟ يعني هل وجدنا القرآن أو السنة مثلا، تعطيان الخيرية لجهة أو مهنة، أو عائلة، أو بلد هكذا بالإطلاق، أم أنها دائما مشروطة؟ فمثلا صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وأهل بدر تحديدا، غفر الله لهم، ولم يغفر لكل الصحابة المجاهدين، ويعطيهم مزية أهل بدر، هذه هي الحالة الاستثناء. 

 

كيف نفهم النصوص؟

لقد تحدث القرآن الكريم عن بني إسرائيل، وأنهم مفضلون على العالمين، فقال تعالى: (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين) البقرة: 122، فهل تخرج لنا إسرائيل لتقول لنا: إن قرآنكم يبين أني فضلت على العالمين، وأنتم من العالمين؟ أم أن هذا التفضيل كان مشروطا بشروط، ولم يعملوا بها، فاستحقوا لعنة الله وعقابه، ونقل الرسالة إلى العرب. وهكذا تفهم النصوص التي تتحدث عن تفضيل جهة ما، أو بلد ما.

وليس هناك جيش خير من جيش محمد صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك هذا الجيش انتصر في بدر، واعتبر أصحابه لهم أفضلية، ومع ذلك عندما هزم هذا الجيش في غزوة أحد، وهم نفس الأشخاص الذين كانوا في بدر، لكن طائفة منهم عصت أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزلوا من على الجبل، فقال عنهم تبارك وتعالى: (منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة) آل عمران: 152، وقال عن بعضهم: (إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا) آل عمران: 155.
 
فهل يعقل أن جيش محمد صلى الله عليه وسلم يكون فيه المصيب والمخطئ، وجيش عبد الفتاح السيسي يكون خير أجناد الأرض بالإطلاق، أليس هذا ادعاء على الإسلام بغير الحق، وفتنة للناس في دينهم؟! فكيف تكون الخيرية لجندي يوجه رصاص سلاحه لصدور أبناء شعبه العزل، ولم يطلقه على عدوه المباشر؟!

الأمر الثالث: هل هذه الخيرية لكل الجيش المصري، أم هي مرهونة لمن يوافق الحاكم، فهو من خير أجناد الأرض، ومن يخالف فهو خارج عن الخيرية؟ أليس سامي عنان رئيس أركان الجيش السابق من خير أجناد الأرض؟ وأحمد شفيق؟ وسعد الدين الشاذلي الذي سجن واتهموه بالخيانة؟ وأبو غزالة الذي نشروا له فضائح، وخالد محيي الدين الذي نفي، وشمس بدران الذي حبس في عهد عبد الناصر؟ ومحمد نجيب وقد كان قائدا كبيرا ثم رئيسا واتهموه بالتخابر وأهانوه؟ أليسوا هؤلاء جميعا يدخلون في خير أجناد الأرض؟ وقتلة السادات ألم يكونوا من خير أجناد الأرض، وقتلوا واحدا من خير أجناد الأرض يعني منهم فيهم؟ 

ما المعيار الديني الدقيق الذي تحتكم إليه دار الإفتاء وشيوخ العسكر في تحديد خير أجناد الأرض؟ نرجو أن يدلونا عليه بحيث يظل معيارا ثابتا، لا يتلاعب به أحد، هذا إذا فرضنا جدلا صحة الأحاديث التي وردت، وهي أحاديث ضعيفة جدا ومنكرة. إن المعيار عند شيوخ العسكر هو نفسه معيار مشايخ السلطة في السعودية عندما غيروا جلدهم بين يوم وليلة، وأصبحت القاعدة الفقهية: الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان، قاعدة قديمة، لتصبح الآن: الفتوى تتغير بتغير الحاكم، وبذهب وسيف حكم العسكر!!

التعليقات (4)
همام الحارث
الجمعة، 13-09-2019 06:20 م
لا توجد خيرية دائمة و لا تزكية مستمرة لأي شخص أو لأية جماعة أو أمة لأن الخيرية و التزكية مشروطتان في دين الله فإن زالت الشروط يحصل الانتقال من النقيض إلى النقيض . دليلان على ذلك كأمثلة : 1) قال تعالى : " واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون" . كان رجل من قوم موسى - عليه السلام –اسمه بلعم بن باعوراء و كان مجاب الدعاء لوجود اسم الله الأعظم لديه ، لكنه انحرف عن الدين و لعب الشيطان به و اختار الوضيعة بدلاً من الرفعة فصار مثل الكلب كما وصفه الله الحق وبذلك خسر الدنيا و الآخرة . 2) قال تعالى : " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون " . أي أنتم – يا مسلمين – خير أمة بثلاثة شروط الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و الإيمان بالله حق الإيمان فإن حصل إخلال بأي شرط ، انتفت الخيرية عنكم . في بلدان العالم الثالث ، و منها بلادنا ، المهمة الأساسية للجيش هي ليست صون الوطن و الدفاع عنه ضد كل معتدي غدار طماع يريد استعماره و استعباد أهله و تدميرهم و تهجيرهم و إنما انتقلت المهمة من حماية الديار إلى حماية النظام المستبد المفروض على رقاب العباد بالقهر من جهات أجنبية معادية . تتطلب حماية النظام الجائر القمع و القتل ، و حين يتم قتل أبناء و بنات الوطن يتحول الجيش إلى جحش و يفقد شرعيته و قصة أن العسكري مجبور على إزهاق أرواح الناس مرفوضة عند الله ، وهذا العسكري جزاؤه جهنم خالداً فيها مع غضب الله عليه و العذاب العظيم الذي ينتظره . ديننا ليس لعبة فهو جدَ ليس بالهزل . لا يمكن أن يكون قتلة مجرمون من خير أجناد الأرض .
محمد رضا التناوي
الجمعة، 13-09-2019 03:43 م
ربنا يباركلك ياشيخ. أعزك الله بالإسلام
ابوعمر
الخميس، 12-09-2019 03:59 م
خير أجنادالارض هم المقاومون المجاهدون في غزة وكل البلاد العربية الاسلامية المستباحة...عساكر مصر أقرب الى الكلاب التي تهجم على أكياس القمامة التي تفرغها شاحنات الزبالة ..أعزكم الله.......أي أجناد وأي هباب...وهل راقصات شارع الهرم خير حسان الارض....
مصري جدا
الخميس، 12-09-2019 01:18 م
ربنا يسامحك يا شيخ عصام ،، جبت شغل لدار الافتاء وجبت شغل لشيوخ السيسي ،، اللي كانوا مش لقين شغل ،،، وشغالين فتاوى في الموسيقى والحب وكرة القدم ،،، كده هتخليهم نجوم فضائيات دفاعا عن خير مقاولين وتجار وجزارين وسماكين الأرض ،، عموما ارزاق ،،، اعتذر عن عدم الكتابة بالفصحى ،،