مقالات مختارة

إعادة صياغة الذات العربية أو .. الكارثة !

أحمد القديدي
1300x600
1300x600

في زمن الهم والدم كما وصفه الشاعر الفلسطيني سميح القاسم لابد من مواجهة الذات العربية بالحقائق المرة من اجل إعادة صياغتها بصدق وبعمق لأن زمن الهم والدم هذا الذي نحياه لن يقبل التأجيل ولا التدجيل.

فنحن العرب في مفترق طرق وعرة أصبحنا نواجه تحديات كانت من قبل سياسية واقتصادية وأصبحت اليوم حضارية ووجودية، أي أن السؤال فيها هو سؤال شكسبير في «ماكبث»: نكون أو لا نكون؟! ماذا بقي حيا من الأحلام العربية ونحن نرى شعوبا عربية تحصدها حروب أهلية مفروضة عليها من قبل أنظمة عربية عميلة تخدم ركاب صفقة القرن وتؤيد اليمين العنصري الغربي وتعزز الإسلاموفوبيا بتعلات مقاومة الإرهاب (لا الإرهاب الحقيقي الذي نتصدى له جميعا بل الإرهاب الذي تقدمه لهم إسرائيل وعرابوها أي ما تبقى من أنفاس المقاومة) ونرى شعوبا مهددة بالقصف والموت تحت الأنقاض ونرى شبابا عربا بشهادات عليا يقطعون البحر الأبيض خلسة على مراكب الموت ويتحولون إلى طعام للسمك بعد أن وعدتهم أنظمة الربيع العربي أنها ستطعمهم السمك! أو نراهم هاربين إلى القرون الغابرة من زمن الهم والدم واختلاط القيم وطغيان الظلم العالمي في بؤر العنف والإرهاب؟، ونرى علماء عربا ينبغون في الفيزياء وينجحون في ضبط أدق جزئيات الليزر وينالون جائزة نوبل في مختبرات ومعامل وجامعات الولايات المتحدة لأنهم أحبطوا في بلدانهم.

إنه حصاد الوهم في العالم العربي وإذا وسعنا «زوم» الكاميرا الحضارية التي نسلطها على العالم العربي لرأينا هشيما هائلا من الأحلام المجهضة والأماني المحروقة والفرص الضائعة.

فها هو الاتحاد الأوروبي يفتتح عهدا جديدا سعيدا باستعمال عملته الموحدة «اليورو» منذ بداية القرن وقد بدأ يفكر فيها عام 1958و يخطط لدفاع مشترك ويوصد أبوابه في وجوهنا نحن العرب الذين ساهم أجدادنا في تحريره من النازية وشارك آباؤنا في بناء مدنه ومد طرقاته السريعة وتشييد جسوره وسدوده! بينما نحن العرب فكرنا وتصورنا وخططنا للدينار العربي المشترك منذ العام 1945 حين عقد الأمين العام لجامعة الدول العربية عبدالرحمن عزام باشا أول اجتماع مع رجال الاقتصاد والمصارف العرب وتوكلوا على الله لإنجاز بيت المال العربي والعملة العربية الموحدة والسوق الاقتصادية المشتركة.

والمرحوم عبد الرحمن عزام باشا هو الجد للأم للدكتور ايمن الظواهري ـ والد أمه ـ وصلة الرحم هذه ليست خارجة عن موضوع مقال اليوم لأن انهيار أحلام الجد بصفة أو بأخرى نجمت عنه التوجهات المتطرفة للحفيد ولجيل عربي لم يحصد إلا الأوهام والوحدة العربية التي خطط لها الرواد من ملوك العرب أولئك الذين تناسينا أفضالهم ملوك الثلاثينيات والأربعينيات رحمهم الله.. أولئك الذين توحدوا لشن حرب 1948 ضد عصابات الصهاينة الإرهابية (الأرجون وشتيرن) واجتمعوا مع الملك فاروق ليطربوا لأناشيد أم كلثوم الوطنية ثم اتهمهم من خلعهم عن عروشهم بأنهم غشوا الأسلحة وفرطوا في فلسطين، ومزقوا الأمة العربية، واعتلى الزعماء العسكر الجدد عروش الجمهوريات بالنتائج الكارثية التي نعرفها بعد سبعين عاما من الشعارات والهتافات والانتهاكات وقتل الحريات ووأد الذات، وجرى كل ذلك «عن حسن نية» وعوض الوحدة والتضامن حققنا بأيدينا الفرقة والتنافر وعلقنا كوارثنا على شماعة المؤامرات الإمبريالية.

 

وجاءت الفصول الأخيرة من مسرحية الضياع العربي محملة بالفاجعة حين قامت الحرب العراقية الإيرانية على مدى ثماني سنوات عجاف دمرت دولتين مسلمتين ثم جاءت كارثة الغزو العراقي المأساوي للكويت وظهر الوجه البشع للقوة العراقية ثم السورية عوض توجيه الوجه الحسن نحو التضامن العربي ودعم الصف العربي وشد الأزر العربي.

إنها الفتنة الكبرى المعاصرة! أعقبتها فتنة ثانية تضاهيها ضراوة عندما وقع هجوم بالطائرات المدنية على برجي مركز التجارة الدولي .. ونحن لا نعلم يقينا من الفاعل ومن الممول ومن المخطط لكننا نعلم يقينا من المستفيد ومن الضحية، فدفع أبرياء أفغانستان وفلسطين والعراق واليمن وليبيا ثمنا غاليا لحسابات خاطئة وأوهام خاسرة.. لم تقرأ عواقب الأمور. بل نتائجها إعادة رسم خارطة العالم ـ وليس الشرق الأوسط وحده ـ بما يتوافق مع مصالح الأقوياء وحلفائهم على حساب العرب والمسلمين. وإذا حصرنا صراعنا مع إسرائيل، نجد أن هذه الدولة الجديدة تخصص ثلاثة بالمائة من دخلها الوطني الخام للبحث العلمي مقابل نسبة صفر فاصل صفر فاصل واحد لمجموعة الدول العربية.


فلقد عطلنا نحن العرب فريضة البصيرة واستباق الزمن وقطعنا الصلة بين النظام الرسمي والجامعات والمفكرين، بين أصحاب الأمر وأصحاب الفكر.. وكذلك لدى كوريا الجنوبية وتايوان وماليزيا واليابان وتركيا وإيران تخطط لمستقبل قد لا يكون فيه مكان للعرب لأن مكاننا بإرادتنا هو خارج دائرة التاريخ وعلى هامش العمولة. اليوم يتواصل النزيف وتشترى الذمم في انتخابات هنا أو هناك تخدم مصالح نفس القوى المهيمنة وتمني العرب بنصر مزيف مغشوش!

عن صحيفة الشرق القطرية

0
التعليقات (0)

خبر عاجل