مقالات مختارة

انتخابات الكنيست، أسوَدْ أسوَدْ

مهند عبد الحميد
1300x600
1300x600

يُنظر للانتخابات في أي بلد كمرآة للواقع وتحولاته الإيجابية والسلبية، ولا شك في أن انتخابات الكنيست الإسرائيلية التي ستجرى في 17 أيلول القادم لا تشذ عن هذه الرؤية.

ومن منظار فلسطيني ثمة أهمية للتدقيق في المشهد الإسرائيلي وفي معادلات الصراع بين المشروعين الفلسطيني والإسرائيلي من خلال الانتخابات. 

هل من جديد في الموقف الإسرائيلي الرسمي والشعبي من الشعب الفلسطيني وحركته السياسية في هذه اللحظة السياسية الفارقة؟ بادئ ذي بدء يسهل القول إن الموقف الإسرائيلي من الحقوق الفلسطينية شديد السلبية والعدمية.

غير أن هذه الإجابة العامة لا تكفي وتحتاج إلى تفكيك وتمحيص بهدف تحديد سبل مغايرة في التعاطي مع المواقف الإسرائيلية.

لماذا عادت المؤسسة الإسرائيلية الأمنية والسياسية إلى البدايات التي تقول إن نجاح إسرائيل يعني ويتطلب إلحاق الهزيمة التامة الشاملة بالشعب الفلسطيني وبقضيته، وما يعنيه ذلك من التنكر لأبسط حقوقه الوطنية والمدنية والإنسانية.

من يدقق في الحملات الانتخابية وبرامج الأحزاب سيكتشف العودة إلى شعار إسرائيل الكبرى الذي ظن كثيرون أن صفحته طويت بعد إبرام اتفاق أوسلو.

فها هو نتنياهو ومعسكره العتيد يتعهد بفرض السيادة الإسرائيلية على كافة المستوطنات الصغيرة والكبيرة المقامة على أراضي الضفة الفلسطينية، في الوقت الذي يدعو فيه بينيت إلى ضم كل المناطق المسماة «سي» لتصبح جزءا من أرض إسرائيل الكبرى.

ولا يختلف تكتل الوسط «أزرق أبيض» وحزب العمل وتحالف باراك - ميرتس في مواقفهم عن اليمين، في ضم الكتل الاستيطانية ومنطقة الأغوار وتشجيع الاستيطان فيها، وفرض السيطرة الأمنية الإسرائيلية على مجمل الضفة الغربية مع تكريس الانفصال عن الفلسطينيين كتجمعات بشرية عبر بنتوستونات الفصل العنصري. 

وتبقى القدس موحدة عاصمة لإسرائيل، وتشطب قضية اللاجئين، كما يوجد اتفاق على دمج «الفلسطينيين» في تسوية إقليمية برعاية «أميركا ترامب» على قاعدة حسم القضايا الكبيرة من طرف واحد كما جرى تحديده في المواقف والبرامج والدعاية الانتخابية الآنف ذكرها، وفي منظومة القوانين وبخاصة قانون القومية الذي يشطب الحقوق الوطنية التاريخية للشعب الفلسطيني، ويؤكد الاستحواذ على كل أراضي فلسطين التاريخية. 

كما نرى لا يوجد برنامجان سياسيان متعارضان أو مختلفان في الانتخابات الإسرائيلية، الفروق الموجودة في قضايا الأمن والسياسة تكاد تكون ثانوية أو غير جوهرية.

الجنرالات معجبون بسياسة نتنياهو الخارجية التي تلتقي مع كل يمين شعبوي وفاشي على صعيد كوني.

معجبون بالعمليات العسكرية في العراق وسورية ولبنان. ومعجبون بموقفه من إيران وبنجاحاته في بناء استقطاب وتحالف إقليمي عربي استبدل الخطر الإسرائيلي بالخطر الإيراني. 

الأصل في ما يسمى الإجماع الإسرائيلي هو بقاء السيطرة الكولونيالية على شعب آخر من خلال الاستيطان وإحكام القبضة العسكرية الأمنية، ونهب موارده وتبديد مقومات استقلاله وتقرير مصيره من طرف واحد وبمعزل عن رغبته وإرادته ،وبقاء وتطوير الدور الدركي الإسرائيلي في عموم المنطقة. 
خلاف الجنرالات وحليفهم لابيد مع نتنياهو يأتي أحيانا من يمينه وذلك عندما يدعون للحسم العسكري في قطاع غزة.

وعندما يعقد يائير لابيد المتحالف مع الجنرالات المؤتمر التأسيسي لحزب «يوجد مستقبل» في مستعمرة أريئيل. 

ويأتي في أحيان أخرى من على يسار نتنياهو عندما يحاول إضفاء الشرعية على جماعات كهانا «الأصولية اليهودية الفاشية»، وعندما يرفضون تحويل الجندي آزاريا الذي قتل الشريف بدم بارد بطلا قوميا، وعندما يعترضون على سن «قانون الكاميرات» في مواجهة الناخبين العرب الفلسطينيين، وعلى التحريض ضدهم بالقول العرب يهرولون إلى صناديق الاقتراع، إضافة إلى  اعتراضهم على محاولات فرض مراقبات لكشف غطاء وجه المنقبات عند صناديق الاقتراع.

إن قضايا الخلاف المحتدمة بين المعسكرين المتخاصمين هي خارج القضايا السياسية المتعلقة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، كالخلاف على فكرة أو مشروع قانون الحصانة الذي يسمح لنتنياهو بالتملص من التحقيق في قضايا الفساد والفضائح التي قد تعزله وتضع نهاية لمكوثه الأطول في موقع رئيس حكومة.

الخلاف يمتد إلى مشروع الحد من صلاحيات السلطة القضائية، الذي يستخدمه نتنياهو في الخروج من دائرة المحاسبة، وكذلك خلاف حول قانون التجنيد الذي يحاول عبره نتنياهو استرضاء الأحزاب الدينية وإخضاعها لسيطرته ضمن الحلف الذي يجمعه معها.

هذا النوع من الخلاف قد يرجح كفة على أخرى لكنه لا يمس السياسات التي تجمع أقطاب الخلاف.
وبحسب استطلاعات الرأي فإن مستوى الخلافات لن يحدث تغييرا ذا شأن في الاستقطاب الداخلي الإسرائيلي.

الأغلبية الإسرائيلية بنسبة 60% تؤيد أداء نتنياهو في العلاقات الخارجية، ونسبة 56% تؤيد دور نتنياهو في تطوير قدرات إسرائيل العسكرية، ونسبة 50% تؤيد تعامل نتنياهو مع إيران. ونسبة من 45% راضية عن تحسين نتنياهو للاقتصاد.

مقابل ذلك هناك أغلبية إسرائيلية غير راضية عن فساد نتنياهو. لهذه الأسباب ترجح كفة اليمين الإسرائيلي بأريحية في حال عودة أفيغدور ليبرمان لمعسكر اليمين الذي ينتمي إليه، ويبقى التقارب والتعادل سيد الموقف  في حال استمراره بالتمرد لأسباب لها علاقة بالموقف من المتدينين.

في الوقت الذي لا يستطيع الصوت العربي في الكنيست أن يرجح كفة أزرق ابيض لسببين الأول بسبب العنصرية الموجودة في المعسكرين التي ترفض تفعيل الصوت العربي في القرار الإسرائيلي. السبب الثاني لأن الموقف الداعم لبقاء الاحتلال والاستيطان والسيطرة على شعب آخر ووضع الأطماع الكولونيالية في حيز التنفيذ يقوض فكرة الالتقاء والتحالف بين القائمة المشتركة وأزرق أبيض.
انتخابات الكنيست إذا ما جرت مقاربتها بالألوان يمكن القول إنها أسود أسود، قائمة نتنياهو بعيون فلسطينية سوداء، وقائمة أزرق أبيض سوداء لتكون النتيجة أسود أسود.

لم تغادر إسرائيل إيديولوجية إقصاء الآخر. لقد كانت تجربة أوسلو من منظور المؤسسة الأمنية، محاولة ترويض «إرهابيين» وإعادة بناء أدوار لهم في خدمة دولة الاحتلال.

محاولة بناء سلطة قامعة لشعبها ومنفذة لأدوار مرسومة مسبقا. كان الموقف مواربا ومموها ومع كل انكشاف أو ابتعاد عن المرسوم كان الصراع ينفجر، ويُغيب الشريك.

غُيب عرفات الذي كان يحلم أو يتوهم بخروج ديغول أو ديكليرك إسرائيلي.

ويتكرر المشهد مع أبو مازن الذي لم يعد شريكا، والأنكى أنه يجري بناء مشهد جديد مع حماس بنفس المفهوم والأهداف أي مقايضة إرهاب بسلطة على شعبها، غالبا فإن هذا المشهد لن يطول لأن التاريخ لا يعيد نفسه بل يأتي مرة في صورة مأساة وفي الأخرى في صورة مهزلة.

ويتكرر التفتيش الفلسطيني عن شريك إسرائيلي مع فارق أنه هذه المرة من داخل معسكري أسود أسود!


عن صحيفة الأيام الفلسطينية

0
التعليقات (0)

خبر عاجل