كتاب عربي 21

قصة يوسف عليه السلام ورواية الخيميائي: الرؤى التوائم

أحمد عمر
1300x600
1300x600
رأيت أمس فيديو للكاتب المصري المعروف مصطفى محمود، وهو يروي قصة رؤيا رأى فيها جلال العشري والكاتب شوقي عبد الحكيم وهما يمشيان في شارع سليمان باشا، وتبيّن له بعد الاستيقاظ أنهما كانا يمشيان حقاً في ذلك الشارع، ويتحدثان في تلك القضية التي رآها محمود وهو نائم! وكانت الرؤيا سبباً في هداية مصطفى محمود الذي اجتهد في توطين نفسه وتدريبها على التنبؤ وصيد الأحلام سنوات، لكنه أخفق، ووجد بعد سنوات من البحث أنها عطيّة ربّانية وغير قابلة للتدريب.

ولكاتب السطور قصة تشبه هذه، كتبها في مجموعته "هدهد في زجاجة" في قصة "الرقص مع الغراب". وأمس، توفي الشيخ فتحي صافي، وكان سبب هدايته رؤيا رآها، فتاب وأناب.

وقصص الأحلام التي غيرّت من البشر والتاريخ كثيرة، وليس هذا محلها. وجدير بالذكر أن أوروبا غيّرت دينها من الوثنية إلى المسيحية، بسبب حلم رآه الإمبراطور قسطنطين. هذا المقال يبحث في الأحلام التوائم، ويتقصى أول قصة أحلام توائم مكتوبة، أو الأحلام المتشابهة أو المتوافقة أو المتتامة أو المتكاملة أو المتآخية، وسيسعى إلى البرهان أنّ لرواية الخيميائي، للكاتب البرازيلي الشهير باولو كويلو، نسبا إلى قصة يوسف عليه السلام وصلة. وكان الباحث العراقي سعيد الغانمي قد أثبت في كتابه "خزانة الحكايات" و"الكنز والتأويل"؛ اقتباس الرواية من حكاية من ألف ليلة وليلة.

رواية الخيمائي:

سانتياغو راع دهمه الحلم مرات عدة، فيرى نفسه يذهب إلى أهرامات مصر، ويجد هناك كنزاً. يتردد بتنفيذ الحلم، لكن العجوز الغجرية تحثه على الذهاب. يبيع خرافه ويعبر البحر إلى المغرب ويقع في حب الفتاة البدوية المصرية. يستمر سانتياغو في رحلته صوب الأهرام، بعد أن يتجاوز عقبة القبائل المتقاتلة، وعوائق اللصوص. وفي نهاية الرحلة، يصل إلى المشهد الذي وعده به الحلم، وهو العثور على الكنز تحت الأهرام.

يحفر بحثاً عن الذهب، لكن حفنة من اللصوص تهاجمه، وتنتزع منه ما استطاع اصطحابه معه من ذهب الخيميائي المصري، وما ادّخره من عمله لدى بائع البلور المغربي. وحين يسأله زعيم اللصوص عن سبب مجيئه، يقول له: لقد جاء به الحلم الذي رآه، وأخبره بقصة الحلم، وأن كنزاً في هذا المكان بانتظاره. يأمر الزعيم رفاقه بالكفّ عنه، ويقول له: سوف تعيش وتتعلم ألاّ تكون غبياً لتصديق أباطيل الأحلام. لقد حلمت مثلك، مرات عدة، بكنز في إسبانيا، في الريف، في كنيسة مهدمة يؤمها الرعاة غالباً، وفيها توجد شجرة جميز، تحتها الكنز. لكنني لست غبياً لاجتياز الصحراء طمعاً في كنز وهمي. عاد سانتياغو إلى إسبانيا، إلى الكنيسة التي وعده بها حلم زعيم اللصوص المصريين، فقد كانت الكنيسة التي ينام فيها نفسها. وهناك وجد الكنز، ووجد فاطمة، وذاته، والخيميائي، وكل شيء؛ لأن الحياة كريمة مع مَن يعيش أسطورته الشخصية.

هو اختصار الغانمي لحكاية "ألف ليلة وليلة". ففي الليلة الحادية والخمسين بعد الثلاثمئة، ترد "حكاية الحالمين" الآتية: يهاجم الفقر رجلاً ثرياً يعيش في بغداد حتى يلتهم كل ما يملك. وقبل أن يفكّر بالاستجداء من الآخرين، يرى في المنام مَن يقول له: اذهب إلى مصر، وستجد هناك كنزاً. يذهب إلى مصر، لكنه لا يجد مكاناً لإيوائه سوى المسجد الذي يقضي فيه ليلته. غير أن سوء الحظ يلاحقه بجماعة من اللصوص؛ تعبر من المسجد إلى بيت مجاور. تطاردهم الشرطة، غير أنها لا تقبض عليهم، بل تتهم الحالم البغدادي بأنه منهم. يأمر ضابط العسس بجلده أسواطاً عدة، ويستفهم منه عن سبب مبيته في المسجد. فيرد عليه بأنه قدم لتوّه من بغداد. يسأله الضابط: ولماذا جئت؟ يقول: لأنني حلمت أن كنزاً بانتظاري في مصر، لكن يبدو أن الكنز الذي وعدني به الحلم هو هذه السياط التي نلتُها منك. يضحك الشرطي المصري، ويقول له: يا قليل العقل، كيف تصدق ما تقوله الأحلام؟ لقد حلمت مثلك بكنز في بغداد في المحلة الفلانية والشارع الفلاني، تحت سدرة في بيت فلان، لكنني لم أكن غبياً مثلك لأذهب. والآن خذ هذه القروش وعد إلى بغداد. يعود الرجل البغدادي إلى بغداد، فقد كانت المحلة التي سماها الحالم المصري محلته، والبيت بيته، والاسم الذي ذكره اسمه. ومن تحت السدرة التي وصفها الحالم المصري في مصر، يستخرج الكنز الذي وعده به الحلم في بغداد.

يقول الغانمي: ترد في غلاف الكتاب معلومة عن أن الرواية نشرت في 45 لغة، ولقيت نجاحاً كبيراً في كل مكان. أفلا يحق لنا أخيراً القول إن هذه الرواية هي حكايتنا العائدة إلينا بعد أن تجولت في 45 لغة؟

هذا ما أورده الباحث سعيد الغانمي، وهو النص الذي نظن أن باولو كويلو، وادغار آلان بو، وبورخيس، قد قرأوه، ولهم اقتباسات عن نفس الحكاية، فهم معجبون بهذا النص العظيم. ونجد في الآثار رؤى كثيرة تشبه هذه الحكاية التي صبّ فيها كويلو حكايته وبنى بها مجداً كبيراً. لكن هناك نصوصا عربية وردت فيها حكاية الحالمين، كما سماها، أو حكاية الرؤى التوائم، كما أسميها. هذه إحداها:

في كتاب نزهة المجالس هذه الرواية عن توافق الأحلام:

تكلم ابن الجوزي في معنى قوله تعالى "كل يوم هو في شأن" عامين، فأعجب بنفسه، فوثب إليه رجل من المجلس فقال: يا ابن الجوزي ما يصنع ربنا في هذه الساعة؟ فسكت وختم المجلس، ثم قال في الثاني والثالث، فرأى في تلك الليلة النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال: يا ابن الجوزي أتدري من السائل؟ قلت لا يا نبي الله، قال الخضر، فإذا سألك فقل: له شؤون يبديها ولا يبتديها، فلما أصبح قال له ما يصنع ربنا في هذه الساعة قال: شؤون يبديها ولا يبتديها، فقال الخضر صلى وسلم على من علمك في المنام. 

في السيرة النبوية نجد هذا المثال البيّن "للأحلام المتتامة"، في قصة الأذان:

همّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بضرب الناقوس، وهو له كاره بسبب مشابهته للنصارى، حيث رأى ذلك الصحابي، وهو عبد الله بن زيد بن عبد ربه رضي الله عنه، وهو نائم؛ رجلاً عليه ثوبان أخضران وفي يده ناقوس يحمله، فقال للرجل: "يا عبد الله أتبيع الناقوس؟"، قال: "وما تصنع به؟"، فقال الصحابي: "ندعو به إلى الصلاة"، قال: "أفلا أدلّك على خيرٍ من ذلك"، فقال: "بلى"، قال: "تقول الله أكبر الله أكبر، إلى نهاية الأذان"، ثمّ أفاق عبد الله بن زيد رضي الله عنه من نومه. وفي الصباح ذهب إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأخبره بما رأى، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "إنَّها لرؤيا حقٍّ إن شاء اللهُ، فقُمْ مع بلالٍ فألْقِ عليه ما رأيتَ فليُؤذِّنْ به فإنَّه أندَى صوتاً منك"، فقام عبد الله بن زيد مع بلال يلقّنه الأذان، وبلال يؤذّن به، فسمعه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو في بيته، فخرج مسرعاً يجرّ ردائه ويقول: "والذي بعثك بالحقّ لقد رأيت مثل الذي أُرِي"، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: "فلله الحمد".

أقدم قصة معروفة عن تكامل الرؤى هي قصة يوسف عليه السلام:

وهي أحسن القصص، وفيها كل الأنماط الحكائية المعروفة في العالم، وكانت يجب أن تكون محل الدرس، لكن نكتفي بالإشارة إلى ما يهمنا في سعينا إلى أمثلة أقدم من حكاية ألف ليلة وليلة التي نسجت حكايتها على منوالها. يوسف عليه السلام يرى رؤيا فيرويها لأبيه، فيكيد له إخوته حسدا، فيجد نفسه في بيت العزيز بعد مشاق وحبس في بئر ونخاسة ومحنة وسجن، ثم يعبر له رؤيا، كما عبّر رؤيا اثنين من المساجين، فتكون رؤيا العزيز عتبة وسلماً لتحقيق رؤياه. والغريب أن أحد أمكنة الرؤيا هي مصر، كما رواية باولو كويلو. ولا تخلو قصة يوسف من عناصر بوليسية، وكما كان حلم زعيم اللصوص سبباً في تحقيق رؤيا الحاج سانتياغو، كان حلم العزيز سبباً في تحقيق حلم يوسف عليه السلام.

وسنخرج عن النص إذا قلنا إن الكنوز الكبرى في مصر وبغداد.
التعليقات (1)
انس الرقاوي
الثلاثاء، 21-05-2019 09:52 م
الخيميائي قديما هو كيميائي وعراف وقد يكون دجالا.... يحاول صنع الذهب من مزج مواد كيميائية..... ولم ينجح اي منهم... الا ان مخابرات الاسد نجحت في ذلك فقد نجحوا بجعل الحمار يعترف انه ارنب (تحت التعذيب طبعاً).... لذااا يجب اعطائهم جائزة خيميائيي العصر والزمان..... خيميائيين خروات!!!