قضايا وآراء

سياسيا وطبيا.. إنه غير مستقر وغير كفء!

هشام الحمامي
1300x600
1300x600

أعلن وزير الخارجية البريطاني "جريمي هانت" دعمه لسفيره المستقيل في واشنطن "كيم داروش"، وقال: لا أشارك السفير تقييمه، لكنني أدافع عن حقه في وضع هذا التقييم الصريح. وأضاف: ما لن نسمح بحدوثه هو أي عرقلة للعلاقات الممتازة بيننا وبين الولايات المتحدة التي تعد أقرب حليف لنا في العالم. ولم ينس السيد الوزير أن يتوعد المسؤول عن هذا التسريب بعواقب وخيمة. نفس الموقف اتخذته رئيسة الوزراء "تيريزا ماي" التي أعلنت دعمها الكامل لسفيرها في واشنطن، بعد إعلان الرئيس ترامب عدم تعامله معه بعد الآن.

وكان السفير البريطاني لدى واشنطن من عام 2016 قد ذكر في مذكرات تم تسريبها ونشرت في جريدة "ذا ميل أون صنداي" الأحد الماضي (7 تموز/ يوليو)؛ أن الرئيس ترامب وإدارته غير كفؤين وبأن أداءهما معطل بشكل غير مسبوق، وأن رئاسة ترامب قد تتحطم وتحترق وتنتهي بوصمة عار. وأضاف: لا نعتقد حقا أن هذه الإدارة ستصبح طبيعية أكثر، وأقل اختلالا، وأقل مزاجية، وأقل تشظيا، وأقل طيشا.

صاحبنا لم ينس أن يصف ترامب شخصيا، فقال إنه شخص غير مستقر وغير كفء. وتطرق أيضا إلى ما وصفه بـ"الفوضى والمنافسة الشرسة" في البيت الأبيض، وأن ما يذكره ترامب مرارا على أنه أخبار زائفة هي بغالبيتها صحيحة. ووجه نقدا مباشرا إلى سياسة ترامب حول إيران، ووصفها بأنها غير مترابطة وفوضوية، واعتبر أن تراجع ترامب عن القيام بضربات ضد طهران بعد إسقاط طائرة مسيرة أمريكية سببه قلقه وخوفه من تأثير هذه الخطوة التي فيها تراجع عن وعود حملته في عام 2016، وتأثير ذلك على الانتخابات القادمة عام 2020.

النزعة الثأرية عند الرئيس الأمريكي تملكته وسرعان ما قفز على تويتر، وأخذ "يعاير" رئيسة الوزراء بأنها لا تؤدي واجباتها كما ينبغي، مكررا انتقاده لأسلوب معالجتها للخروج من الاتحاد الأوروبي. وقال: يا لها من فوضى أثارتها هي وممثلوها.

أما عن السفير فقال ترامب: لا أعرف هذا السفير، ولكنه ليس محبوبا ولا يحظى بسمعة طيبة في الولايات المتحدة. وأضاف الأنباء الطيبة للمملكة المتحدة الرائعة هي أنه سيكون لديها رئيس وزراء جديد قريبا.

 

 

ما ذكره السفير البريطانى قريب جدا، بل يكاد يتوافق مع كتاب نشر عام 2017 بعنوان "حالة دونالد ترامب الخطيرة"

ما ذكره السفير البريطانى قريب جدا، بل يكاد يتوافق مع كتاب نشر عام 2017 بعنوان "حالة دونالد ترامب الخطيرة". الكتاب قامت بتحريره أستاذة علم النفس التشريحي "باندي لي"، وشارك في مادته 27 عالما نفسيا وطبيبا نفسيا وأخصائيين في مجال الصحة العقلية؛ قاموا بتقييم حالة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العقلية من خلال خطاباته وسلوكه على مدى طويل من حياته العامة، وخلصوا إلى أنه شديد الخطورة على البلاد وعلى العالم. وقالوا: إن صحة الرئيس العقلية تؤثر على الصحة العقلية للشعب الأمريكي، وأنه يضع البلاد في خطر كبير بتوريطها في حروب، وفي تقويض الديمقراطية نفسها؛ بسبب نرجسيته المرضية واعتلاله الاجتماعي. وفي تقديرهم، فإن رئاسة ترامب تمثل حالة طارئة تتطلب من الأطباء النفسيين الخروج عن مبدأ "كولدواتر"؛ الذي يرى أنه من غير الأخلاقي أن يقدم الأطباء النفسيون آراء مهنية حول الشخصيات العامة دون فحصهم بشكل شخصي.

الدكتورة باند لي لها مقال ضمن مقالات الكتاب؛ بعنوان "داخل عقل دونالد ترامب"، كتبته وشاركها في كتابته صحفي يعرف ترامب جيدا، اسمه توني شوارتز، وكان قد اشترك مع ترامب في تأليف كتابه الشهير "فن الصفقة".

 

 

يقول المقال: إن ترامب يحاول التظاهر بالعظمة والفخامة، ولكنه في حقيقة الأمر مخادع كبير يفتقر إلى الشعور بالأمان، وعلى الجميع أن يكونوا حذرين حتى لا يدفعهم ترامب نحو الإصابة بالجنون. وأكدا أن حالة ترامب تتفاقم وتزداد سوءا بسبب الضغط النفسي الهائل الذي يشعر به نتيجة لاشتداد حدة التحقيقات التي يواجهها الآن مساعدوه، ولذلك فهو يلجأ إلى الاعتماد على المزيد من الكذب والخداع.

 

ترامب يحاول التظاهر بالعظمة والفخامة، ولكنه في حقيقة الأمر مخادع كبير يفتقر إلى الشعور بالأمان، وعلى الجميع أن يكونوا حذرين

وذكر المقال أن هذا الاختلال في شخصية ترامب ستدفع به أكثر فأكثر نحو العزلة، ونحو النظر إلى الآخرين كأدوات استهلاكية مؤقتة، لذلك تجده ينظر إلى كل من حوله كأعداء يتربصون به السوء. وبناء على ذلك، كما يقول المقال في الكتاب، فان ترامب يقدم على تعريف الحقيقة من وجهة نظره، وهو غير مبال بمقتضيات القوانين والأعراف. وسيبدو مشتت الذهن أكثر وغير قادر على التركيز أكثر، وستكون قراراته لا تنبع من تحليل منطقي أو تأمل دقيق لانعكاساتها. هذا إنسان غير قادر على احتمال أي قدر من النقد، ولذلك ستجده يتصرف برد فعل غاضب ومهدد بالانتقام.

الدرجة المستعصية لإعاقة ترامب العقلية (كما يسميانها) تجعل من الصعوبة توقع الخطوات الكارثية التي قد تنتج عن شعوره باليأس، وذلك بهدف ملء ما يشعر به من فراغ داخلي وإشعار نفسه بالأهمية. وكلما ابتعد ترامب أو أبعد نفسه عن الحقيقة في مواجهة النقد والاتهامات واحتمالات إدانته والتهديد بعزله، فإنه من المتوقع أن يصبح أكثر يأسا وأكثر تطرفا وأكثر عنفا، والأهم، أكثر تقلبا وتسببا بالدمار لمن حوله.

خلاصة القول هي أنه كلما اقتربت الحقيقة من ترامب فإنه سيسعى بكل قوة للابتعاد عنها وقمعها. بهذا الصراع الحاد بين الحقيقة المريرة وترامب الذي لا يتقبل النقد سنكون أمام نتائج كارثية للمجتمع الأمريكي، إن لم يكن للعالم أجمع.

 

 

أين نخبة واشنطن الشهيرة من مفكرين وساسة ونواب؟ أين الدولة العميقة من كل هذا

الدكتور هشام فرارجة، أستاذ العلوم السياسية في جامعة سانت ماري بكاليفورنيا، يؤكد هذا الاستخلاص ويقول: لا أحد يستطيع أن يتوقّع ما الذي سيفعله ترامب عندما يجابه بالحقيقة حول خروقاته وفضائحه وجرائمه، ولكن المؤكد أنه لن ينسحب من المشهد دون أن يتسبب بخسائر فادحة ومدوية للآخرين. فلا شعوره المفرط بالعظمة يسمح له أن يقر بحقيقة أفعاله، ولا شخصيته النرجسية تسهل عليه مهمة التضحية بصورته كفرد في سبيل الصالح العام. هو يؤمن يقينا بأن الحقيقة الوحيدة تتجسد في شخص واحد: هو ترامب، إنه يمثل الحقيقة بعينها (انتهى كلام الدكتور هشام).

السفير المخضرم كان يعي ما يقول حين كتب مذكرته المسربة، والأطباء والمتخصصون كان لديهم واجب علمي ومهنى يحتم عليهم القيام به فقاموا به، وحرروا كتابهم، لكن السؤال الذي يطرح نفسه بدهشه حائرة: أين نخبة واشنطن الشهيرة من مفكرين وساسة ونواب؟ أين الدولة العميقة من كل هذا، وهي التي طالما كانت حاضرة دائما حول كل رئيس أمريكي؟
التعليقات (0)