قضايا وآراء

شرعنة القتل في مصر

1300x600
1300x600
حياة كريمة.. إنها مبادرة من عديد المبادرات التي أطلقها النظام في مصر بعد اختطفها من نظامها الشرعي. مهد لتلك المبادرات بأهم أحجية له: "أنتو مش عارفين إن انتو نور عنينا ولا إيه"، ومن يومها والشعب المصري يضرب أخماسا بأسداس، فالرجل غالبا لا يعني ما يقول أو لا يقول ما يعني، وربما أراد بما يقول عكس ما يعني.. فأي حياة كريمة وبداية حكمه دم ومجازر وبث للكراهية بين مكونات الشعب، حتى فر الأخ من أخيه وأمه وأبيه، وأصبح طريدا لا أسرة ولا عشيرة تؤويه؟

ولم يشأ أن يبدأ بتقطيع أوصال هذا الشعب بغير سند، فشرعن أفعاله بقوانين وأحكام قضائية، فالرجل يملك مفاتيح الدولة ويستطيع بعد أن يعدل الدستور على مقاسه وأن يفكك قطع الصورة ليعيد تركيبها لتناسب ديكور الدولة العصرية، من برلمان، وقضاء، وقضاء أعلى يستأنف أمامه من يرى في الحكم إجحاف، ووزارات سياسية، والكل يعمل على النحو المرسوم وحسب الخطة الموضوعة: شرعنة القتل.

بعد مقتل النائب العام هشام بركات؛ أعلنها رأس النظام في مصر صراحة: "لن نقضي خمس أو عشر سنوات في محاكمة الأشخاص الذين يقتلوننا. عندما يصدر حكم بالإعدام، يجب تنفيذه، سوف نقوم بتعديل القوانين. فالقانون الجنائي المصري العريق والراسخ غير مناسب للغرض، بحسب رؤيته المتعجلة دوما للدم، وقال إن مصر تواجه الإرهاب وتحتاج إلى محاكم وقوانين قادرة على تحقيق العدالة بسرعة، على حد زعمه، لكنه مع ذلك وقبل هذا التصريح لم يتورع عن القتل بأحكام قضائية تفتقد أدنى مقومات العدالة أو حتى خارج منظومة العدالة؛ بأجهزته الأمنية وجيشه اللذين يقتلان على الهوية في مرحلة، وعشوائيا لاحقا.

الإعدامات التي باتت سمة لهذه الحقبة التي تعيشها مصر تحت سيطرة السيسي ونظامه الانقلابي، والتي وصلت أعداد الإعدامات فيها إلى 3000 حكم، نفذ منها ما يقارب 180، وهو رقم أدخل نظام السيسي موسوعة جنيس للأرقام القياسية، كأكثر نظام إجرامي في العصر الحديث.. لم تعد هذه الإعدامات مفزعة بعد أن قرر النظام تدشين "مشروع القتل للجميع"، فلا يلزم أن تحمل السلاح في وجه الأمن الذي يقتلك بطائراته ويستعين في ذلك بطائرات صديقه الصهيوني، أو تكون معارضا سلميا تخرج في مظاهرة لتهتف بسقوط النظام الذي أسقط مصر من التاريخ ومحا بعضها من الجغرافيا، بل يكفي أن تكون مصريا تعيش على تلك الأرض الطيبة لتُقتل.

ولأنه من الصعب قتل 100 مليون مواطن دفعة واحدة، كما أنه من الصعب أيضا أن تتوفر الأسلحة أو المحاكم لقتل كل هذا العدد من الضحايا، فإن النظام وضع خطة أعيت إبليس نفسه الذي رفع لهذا النظام القبعة إجلالا وتقديرا.. سماها إصلاحات اقتصادية ستخرج مصر من العالم الثالث إلى عالم البرزخ، حيث لا شقاء ولا عناء، ولا متطلبات حياتية تثقل كاهل الإنسان، فلا ملبس ولا مأكل، ولا حاجة لكهرباء ولا غاز ولا اتصالات، ولا شكوى من مواصلات ولا طرق، ومن ثم لا حوادث ولا قطاع صحي، والدار أمان، فلن تشكو منظمات حقوق الإنسان من تعسف الدولة ولا أجهزتها الأمنية في ملاحقة الشعب وتعذيبه.

تقول الإحصائيات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، إن قرار رفع الدعم الذي نفذه النظام بالفعل رفع معه نسبة الفقر بين الشعب المصري بنسبة 32.5 في المئة بعد ما كانت 28 في المئة قبل أن يغمض رأس النظام عينيه عن الشعب فيطفئ النور أو ترتفع فواتيره بسبب رفع الدعم، لكن الأزمة ليست في الكهرباء فيمكن ترشيدها، لكن حاجة الشعب إلى الغذاء الذي أصبح من الرفاهيات لا يمكن تحملها. يقول الجهاز المركزي للإحصاء إن فقراء الصعيد الذين يكادون يقتاتون على الكفاف؛ وصل عددهم إلى 12 مليون مصري، بينما أمثالهم في الوجه البحري وصل إلى ثمانية ملايين.. هذه الأرقام هي جزء من كل، فالبنك الدولي يقول إن أكثر من 30 في المئة من المصريين تحت خط الفقر، وأن 60 في المئة إما فقراء أو معرضون للفقر. هذه الإحصائيات الصادمة تزداد وطأتها عندما يستعرض النظام مشاريعه العملاقة التي أنفق عليها (ولا يزال) مليارات الدولارات بغير نفع ولا عائد.

ولأن الأرقام لا تكذب، فإن النظام يكذب ويتحرى الكذب ويحلف على ذلك بأغلظ الأيمان. ومن المفارقات أن موسوعة جنيس للأرقام القياسية اختارت المصحف الذي حلف عليه رأس النظام ووزرائه وقضاته كأكثر كتاب مقدس تم القسم عليه كذبا (طبعا هذه مزحة)، لكن الحقيقية قول الشاعر: كم ذا بمصر من المضحكات المبكيات.
التعليقات (0)