حول العالم

لماذا اعتقد الرجال أن التصويت لم يُخلق للنساء؟

الفكرة السائدة كانت أن النساء يملكن أدمغة ذات قدرات متدنية ما يجعلهن غير مؤهلات لخوض عملية التصويت- جيتي
الفكرة السائدة كانت أن النساء يملكن أدمغة ذات قدرات متدنية ما يجعلهن غير مؤهلات لخوض عملية التصويت- جيتي

نشرت مجلة "الأتلانتيك" الأمريكية مقال رأي للصحفية والكاتبة مارينا كورين تحدثت فيه عن الحجج التي كان يقدّمها مناهضو حق النساء في الاقتراع، التي كانت قائمة أساسا على أن جسم الأنثى يفتقر إلى المؤهلات اللازمة التي تسمح لهن بالمشاركة في الحياة السياسية.


وقالت الكاتبة، في مقالها الذي ترجمته "عربي21"، إنه عندما يتعلق الأمر بحق النساء في التصويت، كانت الحكمة السائدة تُقرّ بأن مشاركة المرأة في تأدية الواجب المدني فكرة سيئة. وفي سنة 1914، قال الأستاذ الشهير بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، ويليام سيدجويك: "السماح للنساء بالاقتراع يؤدي إلى انهيار البشرية والعودة بالزمن إلى الخلف حوالي ألف عام". 


وبعد مرور خمس سنوات فقط على نشر صحيفة "نيويورك تايمز" التحذير الخاص بسيدجويك، أصدر الكونغرس التعديل التاسع عشر الذي منح المرأة الأمريكية الحق القانوني في التصويت. 


وأفادت الكاتبة بأن هذا القانون لم يتسبّب في انهيار الحضارة البشرية كما زعم سيدجويك. وفي مطلع القرن العشرين، أصغى العديد من الأشخاص إلى أفكار سيدجويك وصدّقوا ادعاءاته التي تفيد بأن التصويت لم يُخلق للنساء. ووفقا للنظرية الرائدة في ذلك الوقت، فإن المجهود الذهني من شأنه أن يعرّض صحة المرأة الإنجابية للخطر. ولو أكد العلم اليوم أن التفكير المكثّف لدى النساء بإمكانه أن يصيبهن بالعقم، لشعر الرجال بالقلق من إرسال بناتهم أو أخواتهم أو زوجاتهم إلى الدراسة أو العمل، وحتى إلى صناديق الاقتراع.


ووفقا لجميع الحركات المناهضة لمشاركة المرأة في التصويت في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا، كان كل عنصر في جسم المرأة دليلا على نقص مؤهلاتها بما في ذلك عقلها. وحسب ما قالته الأستاذة بجامعة لينشبرغ شيريل يورجنسن، فإن الاتجاه العلمي في ذلك الوقت ادعى أن "النساء ببساطة يملكن أدمغة ذات قدرات متدنية، ما يجعلهن غير مؤهلات لخوض عملية التصويت. لهذا السبب، كانت الرسوم الكاريكاتورية المناهضة لحق المرأة في الاقتراع تسخر من قدرة النساء على التفكير، وتصوّر رأسها مملوءا فقط بمجموعة من الجراء والقبعات والشوكولاتة والرجال الوسيمين".


وأضافت الكاتبة أنه بناء على ذلك، في حال استخدمت النساء أدمغتهن غير المؤهلة بشكل مفرط، فمن المحتمل أن ينعكس هذا الأمر سلبا على صحتهن. وخلال القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين، أقرّ الكثيرون بأن جسم الإنسان يحتوي على كميات محدودة من الطاقة، حيث تحتاج النساء إلى توجيه هذه الطاقة نحو أجهزتهن التناسلية بدلا من أدمغتهن. وعلى هذا الأساس، كان يُعتقد أنه إذا أرهقت المرأة تفكيرها بالمشاركة في عملية الاقتراع وفي الحياة السياسية، فمن المرجّح أن يتسبّب هذا الأمر في إصابتها بضمور المبيض. 

في ذلك الوقت، كان معارضو انخراط المرأة في الحياة السياسية يظنون أن هذا النشاط ينطوي على خطورة بالغة، لاسيما في أثناء فترة الحمل. وحيال هذا الشأن، أفاد سيدجويك بأنه: "ينبغي ألا ننسى أن كلا من الحمل والرضاعة يشكّلان ضغطا هائلا على عافية الأم، حيث إن أي نوع آخر من الإجهاد، على غرار الاقتراع، من شأنه أن يلحق الضرر بكل من الأم والطفل".


وذكرت الكاتبة أن مناهضي حق المرأة في الاقتراع أثاروا مسألة القوة البدنية، التي كانوا يعتقدون بأنها عنصر ضروري في المشاركة السياسية. وفي هذا الصدد، كتب القس الأمريكي ليمان أبوت في سنة 1903: "يتمثّل هدف الحكومة في حماية الأشخاص والممتلكات والسمعة من الخصوم الذين يهاجمونهم. لا يوجد قانون دون سلطة تقف وراءه، ومن ثَم لا وجود لسلطة حقيقية دون قوة قادرة على إجبار الجميع على الطاعة. وفي حال لم تستطع النساء الدفاع عن الأمة باستخدام القوة الجسدية، فلن يُسمح لهن بالمشاركة في وضع السياسات الخاصة بها من خلال الاقتراع". 


في المقابل، حاول المناصرون لحق المرأة في التصويت دحض المزاعم حول تدنّي قدرة المرأة الفكرية من خلال نشر المقالات وإلقاء الخطب. وقد أكّدت المؤلفة والعضوة في رابطة المساواة في الاقتراع في فرجينيا، ماري جونستون في مقالة نشرتها مجلة الأتلانتيك سنة 1910 أن "دماغ المرأة غني باللفائف الدماغية تماما مثل دماغ الرجل". 


وفي الختام، أوردت الكاتبة أن الخطاب المناهض لحق المرأة في الاقتراع لم يتلاش حتى حين منح الكونغرس النساء حق التصويت في سنة 1919. وبعد مرور قرن من الزمن، لا يزال الأشخاص يعتبرون أن الأنوثة تشكّل عائقا، ففي السنة الماضية، قال أحد الفيزيائيين في مؤتمر ما، إن عدد الرجال في الفيزياء يفوق عدد النساء؛ نظرا لأن أداء الإناث في هذا المجال يعتبر ببساطة رديئا مقارنة بالذكور.

0
التعليقات (0)