هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
اختار بنيامين نتنياهو أن يسلك الطريق الصعب، فبعد أن استنفد المدة القانونية لتشكيل الحكومة الجديدة إثر فوز حزبه (الليكود) بـ36 مقعدا في الانتخابات العامة التي جرت في التاسع من نيسان/إبريل الماضي على منافسه الرئيسي «حزب أزرق - أبيض»، (35 مقعدا)، وعجزه بتحالفه الانتخابي اليميني (65 مقعدا من 120 مقعدا هي إجمالي عدد مقاعد الكنيست)، اختار نتنياهو دفع الكنيست إلى إصدار قرار بحل نفسه ليحول دون إعطاء الفرصة لرئيس الدولة، رؤوفين ريفلين، بتمكين شخص آخر من داخل الليكود، أو من خارجه، من تشكيل الحكومة.
هذا الخيار له معنيان، أولهما أن نتنياهو يرفض أن يأتي شخص غيره على رأس الحكومة «الإسرائيلية»، وثانيهما أنه واثق من أنه وحزبه وتحالفه اليميني سيفوزون في الانتخابات المقبلة يوم 17 أيلول/سبتمبر القادم، وهنا يكمن التحدي الحقيقي أمام شخص نتنياهو الذي أضحى معرضا لخسارة الرهانين، أي أن يفوز حزبه بالأغلبية، أو أن يبقى هو المرشح الوحيد لرئاسة الحكومة القادمة.
لم يسبق أن حل أي كنيست نفسه بعد مرور أقل من شهرين على انتخابه، وإذا كان هذا القرار قد أنهى فرصة أي منافس آخر ليتولى مسؤولية تشكيل الحكومة، فإنه حتما ستكون له تداعياته النفسية العميقة على الناخبين «الإسرائيليين»، وعلى المنافسين والمناوئين لشخص نتنياهو، سواء داخل حزبه (الليكود)، وهم كثيرون، خاصة كل من جدعون ساعر وإسرائيل كاتس ويولي إدلشتاين وجلعاد أردان، وكلهم يتطلعون لزعامة الليكود ورئاسة الحكومة، وهناك زعماء المعارضة المتأهبون لتولى المهمة ضمن تيار يسار الوسط واليسار: حزب «أزرق- أبيض» وحزب العمل وحزب ميرتس، وخاصة بيني جانتس زعيم حزب «أزرق- أبيض»، وهناك الخصم الأقوى وهو أفيغدور ليبرمان زعيم حزب «إسرائيل بيتنا» وزير الحرب الأسبق، الذي كان له الفضل الأكبر في إفشال طموح نتنياهو تشكيل حكومته الخامسة وإجباره على اتخاذ قرار حل الكنيست.
فضلا عن هذه الطموحات الشخصية هناك تحديات خارجية أكثر أهمية تهدد طموحات نتنياهو بأن يأتي مجددا على رأس الحكومة القادمة، سواء كانت أمنية من جانب حركات المقاومة العربية، أو كانت سياسية، أي إتمام «صفقة القرن» التي ستتعثر حتما بقرار حل الكنيست، لكون أن نتنياهو أصبح مجرد رئيس حكومة تسيير أعمال.
لكن التحدي الأهم يأتي من جانب إيران، في ظل فشل التوجه نحو تصعيد الأزمة الأمريكية- الإيرانية إلى مستوى الحرب، وقبول الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب بوساطة يابانية لحل الأزمة، وإعلانه من طوكيو خلال زيارته مؤخرا لليابان، أن بلاده «لا تسعى إلى تغيير النظام في إيران»، وقوله: «أعرف أشخاصا كثيرين من إيران، إنهم رائعون، ولدى إيران فرصة أن تكون بلدا رائعا مع القيادة ذاتها»، إنه تطور سيؤثر مستقبلا في فرص نتنياهو لاحتواء القدرات العسكرية والنووية الإيرانية، أو القضاء على «الخطر الإيراني»، وهذا كله سيؤثر حتما في فرصه الانتخابية المقبلة.
إلى جانب هذه التحديات الخارجية، تبقى التحديات الداخلية هي الأهم، ويقف على رأسها تحديان بارزان؛ التحدي الأول، هو احتمال تعرض نتنياهو للمحاكمة أو السجن قبل أن يشكل حكومته الجديدة، في حالة ما إذا كان حزبه هو الفائز في الانتخابات المقبلة. فقد فشل نتنياهو في استصدار قانون من «الكنيست» قبل حله يقضي بتحصينه من المحاكمة القضائية، وربما لن يتمكن من ذلك مع «الكنيست» الجديد حتى في حال فوزه بالأغلبية.
أما التحدي الآخر، فهو يتعلق بفرص حدوث انقلاب داخلي ضده من جانب منافسيه المشار إليهم من داخل الليكود، خاصة جدعون ساعر الذي تلقى إشارات خضراء من بيني جانتس زعيم حزب «أزرق - أبيض»، الذي يتزعم المعارضة الآن بتشكيل «تحالف وحدة وطنية» مع الليكود، ربما تنضم إليه أحزاب أخرى، مثل ميرتس والعمل، وربما يكون حزب ««إسرائيل» بيتنا» بزعامة ليبرمان شريكا في هذا التحالف، وهو الشخص الذي يصر على إصدار قانون تجنيد طلاب المعاهد الدينية، أسوة بغيرهم من «الإسرائيليين».
ولو تذكرنا أن حزب «أزرق- أبيض» المنافس حصل على أصوات تساوي أصوات الليكود في الانتخابات السابقة بفارق صوت واحد فقط (35 أمام 36 مقعدا لحزب الليكود)، ولو أدركنا أن هذا الحزب الجديد يشكل، أو بات يجسد «البديل الثالث» بين تيار اليمين المكروه وتيار اليسار المتداعي، فإن انتخابات جديدة قد تخلق فرصة أكبر أمام حزب «أزرق- أبيض» لمنحه الثقة ليكون البديل لحكم تياري اليسار واليمين، فهو من ناحية يجسد تيار الوسط، فضلا عن أنه يضم عددا كبيرا من جنرالات الجيش، أو هو بالأحرى حزب «جنرالات الجيش»، حيث يقف على رأس قيادته ثلاثة رؤساء أركان سابقون هم زعيمه بيني جانتس وجابي اشكنازي وموشي يعلون، إضافة إلى جنرالات آخرين.
مثل هذا الحزب بوسطيته وجنرالاته، يمكن أن يكون «حائط أمن كبير» بالنسبة «للإسرائيليين»، خاصة إذا تفجرت قضية محاكمة الرئيس ترامب أمام الكونجرس، في وقت متزامن مع إجراء الانتخابات العامة «الإسرائيلية»، ووعي «الإسرائيليين» بأنه في حال غياب ترامب ربما تكون «إسرائيل» أكثر تعرضا للخطر، وأكثر حاجة إلى قيادة مؤتمنة على الأمن، وعلى المستقبل، وعندها يمكن أن يكون حزب «أزرق- أبيض» هو الأرجح لقيادة تحالف حكومي جديد سيكون نتنياهو أول من سيدفع أثمانه.
عن جريدة الخليج الإماراتية