كتاب عربي 21

عن قرار لجنة الانتخابات التركية بخصوص إسطنبول

سعيد الحاج
1300x600
1300x600

قبل أيام، أعلنت اللجنة العليا للانتخابات في تركيا النتائج النهائية للانتخابات البلدية في البلاد والتي أجريت نهاية آذار/ مارس الفائت، إضافة لتقريرها المفصل حول مسوغات قرار إعادة انتخابات بلدية إسطنبول الكبرى؛ الذي كانت اتخذته في السادس منه بموافقة سبعة ومعارضة أربعة من أعضائها.

صدر القرار التفصيلي في 250 صفحة، بدأت بمقدمة متعلقة بالانتخابات ومرجعية اللجنة العليا لها، ثم مرت على العديد من الأخطاء والمخالفات التي تخللت العملية الانتخابية، وخصوصاً في مرحلة الفرز والعد، وصولاً لما اعتبرتها "الأسباب المؤثرة في النتيجة"، أي المخالفات التي يمكن لها نظرياً أن تؤثر في النتيجة أو تغيرها.

ثم سردت اللجنة تقييمها العام لكل ما سبق، وقراراتها التي شملت إلغاء نتيجة إسطنبول وإعادة الانتخابات فيها، وسحب "مضبطة" فوز إمام أوغلو منه، إضافة لتقدمها بشكوى ضد رئيس لجنة الانتخابات في إسطنبول وأعضائها ومدراء الانتخابات؛ المسؤولين عن اختيار رؤساء وأعضاء لجان انتخابية مخالفة للقانون. ثم ختمت تقريرها بـ"شروح" أو اعتراضات أعضائها الأربعة الذين خالفوا القرار.

فيما يتعلق بالأمور المؤثرة في النتيجة نظرياً، أوردت اللجنة ثلاثة أسباب رئيسية:

الأول، عدم الالتزام باختيار رؤساء اللجان الانتخابية في 754 صندوقاً إضافة لـ2333 من أعضاء اللجان من الموظفين الحكوميين، وفقاً للقانون المعدل بتاريخ 13 آذار/ مارس 2018، ما يقدح بضمانات الانتخابات أو الثقة بها.

الثاني، مخالفات و/أو أخطاء في جداول تفريغ نتائج 108 صناديق انتخابية (وهي جداول مختلفة عن محاضر النتائج).

الثالث، عدد 706 أصوات ممن لا ينبغي لهم التصويت، مثل المتوفين والمسجونين والمعوقين ذهنياً، وما إلى ذلك.

 

قدّرت اللجنة العليا للانتخابات أن أياً من هذه الأسباب ليس كافياً لوحده للقدح بنتيجة الانتخابات وإلغائها، لكنها مجتمعة اعتبرت سبباً لعدم ضمان النتيجة

وقد قدّرت اللجنة العليا للانتخابات أن أياً من هذه الأسباب ليس كافياً لوحده للقدح بنتيجة الانتخابات وإلغائها، لكنها مجتمعة اعتبرت سبباً لعدم ضمان النتيجة، وبالتالي قرار الإعادة، لا سيما السبب المتعلق بجداول النتائج الذي لم يتضمنه القرار الأولي الذي أصدرته اللجنة، والذي يفترض بالقرار المفصّل أن يكون مجرد شرح له.

السبب الرئيس لإلغاء الانتخابات، وفق اللجنة، كان اختيار رؤساء لجان الصناديق من غير الموظفين الحكوميين، حيث إن عدد الأصوات في الصناديق التي أشرفوا عليها هو 212 ألفاً و276 صوتاً، بينما الفارق بين المرشحين الرئيسيين إمام أوغلو ويلدرم 13 ألفاً و276 صوتاً، ما يعني أن نتيجة هذه الصناديق "قد" تؤثر على النتيجة النهائية.

وكان لافتاً في قرار اللجنة الفارق الواضح بين الأرقام التي تضمنها طلب العدالة والتنمية وبين ما وثقته اللجنة، حيث تضمن الأول أعداد 2308 ممن لا يملكون أهلية التصويت، و1229 من المتوفين، و10290 من المسجونين الواردة أسماؤهم في السجون وفي مناطق أخرى، و5287 من المحكومين الواردة أسماؤهم على كشوف الناخبين في إسطنبول، و21782 من ذوي الإعاقات الذهنية، في مقابل 377 فاقد أهلية، و6 متوفين، و41 مسجوناً، و58 صوتاً بدل محكومين داخل السجون، و224 معاقاً ذهنياً، على التوالي، وفق توثيق اللجنة.

في المقابل، كانت اللجنة حريصة على الرد ضمنياً على بعض اعتراضات أحزاب المعارضة، وخصوصاً عدم إلغاء انتخابات البلديات الفرعية التي أشرف عليها نفس رؤساء الصناديق المعنية بالمخالفات. وذهب تقرير اللجنة إلى أنه لم يصلها تظلم بخصوص البلديات الفرعية بشكل قانوني سليم وخلال الفترة الزمنية المتاحة للطعون.

 

كانت اللجنة حريصة على الرد ضمنياً على بعض اعتراضات أحزاب المعارضة، وخصوصاً عدم إلغاء انتخابات البلديات الفرعية التي أشرف عليها نفس رؤساء الصناديق المعنية بالمخالفات

كما أن التقرير أكد على أن اللجنة لم تصلها طعون بخصوص رؤساء اللجان الانتخابية من غير الموظفين الحكوميين في انتخابات الرئاسة والبرلمان في حزيران/ يونيو 2018 (وفق اعتراض المعارضة كذلك)، وبالتالي لم تنظر بهذا الأمر حينها.

أفرد التقرير كذلك مساحة واسعة للشروح أو الاعتراضات التي قدمها القضاة الأربعة المختلفون مع قرار الإلغاء وإعادة الانتخابات. أولهم كان رئيس اللجنة العليا للانتخابات سعدي غوفان؛ الذي اعترض على عدِّ اختيار رؤساء اللجان سبباً لإلغاء الانتخابات، وأشار إلى وجود كل محاضر نتائج الصناديق المعنية بقرار الإلغاء، وهي أهم من جداول تفريغ النتائج، وإلى أن نتائج الجداول غير الموقّعة متناسبة مع نتائج المحاضر، وأكد على أن اختيار بعض رؤساء اللجان من غير الموظفين الحكوميين ليس "مخالفة كاملة للقانون"، وبالتالي لا ينبغي أن يكون سبباً لإلغاء النتيجة، مشيراً إلى أن وجود ممثلين عن العدالة والتنمية والأحزاب الأخرى لا يتيح إمكانية تزوير رؤساء الصناديق أو تأثيرهم على النتائج.

عضو اللجنة جنغيز تواباكتاش؛ ذكّر بقرار اللجنة خلال الاستفتاء الشعبي على النظام الرئاسي في 2017، حين رفضت إلغاء الانتخابات بسبب وجود ظروف غير مختومة (بما يخالف نص القانون)، معتبرة حينها أن ما حصل خطأ من طرفها لا يتحمل الناخب مسؤوليته، خصوصاً وأنه لم يكن هناك أي دليل على تأثر إرادة الناخب بالخطأ الحاصل، وهو الأمر الذي رأى تواباكتاش أنه ينطبق على حالة انتخابات إسطنبول.

العضو كورشاد هامورجو؛ اعتبر إلغاء نتيجة الانتخابات لسبب لا ذنب للناخب فيه تدخلاً في أصل حق حرية الاقتراع والاختيار، مشيراً إلى عدم وجود أي دليل أو تقديم أي وثيقة تثبت أن رؤساء اللجان المعنيين قد وجّهوا العملية الانتخابية أو غيّروا فيها أو أثّروا فيها، وأن أياً من أعضاء اللجان، بمن فيهم ممثلو الأحزاب، لم يعترضوا على الأمر في حينه. 

المعترض الأخير كان يونس أيكين؛ الذي انتقد كون رؤساء اللجان السبب الأهم لقرار الإلغاء، بينما لم يكن ضمن وثائق طلب الاعتراض الذي قدمه حزب العدالة والتنمية في الأصل، وكذلك كون القرار المسّبَّب تضمن مسوغات إضافية ليست مذكورة في القرار الأولي، مثل جداول تفريغ النتائج والناخبين من فاقدي الأهلية.

ورأى حزب العدالة والتنمية في قرار اللجنة دعماً لسرديته المرتكزة على مفهوم التزوير والتلاعب، وعدم الثقة بنتائج الانتخابات السابقة، وبالتالي ضرورة إعادة الاقتراع ليعكس إرادة الناخب بشكل شفاف.

 

لم ينه قرار اللجنة العليا للانتخابات الجدل بخصوص انتخابات إسطنبول، ولا حسم سردية المظلومية لصالح أحد الطرفين، لكنه نقل النقاش لمستويات جديدة

أما المعارضة فتقول إن القرار التفصيلي خلا من أي إشارة لتزوير أو سرقة أصوات، ورأت أن القرار يتناقض مع قرار اللجنة في حالة مشابهة، حيث رفضت طعن الحزب الجيد في أحد أحياء مدينة بورصة لنفس السبب (أي وجود رؤساء لجان من غير الموظفين الحكوميين)، والذي قالت اللجنة في قرارها إنها رفضته لأن رؤساء اللجان كانوا من موظفي البلدية، وبالتالي لا يمكن مقارنته بقرار إسطنبول.

كما طالبت المعارضة برفض القرار بسبب تصويت الأعضاء الاحتياطيين في لجنة الانتخابات، وعدم اقتصار الأمر على الأعضاء الأصلاء، وهو التظلم الذي رفضته اللجنة بسبب عدم وجود قانون ينص على اقتصار التصويت والقرار على الأعضاء الأصلاء، ولأن تقاليد اللجنة سارت منذ مدة طويلة على مشاركة كافة الأعضاء الأصلاء والاحتياطيين في قراراتها.

في الخلاصة، لم ينه قرار اللجنة العليا للانتخابات الجدل بخصوص انتخابات إسطنبول، ولا حسم سردية المظلومية لصالح أحد الطرفين، لكنه نقل النقاش لمستويات جديدة، خصوصاً وأن كلا الطرفين وجد فيه ما يدعم مقولاته، لكن الأهم أنهما وبغض النظر عن تقييمهما للقرار ملتزمان به ويعملان على أساسه.

أخيراً، الأهم من تقييم الأحزاب للقرار هو تقييم الناخب له ومدى أحقيته ومشروعيته، وهو الأمر الذي سيكون عاملاً محدداً في صياغة رأيه وصوته ضمن عوامل أخرى يوم انتخابات الإعادة، في 23 من حزيران/ يونيو المقبل.

التعليقات (0)