قضايا وآراء

هواجس الرياض وأجندة ترامب

1300x600
1300x600

جولة بومبيو إلى منطقة الخليج العربي تزامنت مع ورشة المنامة في البحرين التي يشرف عليها صهر الرئيس الأمريكي جاريد كوشنر؛ فأمريكا ممثلة بإدارة ترمب تتحرك في المنطقة العربية على عدة محاور غير أن نقطة الارتكاز في تحركها هو الخليج العربي.

 

سرّ إلغاء العملية العسكرية ضد إيران


فجولة بومبيو تبعت الجدل الذي أشعله إلغاء الرئيس الأمريكي ترامب العملية العسكرية الانتقامية ضد طهران كان البيت الأبيض أقرها بعيد إسقاط طائرة التجسس الأمريكية "إم كيو 4 سي ترايتون" على يد الدفاعات الجوية الإيرانية مؤججا بذلك الهواجس السعودية والإماراتية تجاه الاستراتيجية الامريكية المتبعة مع إيران ومدى جدية الرئيس الأمريكي في ردع طهران وحلفائها في المنطقة .

 

هواجس الإمارات والسعودية لا تقتصر على ردود الفعل الأمريكية الباردة تجاه طهران بل تمتد نحو إمكانية تطوير واشنطن قنوات سرية للتفاوض مع طهران

 
جولة في ظاهرها سعت لحشد الجهود الإقليمية والدولية لتشديد الحصار على طهران لتهيئة المناخ لأي عمل عسكري مستقبلي؛ إلا أنها في باطنها كانت تهدف إلى طمأنة الحلفاء في كل من أبو ظبي والرياض بعد أن تنامت الهواجس والمخاوف الناجمة عن خذلان ترامب وإدارته للسعودية والإمارات بامتناعه عن توجيه ضربة انتقامية تردع إيران بعد استهدافها المصالح الأمريكية المباشرة.

هواجس لسان الحال فيها؛ إذا كانت هذه حال المصالح الأمريكية المباشرة فكيف الحال بمصالح حلفائها في الخليج خصوصا الرياض وأبو ظبي التي استهدفت مصالحهم أكثر من مرة في أقل من شهر؛ بألغام بحرية وعبوات مسيرة أصابت ناقلات النفط كما أصابت المنشآت النفطية الحيوية والمطارات في كل من الإمارات والعربية السعودية.

 

هواجس الإمارات والسعودية


هواجس الإمارات والسعودية لا تقتصر على ردود الفعل الأمريكية الباردة تجاه طهران بل تمتد نحو إمكانية تطوير واشنطن قنوات سرية للتفاوض مع طهران عبر سلطنة عُمان أو اليابان مستقبلا.

 

شكوك سعى بومبيو إلى تبديدها من خلال زيارة الإمارات العربية والسعودية إذ التقى ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد في أبو ظبي وولي العهد السعودي محمد بن سلمان في جدة؛ تضمنت تناول وجبة غداء في أحد مطاعم المدينة للتأكيد على متانة العلاقات السعودية الأمريكية خصوصا بعد إصدار وزارة الخارجية الأمريكية تقريرها السنوي حول الحرية الدينية فضلا عن تقرير يتناول الاتجار بالبشر تضمن تصنيفا متراجع للمملكة العربية السعودية.

رغم ذلك كله فإن أهم ما في اللقاء رمزيته؛ إذ جاء بعد إصدار الأمم المتحدة لتقرير لجنة التحقيق الدولة الخاص بمقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي متضمنا إشارات واضحة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان؛ أمر دفع ترامب وبشكل مباشر وفي لقاء مع شبكة فوكس نيوز إلى تجاهل الاتهامات معتبر السعودية أكبر مستورد للسلاح بقيمة توفق الـ150 مليار دولا ليشتبك بقوة مع دعوات التحقيق والمحاكمة والملاحقة للأمير الشاب محمد بن سلمان.

 

رسائل جولة بومبيو


زيارة بومبيو حملت العديد من الرسائل، إذ جاءت بعد رفض الكونغرس الخميس الماضي 20 حزيران (يونيو) الحالي صفقة السلاح الطارئة التي أراد من خلالها الرئيس الأمريكي تجاوز الحظر على تصدير السلاح على خلفية الصراع في اليمن بـ 22 صفقة تضم الأردن والإمارات والسعودية بقيمة 8 مليارات دولار؛ رسالة تؤكد تعاطف إدارة ترامب مع الرياض التي تتعرض لعمليات قصف بالطائرات بدون طيار وعمليات تسلل تخترق عمق الأراضي السعودية بالقرب من جدة ذاتها؛ والأهم حملة منظمة داخل الكونغرس الأمريكي وجزء مهم من الدول العميقة في أمريكا كما اتضح من خلال تقرير الحريات الدينية وتقرير الاتجار بالبشر؛ فالسعودية بالنسبة لترامب من أهم الأوراق الرابحة التي يسعى الديموقراطيون إلى تجريده منها ومحاصرتها.
 
جولة بومبيو مليئة بالرسائل والجهود الهادفة لتهدئة المخاوف السعودية؛ إذ ترافقت مع فرض عقوبات على مكتب المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في طهران علي خامنئي بل وعلى وزير الخارجية محمد جواد ظريف؛ في محاولة لطمأنة السعودية والإمارات بأنه لن يكون هناك اتصالات سرية؛ إلى جانب  كونها ردا مباشرا على رفض علي خامنئي التفاوض مع ترامب لعدم أهليته بحسب المرشد الأعلى.

جولة بومبيو لم تكن عادية ومهدت لمشاركة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في قمة العشرين في (أوساكا) اليابانية التي ستتضمن بيانا ختاميا سيتناول بشكل مرجح امن الخليج وإمدادات النفط وأثرها على الاقتصاد العالمي؛ الأمر الذي عبر عنه رئيس الوزراء الياباني (شينزو أبي) في تصريح لصحيفة الشرق الأوسط اللندنية بالقول: إن بلاده ستلعب دورا مهما في تخفيف التوتر في منطقة الشرق الأوسط؛ مضيفا سنواصل جمع المعلومات ضمان أمن الملاحة في البلدان ذات الصلة.

 

جل ما يريده من المملكة العربية السعودية هو مزيد من الصفقات التي تتيح له إنعاش الاقتصاد


تصريح جاء تعقيبا على تصريحات ترامب التي طالب فيها الصين واليابان بتحمل مسؤولية الأمن في الخليج العربي باعتباره يوفر 90% من احتياجات الصين للطاقة و65% من احتياجات اليابان؛ فترامب يسعى بقوة لفرض أجندته على قمة العشرين متهربا من استحقاقات المواجهة الاقتصادية مع الصين وسياسته الحمائية؛ إلى جانب رغبته تعظيم الضغوط على إيران مستعينا بالقوى الدولية بعد أن فشل في فرض إرادته بالقوة؛ فالقوة والحشود العسكرية تهدد بتورط أمريكي واسع في الخليج العربي؛ أمر لا يرغب ترامب بفعله قبيل الانتخابات الرئاسية التي بدأت حملاتها في وقت مبكر.
 
ختاما: هواجس السعودية على وجاهتها إلا أنها لم تؤثر على صياغة ترمب لأجندته السياسية؛ فجل ما يريده من المملكة العربية السعودية هو مزيد من الصفقات التي تتيح له إنعاش الاقتصاد وسوق العمل وضمان حصد أكبر عدد من الأصوات في الانتخابات المقبلة بما يضمن له الفوز في الانتخابات الرئاسية في 2020.
 
أجندة صيغت على وقع الصراع الداخلي الأمريكي؛ فإذا كانت صفقة القرن تمثل هدية ترامب لليمين الأمريكي واللوبي الصهيوني في أمريكا وبرعاية خليجية تقف على رأسها المنامة والرياض وأبو ظبي؛ فإن صفقات السلاح والأموال السعودية تضمن له أصوات الناخبين غير المؤدلجين والمهتمين بحركة الأسواق والنشاط التجاري في البلاد؛ أمر هدد موقع الحزب الديمقراطي وجرده من عناصر القوة والفاعلية؛ لتتحول المملكة العربية السعودية إلى ورقة انتخابية تتصارع عليها القوى السياسية في أمريكا وعلى رأسها الحزب الديمقراطي والجمهوري ممثلا في ترامب، وهي ظاهرة ستزداد أهمية خلال الأشهر المقبلة مع تقدم الحملات الانتخابية وارتفاع درجة سخونتها.

التعليقات (0)