مقالات مختارة

كيف ننجو من غول العولمة المفترس؟

أحمد القديدي
1300x600
1300x600

لا بد من الإشارة إلى أن الجانب التجاري والاقتصادي والاستثماري بين قطر وواشنطن يشكل كسبا للطرفين المتعاقدين لأنه يضمن حماية مصالح الشعبين، وهو مكمل طبيعي للتحالف الاستراتيجي بين الدولتين. ولم تغفل الاتفاقيات الموقعة بين البلدين مستحقات العولمة ومحاذيرها، بحيث لم يعد النظام العالمي مرتكزا على أحادية القطب الأمريكي. وأثبت الجانب القطري كفاءة عالية في الحفاظ على الحليف الأمريكي والحفاظ على سيادة القرار القطري.


 وفي غفلة مألوفة من نخبة الأمة الإسلامية وحكوماتها، سيشهد شهر تشرين الأول/أكتوبر المقبل مواصلة وضع بنود (الاتفاق متعدد الاتجاهات للاستثمار)، وهو الاتفاق الذي يرث كلا من(الجات.. الاتفاق الضريبي العام حول التجارة) ومنظمة التجارة الدولية، وتعد الولايات المتحدة هذا الجهاز الدولي الجديد الأداة الأولى والمثلى لتحقيق العولمة التي تخدم مصالحها. وبالرغم من أن هذه المنظمة الجديدة علقت بفضل مجهودات الاتحاد الأوروبي وخاصة الحكومة الفرنسية التي اشترطت استبعاد المواد الثقافية من الاتفاق (شرائط وكتب وأقراص ومنشورات)، فإن واشنطن تصر على توقيع كل الدول عليه وتبنيه.
ولم يتردد الرئيس ترامب في إعلان حرب تجارية عالمية لتهديد منافسي الولايات المتحدة، وقد علقت مائة نقابة ومنظمة أوروبية وروسية وصينية على هذه الحرب قائلة، إن الليبرالية المتوحشة التي تقودها واشنطن هي غول يوظفه رأس المال العالمي لينقض على المستضعفين، ويجب ترويضه. وأضافت هذه الهيئات قائلة، (إنه عوضا عن شعار حرية الشعوب في تقرير مصيرها، سنشهد حرية المستثمرين في تقرير مصير الشعوب).


 ولكي يفهم غير المتخصصين محتوى وأهداف هذا (الغول) نقول، إن غاية الرأس مال العالمي هي حرية التمويل واستثمار الأموال في كل دول العالم، دون ضوابط ودون شروط (أنموذج هذا النمط الجائر يتمثل في الاتفاقات بين صندوق النقد الدولي وعديد الدول المستضعفة)، فحتى شروط الحفاظ على البيئة والطبيعة لم تحظ بالمناقشة، مع العلم أن العالم شهد في العشرية الأخيرة مثلا مجموع استثمارات (دولية) تقدر بثلاثمائة وخمسين مليار دولار، اتجهت 73% منها إلى شراء أو إدماج شركات قائمة، مما أدى إلى تسريح مئات الآلاف من كوادرها وعمالها وخلق معضلات اجتماعية للمجتمعات والحكومات، لاتزال تعانيها إلى اليوم (إندونيسيا ــ ماليزيا ــ ألبانيا ــ كوريا الجنوبية ــ فرنسا، التي يتظاهر فيها لابسو السترات الصفراء منذ عام).


 أما في حالة إدماج الشركات والترفيع من رأس مالها، فإن موت وإفلاس الشركات الأخرى المنافسة لها سيكونان محققين على الأمد القريب أو المتوسط، ففي الحالتين إذن هناك خطر ثابت أكيد سوف لن تقوى اقتصادات العالم على تحمله. هذا وتظل عبارة (متعدد الاتجاهات Multi Lateral) متناقضة، حيث إن بنود المنظمة تضع كل الواجبات على الحكومات، وتضع كل الحقوق والتسهيلات لصالح الممولين، فالمنظمة إذن ذات اتجاه واحد لا اتجاهات عديدة، ومطلوب من دساتير الدول وقوانينها الخضوع الكامل لبنود المنظمة، بدعوى أنها التزام دولي لا محيد عنه (مثلما تفعل حكومات تونس مع الاتحاد الأوروبي!).


وإذا قلنا إن هذه المنظمة ستترعرع كالغول في غفلة من الأمة الإسلامية فنحن لا نبالغ؛ لأن نية الدول الرأسمالية القوية تتجه لإقرار ما تسميه (المبادلات الحرة) في العالم، لا على صعيد الاقتصاد والتجارة فحسب، بل أساسا على الصعيد السياسي والثقافي، وعلى أرض الواقع مثلما تؤكد صفقة القرن وهي سياسة وليست اقتصادا.


 تصوروا رغبة رأس المال الأمريكي أو البريطاني أو الياباني في تمويل مشاريع سياحية في بلد مسلم محافظ! لاشك أن ذلك سيكون على حساب تمويل مشاريع زراعية أو تكنولوجية أو صناعية؛ لأن السياحة قطاع خدمات ومردوده سريع، وهو إلى ذلك مرتبط بشبكة سياحية عالمية ويحمل معه قافلة لا مناص منها من المصائب الوطنية التي ليس أقلها: تشويه السواحل بالبنايات الفندقية العشوائية واستهلاك المياه الصالحة للشرب في المسابح، وري حقول الجولف والحدائق، إلى جانب رفع أسعار المواد الغذائية المحلية، وتحويل تكوين شباب الوطن من المجالات الحيوية في الحاسب الآلي والتكنولوجيا إلى مجالات الخدمات الفندقية أو الأشغال الهامشية مثل فتح أبواب الفنادق، وتشويه هوية البلاد المفتوحة للسياحة، وتوظيف كل مؤسسات المجتمع لخدمة السياحة عوضا عن العكس، وفتح الأبواب للمخابرات العدوة بإتاحة حرية الحركة للعملاء والجواسيس تحت غطاء السياحة.
هذه بعض ملامح الخطر الداهم مع العولمة، وهي تذكر بكل آليات استقرار الاستعمار المباشر في أوائل القرن التاسع عشر بداية من 1830 استعمار الجزائر، إلى التسعينيات مع تدخلات جيوش أمريكية وأوروبية تحت شعار العمل الإنساني أو مقاومة الإرهاب.


 وإذا تأملنا بعض بنود هذه المنظمة، نجد آليات الاستعمار نفسها مهذبة، ومنها: معاملة الممول الأجنبي بشروط الممول الوطني نفسها (مساعدات وإعفاء من الضرائب وإتاحة الفرص نفسها إلخ). منح معاملات الدولة الأكثر تميزا للدولة الأكثر تمويلا، وهو ما يعني أنك مضطر إلى أن تعامل الولايات المتحدة كما تعامل دولة عربية أو إسلامية شقيقة. صفقة القرن التي ترفضها قطر وتركيا وماليزيا، وتروج لها أنظمة خليجية هي الفاصل وهي المحطة وهي الامتحان.

 

عن صحيفة الشرق القطرية

0
التعليقات (0)

خبر عاجل