مقالات مختارة

هل كسبت إسرائيل في اليوروفيجين؟

مهند عبد الحميد
1300x600
1300x600

ما هو معروف أن مكانة إسرائيل في الوسط الفني والثقافي تختلف عن مكانتها في الأوساط السياسية. فرغم أن أكثرية دول العالم تصوت سياسيا ضد إسرائيل كدولة احتلال، فإن حال إسرائيل في أوساط الثقافة والفن والأكاديميا وحقوق الإنسان أسوأ من حالها السياسي بكثير. فما إن اعلن عن فوز إسرائيل باستضافة مهرجان الأغنية الأوروبية 2019 اليوروفيجين حتى علا صوت الاحتجاجات العالمية الرافضة لتنظيم هذا المهرجان الفني في إسرائيل.

 

كانت البداية برفض معظم الأوروبيين إقامة المهرجان في مدينة القدس التي أرادت حكومة نتنياهو تدعيم ضمها للسيادة الإسرائيلية عبر هذا المهرجان الشهير الذي يشاهده عشرات ومئات الملايين، ويحضره حوالي 50 الف شخص. بعد رفض المنظمين إقامة المهرجان في مدينة القدس المحتلة، جرى تغيير مكان المهرجان من القدس إلى تل أبيب. كان ذلك بمثابة ليّ ذراع الساسة الإسرائيليين، وتوجيه رسالة لترامب مفادها أن المهرجان لن يشكل غطاء لقراره بنقل سفارة بلاده إلى مدينة محتلة والاعتراف بها عاصمة موحدة لإسرائيل. عند هذه النتيجة لم تكسب إسرائيل وإدارة ترامب شيئا سياسيا وفي الوقت نفسه لم تخسرا الكثير.

منذ فوز إسرائيل بتنظيم اليوروفيجين اندلعت السجالات بين المعارضين والمؤيدين لإقامته في إسرائيل، علا فيها صوت المعارضين. فقد وقع 136 ألفا من أوساط فنية وثقافية وأدبية عالمية على عريضة تطالب بمقاطعة المهرجان. وعشية انعقاده في تل أبيب وقع 140 فنانا من جنسيات عالمية مختلفة على عريضة تطالب بمقاطعة المهرجان، وكان من بينهم الموسيقي والمغني البريطاني الشهير "روجر ووترز" الذي تساءل في معرض دفاعه عن الشعب الفلسطيني: هل نؤمن بالقانون أم لا؟ هل نضع في الاعتبار أن الإنسان له حقوق، مقابل دولة لم يكن في نيتها عدم السيطرة على كل شيء والتي تعمل بشكل منتظم على جعل حياة الفلسطينيين غير قابلة للعيش!.

كما كان من بين الموقعين 6 فنانين إسرائيليين. ودعا 171 فنانا وموسيقيا ومنتجا ومخرجا سويديا إلى مقاطعة المهرجان. المعارضون العالميون فسروا سبب المقاطعة بالقول: إلى أن يتمتع الفلسطينيون بالحرية والعدالة والمساواة في الحقوق، يجب ألا يكون هناك أي عمل كالمعتاد مع الدولة التي تحرمهم من حقوقهم الإنسانية.

 

وقد استندوا في ذلك إلى تقارير منظمة العفو الدولية ومنظمة "هيومن ووتش" اللتين رصدتا وقدمتا الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الفلسطينيين إلى العالم. ولا تختلف أسباب المقاطعة لدى السويديين عن الأسباب المذكورة، فقد جاء في بيان الفنانين السويديين: لن نشارك في أي تبادل ثقافي مع إسرائيل ولن ندعم الأنشطة الثقافية التي تقام فيها طالما أنها تنكر حقوق الإنسان والحريات الأساسية للفلسطينيين. ولا يمكننا أن ننظر بصمت إلى استخدام إسرائيل "اليوروفيجن" لإخفاء جرائمها ضد الشعب الفلسطيني.

ومع ذلك، ورغم الدعاية الكبيرة لمقاطعة "اليوروفيجين" انعقد المهرجان في تل أبيب، لكن الحضور الخارجي كان منخفضا ولم يتجاوز في أعلى التقديرات 7 آلاف شخص مشارك زائر وهناك رواية تتحدث عن 4-5 آلاف مشارك خارجي وهي أدنى نسبة مشاركة خارجية في تاريخ المهرجان الذي بدأ في العام 1956. ولم تتمكن إدارة المهرجان من بيع اكثر من نصف التذاكر. وفي الوقت الذي بدأ فيه مهرجان الأغنية في تل أبيب، نظمت مجموعات فنية حفلا بديلا في لندن تحت شعار" لنحتفل من أجل فلسطين".

وكانت المفاجأة في الحفل الختامي للمهرجان حين قام فنانو آيسلندا برفع العلم الفلسطيني على مسرح المسابقة، وكان استهجان الجمهور الإسرائيلي المترافق مع عملية سحب العلم بالضد من رغبة المتحمسين لرفعه مفاجأة أكبر. الشيء نفسه تكرر مع مغنية البوب الأميركية مادونا ضيفة شرف المهرجان حين وضعت إحدى أعضاء فرقتها العلم الفلسطيني على ظهرها. لم تحتمل الثقافة والسياسة الإسرائيليتان مجرد وجود علم فلسطيني في مهرجان فني وظيفته تعزيز أواصر الصداقة والتضامن بين الشعوب.

 

ما حدث كان خطوة رمزية بالغة الأهمية في طرفي المعادلة. في قطبها الأول حضور شعب كقضية عادلة لدى فنانين لم يستطيعوا الفصل بين ما هو إنساني وحقوقي وتحرري، وبين الفن ورسالته.

وفي قطبها الثاني حضور عنصرية مصابة بجنون الارتياب تتجاهل الآخر الذي تعيش معه على الأرض نفسها وتخافه بمستوى مرضي. في تلك اللحظة التي قامت فيها إدارة المهرجان ومعها عناصر الأمن بإزالة العلم الفلسطيني وسط تأييد السواد الأعظم من الجمهور الإسرائيلي، في تلك اللحظة فازت فلسطين وخسرت إسرائيل. وفي تلك اللحظة التي تحولت فيها مادونا من أعظم مغنية إلى فنانة بمستوى هابط لأنها خدعت الإسرائيليين برفع علم فلسطين.

الانقلاب على مادونا وقمع معنوي لرافعي علم فلسطين، قدم إسرائيل كدولة استحواذ ليس على كل شيء يملكه الشعب الأصلاني، بل وكدولة استحواذ لثقافة وفن وقيم ومعايير الآخرين الكونية، تريد تجريد الفن والإبداع والثقافة من الأنسنة والعدالة ومنظومة قيم الحرية. مهرجان اليوروفيجين أعاد طرح الابتزاز الإسرائيلي على بساط البحث. ابتزاز المناهضين للاحتلال وجرائمه وانتهاكاته بوضعهم في خندق المعادين للسامية وإلصاق تهمة "كراهية اليهود كيهود" لهم حتى وإن كانوا يهودا ومعاقبتهم بالعزل وقطع أرزاقهم. وابتزاز المطالبين بمعاقبة الدولة التي تنتهك القانون الدولي بكل مكوناته، ابتزاز ومعاقبة الذين يمارسون مقاطعة ومعاقبة الدولة التي ترتكب جرائم حرب بكل أشكالها وتهيمن على مصير شعب آخر وتذله وتستعبده – كمل يحدث مع الـ "بي دي اس"-.

وهنا كم كان موقف البرلمان الألماني الأخير ضد الـ "بي دي اس" مخيبا للآمال بخضوعه للابتزاز وبتنصله من منظومة قيم العدالة. ويمتد الابتزاز الإسرائيلي إلى معاقبة الدول والمؤسسات والمنظمات الحقوقية التي تصوت ضد الانتهاكات الإسرائيلية الفاقعة. إسرائيل بهذا المعنى ومعها إدارة ترامب تمارسان أبشع أنواع الترهيب المقترن بالعقاب، والذي يرقى إلى مستوى إرهاب الدولة المسكوت عنه من كبار الدول.

 

لكن هذا بدأ يتغير خارج إطار الدول والنظام الدولي. يقول الفنان العالمي روجر ووترز: إن دعم إسرائيل وسياساتها الاستعمارية وعنصريتها يتضاءل بدرجة كبيرة وخاصة بين الشباب. هذا الجهد العالمي بدأ فعلا يجني الثمار".

عن صحيفة الأيام الفلسطينية

0
التعليقات (0)