مقالات مختارة

الأخلاق بوصلة الإعلام الناجح

محمد قيراط
1300x600
1300x600

من واجب كل مؤسسة إعلامية أن تعمل على "أخلقة" العمل الإعلامي، وجعل ميثاق الشرف بوصلة للممارسة الإعلامية النزيهة والشريفة والهادفة، فكل مؤسسة إعلامية مطالبة بأن تحدد بكل وضوح ودقة المحرمات والممنوعات، واجبات القائم بالاتصال وحقوقه، وعادة تتحدد المحاور الرئيسية لميثاق الشرف الإعلامي فيما يلي: المسؤولية، الأخلاق، الدقة والموضوعية، احترام شعور وديانات ومقدسات الآخرين، احترام الحياة الخصوصية لأفراد المجتمع، حق الجمهور في الأخبار والمعرفة والمعلومات، الالتزام باحترام المهنة والدفاع عنها وحمايتها من كل من يحاول المتاجرة بها أو استعمالها لأغراض غير المصلحة العامة وأغراض المجتمع، الالتزام بحماية الصحافي وحصانته والدفاع عنه عندما تتوجب الضرورة.

 

إذا انعدمت الأخلاق وسيطرت النزوات الشخصية أو الحزبية أو المالية التجارية ابتعدت المؤسسة الإعلامية عن خدمة المصلحة العامة وهذا يعني أنها بدلا من أن تكون المراقب العام في المجتمع والمدافع عن الطبقات المحرومة تصبح في يد فئة محددة تستعملها وتسخرها لخدمة مصالحها وحتى لو كانت على حساب المصلحة العامة، وهذا ما يؤدي إلى انعدام المصداقية وتدهور العلاقة بين الشرائح الاجتماعية العريضة في المجتمع والمؤسسة الإعلامية. بعبارة أخرى المؤسسة الإعلامية تعمل في فراغ تام وعملية التأثير والتأثر تنعدم من أساسها وفي غالب الأحيان يتوجه الجمهور المستقبل نحو وسائل ورسائل إعلامية أخرى ليجد ما لم يجده في الرسالة المحلية. وفقدان المصداقية في العملية الإعلامية يعتبر فشل العملية الإعلامية في مهدها.


أكثر من أي وقت مضى تحتاج المؤسسة الإعلامية إلى ميثاق شرف وهي كذلك مسؤولة عن تكوين صحافييها ونشر ثقافة المسؤولية والأخلاق واحترام المهنة والمجتمع والحقيقة، وهنا يجب التأكيد على أن المواثيق لا تكفي، فعلى الصحافي أن يؤمن برسالته في المجتمع والمسؤولية الملقاة على عاتقه كما من واجبه أن يعمل على تكوين نفسه وترقية أدائه وصقل مواهبه ومتابعة آخر التطورات في المهنة محليا وإقليميا ودوليا. من جهة أخرى لا نستطيع أن نتكلم عن أخلاقيات المهنة بدون المهنية وعندما نتكلم عن المهنية فهذا يعني التكوين الجامعي والتخصص والاشتراك في الجمعيات المهنية والنقابات وكذلك التعليم المستمر، فالمهنية تعني احترام المهنة والدفاع عنها، وبذلك احترام أخلاقياتها ومبادئها. مع الأسف الشديد يعاني الإعلام العربي من غياب جمعيات مهنية قوية تعمل على حماية المهنة من المتطفلين وتطوير أداء الصحفيين من خلال التعليم المستمر والدورات التدريبية، حيث نلاحظ غياب المجالس الصحفية وجمعيات الناشرين ومجالس القراء وانعدام دور المجتمع المدني. وهنا يجب الإشارة إلى العلاقة الوثيقة بين أخلاقيات الصحافة وحرية الصحافة وحرية الفرد في المجتمع والفصل بين السلطات.


الإعلام بدون أخلاقيات لا يستطيع أن يقدم رسالته النبيلة وبدلا من أن يكون في خدمة الحقيقة والمصلحة العامة نجده في موقع لا يُحسد عليه، تتقاذفه أمواج المال والسياسة على حساب الرسالة النبيلة لمهنة شريفة، التحديات كبيرة ما يتوجب تكاثف جهود الجميع -المؤسسة الإعلامية، الصحافيون- النقابات والجمعيات الصحفية - المجالس الإعلامية – سلطات الضبط - المجتمع المدني- لحماية المهنة والقائمين عليها والجمهور من سطو وتكالب قوى عديدة في المجتمع تعمل جاهدة لتوظيف الإعلام لتحقيق مصالحها مستعملة كل الطرق والوسائل من تلاعب وتضليل وتزييف وتشويه وتعتيم.


وتنعدم المصداقية في العملية الإعلامية عندما تكثر الضغوط بمختلف أنواعها وأشكالها على القائم بالاتصال، وعندما تكثر التدخلات في عمل المؤسسة الإعلامية من قبل جهات وأطراف ليس لديها أي حق في التدخل في العمل الإعلامي. وفي عالمنا العربي مع الأسف الشديد تعاني المؤسسة الإعلامية من ضغوط ومن تدخلات ومن تحكم وتوجيه تجعلها مؤسسة تبتعد كل البعد عن جمهورها وعن خدمة المصلحة العامة لصالح هؤلاء المتطفلين - نظرا لنفوذهم السياسي أو المالي … الخ.

 

ويصعب هنا الكلام عن الأخلاق أو ميثاق الشرف أو المصلحة العامة إذا كانت المؤسسة الإعلامية تحت رحمة حفنة من أصحاب الجاه والمال والنفوذ. إن تحديد مهام ومسؤولية المؤسسة الإعلامية وتحديد مهام ومسؤولية القائم بالاتصال في ضوء ميثاق شرف شامل وواضح المعالم يعني أننا قضينا على الكثير من الملابسات ومن المناطق الغامضة التي قد تؤدي إلى سوء التفسير والاستخدام، والمؤسسة الإعلامية في المجتمع مثلها مثل القائم بالاتصال الذي يصنع الرسالة التي تقدم للجمهور يجب أن تكون لديها رسالة نبيلة تعمل من أجلها ليل نهار للدفاع عنها وتحقيقها، المؤسسة الإعلامية يجب أن تبذل قصارى جهودها لإبراز الحق وتبيان الباطل، فإذا كان الهدف النبيل موجودا والنية موجودة والمستلزمات متوافرة (قوانين، تشريعات، نقابات مهنية، مواثيق أخلاقية) وكذلك المناخ الديمقراطي وحرية التعبير والرأي، في هذه الحالة نستطيع أن نتكلم عن مؤسسات إعلامية فاعلة في وطننا العربي.


الممارسة الإعلامية مهنة نبيلة يجب أن تُمارس وفق المعايير والمقاييس الأخلاقية والقانونية والتشريعية والمهنية، فالمؤسسة الإعلامية مسؤولة أمام المجتمع وأمام الرأي العام، ومسؤولة مسؤولية أخلاقية كبيرة جدا عندما تضّخم أشياء وتحجب أشياء أخرى، وعندما تركّز على عناصر معينة في الخبر دون غيرها. وجريمة التضليل والتزييف والمغالطة والكذب والدعاية والتشويه والتلاعب أخطر بكثير من أي جريمة أخرى، لأن المؤسسة الإعلامية عندما تزّيف أو تضلّل فإنها كذبت على ملايين البشر وليس على شخص واحد، وهنا تكمن أهمية الأخلاق والالتزام والنزاهة التامة في العمل الإعلامي لضمان السوق الحرة للأفكار. في أخلاقيات العمل الإعلامي يجب على القائم بالاتصال الرجوع دائما إلى المنطق وأن يسأل السؤال التالي دائما "ما هو دوره في المجتمع وما هي مسؤوليته أمام قرائه ومستمعيه ومشاهديه، وما هو هدف العملية الإعلامية؟ أهو التشهير أم القذف؟ أم خدمة المصلحة العامة أم إلحاق الضرر بالآخرين، أم التضليل والتزييف و التشويه؟" أم أن رسالته في المجتمع هي رسالة نبيلة تتمثل في الكشف عن الحقيقة بكل موضوعية ونزاهة والتزام، فالتحلي بالأخلاق والامتثال للقانون وللصالح العام ولمواثيق الشرف من المميزات الرئيسية للعمل الإعلامي الناجح والمسؤول والهادف والملتزم.


ما يؤسفنا قوله عن واقع أخلاقيات الممارسة الإعلامية في الوطن العربي هو غياب الكثير من مستلزمات الممارسة المسؤولة والنزيهة والملتزمة، حيث نلاحظ غياب مواثيق الشرف في الكثير من المؤسسات الإعلامية وكذلك غياب الجمعيات والنقابات والاتحادات الإعلامية وإن وجدت فتكون شكلية فارغة من محتواها الحقيقي، بالإضافة إلى أن الضغوط المختلفة على المؤسسة الإعلامية وعلى الصحافي نفسه وكذلك غياب حرية الصحافة في الكثير من الأحيان وضعف القوانين والتشريعات الإعلامية – سواء ما يتعلق بالنص أو ما يتعلق بالتطبيق والممارسة - كلها عوامل تؤثر سلبا على البعد الأخلاقي في معادلة الممارسة الإعلامية. الخاسر في كل هذا هو كلمة الحق، هو الرأي العام المستنير، هو السوق الحرة للأفكار، بدون حرية رأي وحرية تعبير وحرية صحافة لا وجود للقرار الرشيد ولا للإبداع والابتكار ولا للحوار والنقاش والرأي والرأي الآخر.

 

عن صحيفة الشرق القطرية

0
التعليقات (0)