صحافة دولية

"جون أفريك": اتفاقية سايكس بيكو ما زالت تؤجج الشرق الأوسط

استغل بعض الحلفاء انتصارهم وانهيار الإمبراطورية العثمانية لتقسيم منطقة الشرق الأوسط- جيتي
استغل بعض الحلفاء انتصارهم وانهيار الإمبراطورية العثمانية لتقسيم منطقة الشرق الأوسط- جيتي

نشرت مجلة "جون أفريك" الفرنسية تقريرا سلطت فيه الضوء على تأثير اتفاقية سايكس بيكو على شؤون منطقة الشرق الأوسط ومساهمة الحدود التي رسمتها في تأجيج الأوضاع.

وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إنه يوم 16 أيار/ مايو 1916، أي قبل 103 سنوات، تم توقيع اتفاقية سايكس بيكو بين بريطانيا العظمى وفرنسا التي تحدد ما يُشكل اليوم الحدود بين سوريا والعراق.

 

وفي حين يرى البعض أن مصير هذه الاتفاقية يجب أن ينحصر في كتب التاريخ، يعتقد البعض الآخر أن خط الترسيم الذي نتج عنها، والذي يرفضه تنظيم الدولة، لا يزال يشكل مصدرًا مهمًا للنزاع. وقد أعادت هذه الاتفاقية رسم جزء هام من ملامح منطقة الشرق الأوسط.

وأوضحت المجلة أن هدف هذه الاتفاقية، التي تم التفاوض عليها في نهاية سنة 1915 بين الفرنسيين والبريطانيين، ثم التوقيع عليها بسرية بعد سنة واحدة من ذلك في خضم الحرب العالمية الأولى، تمثل في مشاركة مقاطعات الإمبراطورية العثمانية بعد تفككها.

 

وبعد قرن من الزمان، مازال خط الترسيم الذي نتج عن هذه الاتفاقيات يمثل محور المستجدات الحالية. وفي سنة 2016، وعد تنظيم الدولة في أحد مقاطع الفيديو الدعائية الخاصة به بإلغاء هذه "الاتفاقية الإمبريالية" وإنشاء دولة إسلامية بلا حدود.

وبينت المجلة أن ركود الأزمة السورية والصراع في اليمن أعاد إحياء النقاش الدائر حول الانقسامات "الخطرة" التي أغفلت التنوع العرقي وتُواصل مفاقمة الوضع.

 

وعلى الرغم من مرور فترة طويلة على توقيعها، إلا أن إعادة النظر في هذه الاتفاقية اليوم لا يحظى بالإجماع بين صفوف المتخصصين.

 

فبالنسبة لجان بول شانيولو، الأستاذ الفخري في الجامعات ورئيس معهد البحوث والدراسات حول البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط، من المهم التمييز بين اتفاقية سايكس بيكو والطريقة التي تم تنفيذها بها.

ونقلت المجلة عن جان بول شانيولو أن "هناك الاتفاقية التي نعرفها جميعًا، المؤرخة في 16 أيار/ مايو 1916، والخرائط المعروفة، والنص المنقح في شهر كانون الأول/ ديسمبر 1918.

 

في هذا النص، تقرر أن فلسطين سوف تكون من نصيب البريطانيين، والموصل ستنتقل من الانتداب الفرنسي إلى البريطاني.

 

وفي حال لم يتم هذا التنقيح، لكانت الموصل عاصمة سوريا". وبالنسبة لهذا المختص، يتعلق الأمر بتقاسم الهيمنة بين القوتين العظيمتين، إذ "تقاسم البلدان المناطق وفيما بعد قام كل منهما بما أراده. وقد تم تحديد الحدود من قبلهما بشكل تعسفي".

 

اقرأ أيضا :  أردوغان: تركيا لن تقبل بـ"سايكس بيكو" جديد في المنطقة


وذكرت المجلة أنه إذا كان رسم الحدود لا يزال ساري المفعول حتى يومنا هذا، فقد زاد من حدة النزاعات في المنطقة وجعل الخلاف قائما بشكل مستمر، على حد تعبير شانيولو.

 

وفي حال لم تتغير الحدود قانونيا منذ ذلك الحين، يرى جان بول شانيولو أن "هذه الاتفاقيات عززت طائفية لم تتمكن الشعوب من تجاوزها لأكثر من مائة سنة".

وبالنسبة للباحث في كلية الملك في لندن أندرياس كريج، أصبحت الاتفاقية الآن "ميتة"، ذلك أن "الحدود في الشرق الأوسط لا تثير اهتماما كبيرا وليست موجودة سوى لأغراض إدارية، خاصة أمام تصاعد الإيديولوجيات والطائفية التي ليس لها حدود مادية".

ونقلت المجلة عن كريج أن النزاعات الحالية تتجاوز هذه الانقسامات وتتواجد مع أو دون إعادة رسم الحدود، ذلك أن "المنطقة تعيش على إيقاع إصلاح أساسي للشؤون الاجتماعية والسياسية وهويتها.

 

وقد جعل وصول تنظيم الدولة والتشكيك في هذه الحدود هذه الاتفاقية غير مهمة". ويعتقد جان بول شانيولو أنه "في الوقت الحالي، يبدو أن المنطقة تمر بمأزق لا يمكن توقع نتائجه، وقد جدت أحداث أخرى أدت إلى تفاقم التوترات، لا سيما بين إيران ودول الخليج، أو الصراع في اليمن، وهو ما جعل فرص تهدئة الأوضاع ضئيلة للغاية".

وردا على سؤال المجلة حول "صفقة القرن" التي من المفترض أن تعيد السلام إلى الشرق الأوسط التي من المتوقع حسب عدة مصادر أن يُكشف عنها في حزيران/ يونيو، لا يرى المختص أنها تقدم أي حل، لكن على العكس من ذلك، يمكنها خلق توترات جديدة في المنطقة.

وذكرت المجلة أن دخول الإمبراطورية العثمانية في الحرب إلى جانب ألمانيا والإمبراطورية النمساوية المجرية تلاه توقيع اتفاقية سايكس بيكو الشهيرة.

 

وقد استغل بعض الحلفاء انتصارهم وانهيار الإمبراطورية العثمانية لتقسيم منطقة الشرق الأوسط.

 

ويحمل اسم الاتفاقية اسم ممثل بريطانيا العظمى والعضو المحافظ في البرلمان مارك سايكس، والدبلوماسي الفرنسي والقنصل السابق في لبنان فرانسوا جورج بيكو، الذي شاركه في توقيعها.

وفي الختام، بينت المجلة أنه بالنسبة للقوى العظمى، كانت دول منطقة الشرق الأوسط معتادة على النظام الإمبريالي ولم يكن بإمكانها تنظيم بلدانها إداريا وسياسيا. وكانت مسألة الهيمنة عليها أكثر أهمية من استقرار المنطقة.


التعليقات (0)