سياسة عربية

الانتخابات الأوروبية 2019: لحظة الحقيقة بالنسبة للقوميين

صعود واضح لليمين المتطرف الأوروبي- جيتي
صعود واضح لليمين المتطرف الأوروبي- جيتي

نشر موقع هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي تقريرا، سلط من خلاله الضوء على سعي القوميين في الدول الأوروبية لتحقيق نجاح ملموس في انتخابات البرلمان الأوروبي التي ستنطلق غدا. ويبدو أن القوميين الذين يتبنون فكر اليمين المتطرف يسعون لإقامة تحالفات فيما بينهم.

وقال الموقع إنه وعلى مدى سنوات، حاول زعماء الأحزاب اليمينية المتطرفة تشكيل مجموعة متماسكة، وها هم الآن يجدون ضالتهم في ماتيو سالفيني، وزير الداخلية ونائب رئيس الوزراء الإيطالي. وتبدو التحديات واضحة للعيان قبل ساعات فقط من انطلاق عمليات التصويت، حيث أُجبِر أحد زعماء حزب يميني متطرف في النمسا إلى الخروج من الحكم عقب فضيحة تتعلق بتسريب مقطع فيديو سري.

ونشر الموقع ما تطرق إليه مراسلو "بي بي سي" عن هذا التحالف الذي يُحتَمل تشكيله قريبا في أوروبا.

 

وكتب مراسل "بي بي سي نيوز" في تورينو، جيمس رينولدز، مقالا بعنوان: "سالفيني يطلق صيحة استنفار القارة الأوروبية".

 

وجاء في المقال:


"لا يحب ماتيو سالفيني أن تتم مقاطعته، حيث عمدت مجموعة صغيرة من المشاغبين إلى مقاطعته بعد دقائق فقط من مباشرته لحملته الانتخابية في مدينة تورينو شمال البلاد. وللرد عليهم، رفع وزير الداخلية الإيطالي إصبعه وصاح بهم " إذا ما لمستم واحدا من الأشخاص الطيبين المحتشدين هنا، سأغضب مثل الوحش، أتفهمون ذلك". بعد هذه الحادثة، صاحت امرأة من بين جحافل الحاضرين وقالت: "سالفيني هو مستقبل أوروبا".

 

 



جاب سالفيني أرجاء أوروبا لحشد الدعم للتحالف القومي.

 

 

 


يهدف زعيم حزب رابطة الشمال في إيطاليا إلى جمع أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا وجعلها حركة واحدة ومتماسكة. والجدير بالذكر أن هذه الأحزاب تتوحد فيما بينها بموجب إدانتها المشتركة لبيروقراطية الاتحاد الأوروبي ورفضها للهجرة والدين الإسلامي، ناهيك عن كونها تهدف إلى شغل مقاعد كافية في الانتخابات البرلمانية للاتحاد الأوروبي لتكون قادرة على تعطيل المؤسسة من الداخل.

تُوجت حملة سالفيني الانتخابية بالنجاح في 18 أيار/ مايو الجاري عندما انضم إليه سياسيون يمينيون متطرفون من 11 دولة مختلفة من الاتحاد الأوروبي في تجمع ضخم. ومن جهتهم، عمد مناهضو الفاشية في ميلانو إلى التصدي لهذا التجمع ودعوا الشعبويين إلى المغادرة.

وكان من المفترض انضمام ممثلين عن أحزاب يمينية في 12 دولة أوروبية، لكن نائب المستشار النمساوي، هاينز كريستيان شتراخه، لم يتمكن من الحضور بعد تسريب مقطع فيديو استقال من منصبه على إثره. وفي حال نجحت أحزاب اليمين المتطرف في الفوز بالمزيد من المقاعد في البرلمان الأوروبي، قد ينتهي بهم المطاف وهم يكشفون الانقسامات على مستوى تحالفهم المرجح، خاصة فيما يتعلق بالسياسة الاقتصادية".

 

بدورها كتبت  مراسلة بي بي سي نيوز في فيينا، بيثاني بيل مقالا تحت عنوان "هل تهدد فضيحة السياسي النمساوي مساعي اليمين المتطرف؟".

 

وقالت: "يمكن القول إن حزب الحرية النمساوي يعدّ أحد أكثر الحركات اليمينية المتطرفة ثباتا في أوروبا، لكنه تورط مؤخرا في فضيحة فساد صادمة للغاية. ولطالما مثل هذا الحزب مصدر إلهام للعديد من الأحزاب التي تتبنى فكرا مماثلا في أوروبا من خلال رسائله المعادية للمهاجرين والمسلمين، لا سيما حزب البديل المعارض في ألمانيا وحزب الفنلنديون الحقيقيون في فنلندا وحزب الشعب الدنماركي.

وفي غضون أيام فقط، انتقل الحزب النمساوي من كونه شريكا مؤثرا إلى عار وطني، حيث أظهر مقطع الفيديو زعيم الحزب بصدد الحديث إلى امرأة تتظاهر بأنها مليارديرة روسية ويعدها بالحصول على عقود عامة مقابل منحه دعما سياسيا وماليا. ويمكن لهذه الفضيحة أن تلقي بثقلها على الانتخابات القادمة.

كان السياسي النمساوي يتمتع بعلاقات ودية مع ماتيو سالفيني، كما سبق له الانضمام إلى تحالفه الأوروبي. وقبل تسريب مقطع الفيديو، شارك في سلسلة من الاجتماعات التي بدت كأنها مجهزة بعناية. وفي المقابل، يعتقد المحللون أن كلا القائدين يمتلك وجهات نظر قومية مختلفة، حيث سبق لهما الاختلاف حول مقترحات حزب الحرية لمنح الجنسية المزدوجة للأقلية الناطقة باللغة الألمانية في مقاطعة بولسانو شمال إيطاليا".

 

 

استقال شتراخه بعد ساعات من انتشار مقطع الفيديو وتورط زميل له في الحزب في فضيحة جنسية في منتجع بجزيرة إبيزا الإسبانية.

 

 

ووفق النحو ذاته، قد تتفق الأطراف في التحالف اليميني المتطرف على ما تعارضه في أوروبا، لكنها قد تواجه صعوبة على مستوى الاتفاق على مسار مشترك. ويضاف إلى ذلك امتلاك الأحزاب الشمالية وجهة نظر مختلفة عن نظيراتها الجنوبية حول ميزانية الاتحاد الأوروبي. ومثال ذلك رغبة سالفيني وشتراخه والزعيمة السياسية مارين لوبن في توثيق علاقاتهم مع روسيا، وهو ما تعارضه أحزاب أوروبا الشرقية بشدة، لاسيما في بولندا.

 

بدورها، كتبت مراسلة بي بي سي نيوز في باريس، لوسي وليامسون، مقالا تحت عنوان: "هل ستجد مارين لوبن مكانا له في خطة سالفيني؟".


وقالت: "كانت بعض الشكوك تحوم حول الخطاب الجديد الذي تبنته السياسية اليمينية المتطرفة مارين لوبن، وهو ما ليس بالأمر المفاجئ نظرا لأن حزبها لم يعتد على عقد التحالفات وإقامة الشراكات. ولا يبدو بأن المرأة الفرنسية تشعر بالحماس إزاء سعي شريكها الإيطالي لاعتلاء السلطة. وفي ملصق إعلاني في إحدى الحملات المبكرة لانتخابات البرلمان الأوروبي، نجد صورة للوبن وسالفيني كتب تحتها "في جميع أنحاء أوروبا، أفكارنا ستصل إلى السلطة".

 

 

 

تقبل لوبن لتحالف ماتيو سالفيني الأوروبي لم يحدث بشكل طبيعي.

 

 


قادت القوة المتزايدة التي اكتسبها الشعبويون في أوروبا إلى دفع حزب الجبهة الوطنية الفرنسي الذي تتزعمه لوبن إلى تغيير سياسته بشأن عضوية الاتحاد الأوروبي. وبناء على ذلك، لم يعد هناك أي حديث عن خروج فرنسا من الاتحاد الأوروبي أو حتى دعوات لإجراء استفتاء حول هذا الموضوع، فالحزب الآن بات يتحدث عن تغيير أوروبا من الداخل.

ما لا شك فيه أن الحزب الأوروبي الكبير والأصيل والشعبوي قد يثقل كاهل التحالف الجديد الذي يقوده سالفيني، لكن الجانب الدبلوماسي والسياسي للدور الذي يلعبه هذا الحزب محفوف بالأمور المبهمة.

 

وفي حديثه إلى صحيفة فرنسية، صرح أحد كبار مستشاري حزب الجبهة الوطنية الفرنسي بأن: "حزب رابطة الشمال هو الجبهة الوطنية الخاصة بإيطاليا، لقد أنشأ سالفيني حزبا ذا توجه مشابه لتوجه حزبنا، وقد كان يطلب من مارين لوبن التقاط صور معه عندما كان شابا".

من جهتها، قالت لوبن: "نحن لا نخوض مسابقة لإشباع كبريائنا". ولا وجود لأي شك حول من يقود الأحزاب الشعبوية في أوروبا، وليس من الواضح بعد كيف سيندمج حزبها ويجد له موطأ قدم في التحالف الجديد. والجدير بالذكر أن حزب لوبن لا يتمتع بشعبية كبرى بين صفوف الشعبويين الآخرين في أوروبا، لا سيما مع علاقاته الطيبة مع روسيا وصورته التاريخية المعادية للسامية ومزاعم الاحتيال المتعلقة بأموال البرلمان الأوروبي.

في الآونة الأخيرة، صرح رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان أنه لا يريد أن تجمعه أي علاقة بمارين لوبن، مما يظهر حجم التحديات التي تواجهها عملية توحيد الأحزاب الشعبوية الأوروبية، والتي تتفاخر بكونها تضع المصلحة الوطنية أولا. وحتى إذا ما حصلوا على المقاعد التي يأملون في الحصول عليها، لن تحصل المجموعة الجديدة سوى على ما يتجاوز ربع مقاعد البرلمان الأوروبي، وهو ما وصفته صحيفة لوموند الفرنسية بأنهم سيشكلون "أقلية معرقلة ستسمح لهم بمواصلة تقويض الأمور".

ونشر مراسل بي بي سي نيوز في بودابست، نيك ثورب، مقالات تحت عنوان: "هل سيشارك توأم ترامب؟" جاء فيه:


إن أي تحالف جديد في أوروبا كان ليبدو شاحبًا دون فيكتور أوربان. وسبق للزعيم المجري دعوة كل من ماتيو سالفيني وهاينز كريستيان شتراخه لزيارة عاصمة بلاده خلال الأسابيع الماضية، لكنه كان متحفظا بشأن الانضمام إلى "كتلة قومية" جديدة بعد انتخابات الاتحاد الأوروبي.

حيال هذا الشأن، لا يزال الاتحاد المدني المجري الحاكم والتابع لأوربان ينتمي إلى أكبر تجمع سياسي في الاتحاد الأوروبي، حزب الشعب الأوروبي، والذي يتبنى تيار اليمين الوسط. وعلى الرغم من تعليق عضويته؛ بسبب سياساته اليمينية، إلا أنه لا يزال عضوا في هذا الحزب.

 

 

 

 أوربان يزور ترامب يوم الاثنين في زيارته الأولى على الاطلاق للبيت الأبيض.

 

 

كان أوربان يطمح إلى جر حزب الشعب الأوروبي إلى اليمين، ثم الدفع به إلى تحالف قوي وجديد يقوده سالفيني دون الاندماج معهما بشكل كامل. في المقابل، لم تتحسن علاقة الزعيم المجري مع أحزاب يمين الوسط وهو يتعاطف مع اليمين القومي بنسبة أكبر بكثير. ولم يكتف أوربان بهذا القدر، حيث إن زيارته التي طال انتظاره إلى ترامب في البيت الأبيض شكلت المزيد من الرياح التي تدفع أشرعة سفينته.

علاوة على ذلك، يتخذ أوربان من عبارة "ادعموا برنامج فيكتور أوربان، فلنوقف الهجرة" شعارا له. ويبدو هذا الشعار شعبويا وشعبيا، لكنه يتسم بالغرابة؛ نظرا لكونه ورد في بلد يحتوي على عدد قليل جدا من المهاجرين، ناهيك عن كون دول الاتحاد الأوروبي تعتبر المجريين الذين يعيشون على أراضيها مهاجرين أيضا.

التعليقات (0)