مقالات مختارة

الحَراك والجمود!

عبد الناصر بن عيسى
1300x600
1300x600

إذا فشلت الجزائر- لا قدّر الله- في الاستغلال الكامل والجيّد، للحَراك الشعبي الذي قارب عمره ثلاثة أشهر، في كل الجوانب من اجتماعية واقتصادية وسياسية وثقافية وخاصة معنوية، فستُضيّع على نفسها، أهم فرصة سنحت لها منذ الاستقلال، من أجل الانطلاق إلى التنمية المادية والمعنوية، وقد تكون آخر فرصة تتاح لها.


المشهد الرمضاني الحالي، يبعث -للأسف- على التشاؤم، فالبلاد من أعلاها إلى أدناها تبدو وكأنها في حالة شلل تام، والذين لم يستوعبوا بعد أهداف الحَراك من أجل التغيير الشامل، أو ربما رفضوا الاستيعاب، حوّلوا جنة الحَراك إلى جحيم الخمول والجمود، فلم نعد نشعر في القطاع العام، من تعليم وصحة وبقية المجالات، بوجود عامل نزيه واحد، بل عامل واحد من دون الخوض في قضية النزاهة والإخلاص والكفاءة.


فقد اقتنع بعض الناس بأن زمن الرقابة والمحاسبة قد ولى للأبد، فباشروا عمليات الهروب الجماعي من العمل، وأقنعوا أنفسهم بأن كل مدير أو مسؤول محسوب على “العصابة”، وبدلا من قهره بالعمل والجدّ، قهروا أنفسهم وبلادهم، بالهروب من العمل، وإذا تواصل الجسر المقطوع بين الإدارات والعمال وبين العامل والعمل وما بين العامل وضميره، فإن البلاد ستبني الخراب فوق الخراب، وحينها سنصطدم بعنف في الحائط، إن لم نكن قد اصطدمنا فيه، على حدّ تعبير الشارع الجزائري.


يتبرّأ المشرفون على الحَراك الشعبي، بين الحين والآخر من بعض الوجوه التي تبحث عن القيادة أو تتبنّى كل ما هو جميل في هذه الثورة السلمية المسالمة التي أسقطت الرئيس وحكومته، وتتبرأ من بعض الشعارات الشاذة التي حاول فيها البعض أن يقول ما كانت تمارسه السلطة وربما أفظع من ممارساتها، ويبدو أن الوقت قد حان لأجل التبرؤ من الكثير من الممارسات المشينة التي انتشرت بين الناس، من الذين فهموا أن الحَراك يحميهم أو سيكون لهم سندا فيها، مثل رفض تسديد فواتير الغاز والماء ودفع الضرائب، والهروب من العمل وممارسة الممنوع والمحظور.


تعني كلمة الحَراك في اللغة العربية بفتح حرف الحاء، الحركة وكل مظهر من مظاهر النشاط، وهي ضد السكون والخمول والجمود، والحَراك لا معنى له إذا لم يكن حركة في كل شيء، أو أن مظاهره عكس معناه اللغوي والمعنوي الشامل، الذي لا يختلف عن كلمة ثورة، التي يقودها متحركون، إذا قامت فهي لا تقعد أبدا.


بكثير من السعادة يتلذذ المواطنون بالثمار الأولى للحَراك وهم يشاهدون بعض أفراد العصابة يصطفون أمام قاضي التحقيق، فيسألهم عن مصدر ومصير الأموال “القارونية” التي نهبوها فتشخص أبصارهم، وبكثير من الأمل ينتظر الناس وضع نقطة نهاية لمثل هذه الأفعال الشنعاء التي غزت الجسم الجزائري مثل الأورام الخبيثة، لأجل ذلك يجب إدخال الجمود والداعين له وممارسيه، ضمن معادلة ممارسات العصابة التي يجب أن تخرج من القاموس الجزائري نهائيا.

 

عن صحيفة الشروق الجزائرية

1
التعليقات (1)
ام زينب .الجزائر
السبت، 18-05-2019 10:41 ص
استاذنا الكريم ،انت اذن تصدق ما تراه من مشاهدتوافد هؤلاء اللصوص على المحاكم ومقرات التحقيق وتظن فعلا انه تتم مساءلتهم؟؟ عجيب حقا ...الكل يعرف انها مجرد تمثيليات ولو كان الامر جديا لكان الأولى قبل محاسبة الفاسدين تلبية مطالب الناس الاساسية وهي ذهاب كل رموز النظام وحينئذ تكون المحاسبات في اطار منظومة قضائية نزيهة .أضف الى ذلك -اذا سلمنا ان الامر جاد- لماذا لا يتم اعلام الشعب بمجريات هذه التحقيقات ؟ الناس داخلة تبتسم وتتعامل معاملة الاسياد وانت تقول افراد العصابة يصطفون امام القاضي ...انا فعلا مستغربة من الجزء هذا من مقالك استاذ.

خبر عاجل