صحافة دولية

فورين بوليسي: هل تدرك أمريكا مصادر القوة الإيرانية الخفية؟

فورين بوليسي: أمريكا تجهل مصادر القوة الإيرانية- جيتي
فورين بوليسي: أمريكا تجهل مصادر القوة الإيرانية- جيتي

نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للأستاذة المساعدة في جامعة جون هوبكينز، نرجس باجوغلي، تقول فيه إن ما يربط إيران بوكلائها في المنطقة أعمق بكثير مما تفهمه إدارة ترامب.

 

وتشير باجوغلي إلى أن "علي، وهو عضو ذو رتبة عالية في الحرس الثوري، عندما سألته إن أحد أهداف إدارة ترامب من العقوبات على إيران هو إضعاف إمكانياتها ماديا لتتوقف عن دعم المليشيات في المنطقة، فإنه أجاب قائلا: (ما لا يفهمه الأمريكيون هو أن المجموعات التي ندعمها في المنطقة ليسوا مرتزقة لدينا.. يظن الأمريكيون أن كل شيء له علاقة بالمال، يظنون أننا نشتري الولاء في المنطقة لأنهم هكذا يشترون الولاء)".

 

وتقول الكاتبة في مقالها، الذي ترجمته "عربي21"، إنه "خلال العقد الذي قمت فيه بالبحث مع منتجي الأفلام الثقافية في الحرس الثوري، رأيت أعدادا من المنتجين الموالين لحزب الله، والمجموعات الشيعية العراقية، والمجموعات الكردية، يمرون خلال المراكز الثقافية في طهران، (ووافق جميعهم الحديث على معي بشرط عدم ذكر أسمائهم، والأسماء المستخدمة هنا هي أسماء مستعارة)، مهدي، منتج أفلام إيراني موال للنظام، عاش في لبنان لينتج الأفلام مع المنتجين الإعلاميين لحزب الله، وعندما زاروه في طهران كانوا يتحدثون الفارسية بطلاقة، وتحركوا في المدينة بسهولة، كما يزور منتجو الإفلام العراقيون طهران بشكل منتظم، ويقضون وقتا في استديوهات التحرير المرتبطة بمنظمة الباسيج شبه العسكرية". 

 

وتستدرك باجوغلي بأنه "مع أن بحثي ركز على المنتجين الثقافيين، إلا أنني رأيت سيلا شبيها من الأجانب لدى القسمين الاقتصادي والعسكري للحرس الثوري، وبالتأكيد فإن تدفق البضائع والأفكار والناس بين إيران ووكلائها سيستمر وسط عقوبات الرئيس دونالد ترامب، تساعدها في ذلك سلسلة من المؤسسات التي لا تعتمد كثيرا على الاستثمار المالي وبالعلاقات القوية من الجوانب كلها".

 

وتلفت الكاتبة إلى أنه "تاريخيا، تعود العلاقات بين إيران والعراق والشام لأجيال كثيرة، التجارة منذ القدم وطرق الحج، بالإضافة إلى كوكبة من المدارس الدينية، وهو ما يعني أن مجتمعات وعائلات بكاملها تنقلت بسهولة بين تلك البلدان، وعاشت فيها، وتواصلت مع أهلها، وكونت علاقات ثقافية واجتماعية، ومجرد وجود هذه المجموعات لا يترجم إلى مجموعات نشيطة سياسيا".

 

وتفيد باجوغلي بأن "صناع القرار والعامة يسيئون فهم هذه الروابط، وتفسيرها على أنها مرتبطة بالشيعية باعتبارها عقيدة دينية تقليدية، وينبع سوء الفهم هذا من الإطار الخاطئ الذي تبني واشنطن عليه سياساتها كاملة في الشرق الأوسط وإيران، وهو الاعتقاد بأن ما حرك الثورة عام 1979 في إيران هو سعي متعصب لسياسة إسلامية".  

 

وتستدرك الكاتبة بأن "ما يربط هذه المجموعات ببعضها ليس الالتزام بعقيدة دينية واحدة، لكن لو كان الأمر كذلك لما كانت لإيران علاقات مع بعض الفصائل الفلسطينية، ولا بالمجموعات الكردية العراقية، ناهيك عن العلاقات مع بشار الأسد في سوريا، والحوثيين في اليمن، ولفهم أن السعي لتحقيق السيادة، وليس أي سعي للحكم الديني هو ما يحرك علاقة إيران بوكلائها، يجب أولا التخلص من الفرضيات حول الثورة التي أدت إلى الجمهورية الإسلامية".

 

وتنوه باجوغلي إلى أنه "في جيل جديد من الأبحاث التي تهدف إلى بناء تاريخ اجتماعي للثورة، تظهر الدراسات أن ما حرك الإيرانيين لدعم الثورة بشكل جماعي هو رغبة في التخلص من الإمبريالية، وبحسب ما احتج المؤرخ المتخصص في الشأن الإيراني الشهير يرواند إبراهاميان، فإنه يجب رؤية ثورة عام 1979 على أنها استكمال للنضال وللتحرر، الذي قطع عام 1953 عندما قامت أمريكا بتدبير انقلاب". 

 

وتذكر الكاتبة أن "وكالة الاستخبارات المركزية قامت بالإطاحة برئيس الوزراء المنتخب محمد مصدق، وأعادت تنصيب الشاه محمد رضا بهلوي، وسيطرت على حقول النفط الإيرانية، ومهما فعل الشاه على المستوى المحلي خلال 26 عاما من حكمه، في الفترة بين 1953 إلى 1979، فإن الانقلاب بقي يلقي بظلاله الطويلة على حكمه، وتنبثق عدم شرعيته (في وعي الإيرانيين) من الإحساس بأنه كان يقوم بعمل الأمريكيين والبريطانيين، وأنه باع نزاهة بلده لأجل السلطة والمال".  

 

وتنقل المجلة عن المؤرخة نجمة صحرابي، قولها إنه يجب فهم ثورة عام 1979 في إيران "على أنها واحدة من آخر الثورات العظيمة الناجحة في عالم ما بعد الاستعمار، وفي شكلها ما بعد الثورة، كأول من أجاب على الأسئلة والمخاوف لروح الشعب في دول جنوب الكرة الأرضية بصيغة إسلامية". 

 

وتشير باجوغلي إلى أن "آية الله الخميني، بلباسه البسيط، ولهجته غير الطهرانية، كان رمزا لما هو عكس الثراء العظيم للشاه، ووجدت رسالة الخميني الشعبوية لإعادة العدل والنزاهة لإيران في وجه الإهانة الدولية والمحلية صدى لها مع الشعب الذي بقي فقيرا وريفيا، بالرغم من الثروة النفطية لسبعينيات القرن الماضي".

 

وتبين الكاتبة أن "الثورة الشعبية العارمة، التي تخلصت من الشاه، لم تقم بسبب التقصير الاقتصادي والثقافي والسياسي، (الذي كان موجودا في بلدان أخرى، لكنه لم يؤد إلى حركة ثورية)، لكن لأن الثوار رأوا في الشاه دمية في يد أمريكا، ولم تكن المصالح العليا للبلد تشغله، فالقضية الرئيسية في الثورة كانت السيادة والاستقلال من القوى الخارجية". 

 

وتتساءل باجوغلي: "ما علاقة ذلك بعلاقة إيران بوكلائها؟ خلال الأربعين عاما منذ الثورة دعمت الجمهورية الاسلامية مجموعات مناضلة ضد الاحتلال الأجنبي، سواء كان ذلك في لبنان أو العراق أو الأراضي الفلسطينية المحتلة، (هذا التحليل هو أيضا ما يحرك سياسات إيران في سوريا، حيث تعتقد أن أوروبا وإسرائيل تدعمان مجموعات محلية، وبعد ذلك مرتزقة، للإطاحة بالأسد لأهداف جيوسياسية)، وعندما يقوم الشخص بالتركيز على خطاب تلك المجموعات يجد أن هناك تشديدا على السيادة والحرب ضد الإمبريالية، وبالطبع فإن رمزية الإسلام بصفته هوية ثقافية وسياسية موجودة أيضا".

 

وتورد المجلة نقلا عن حسين، الذي عمل قائدا في الحرس الثوري خلال الحرب العراقية الإيرانية، والذي يعمل في الإنتاج الإعلامي حاليا، قوله: "يعتقد الأمريكيون أننا مسلمون مجانين على طريق الشهادة، وأن العراقيين واللبنانيين لديهم العقلية المختلة ذاتها.. لا يريدون التفكير بأن لدينا مخاوف سياسية مشروعة حول منطقة خالية من الهيمنة الإمبريالية وسعي للسيطرة على مواردنا".

 

وتنقل الكاتبة عن مهدي، منتج الأفلام الإيراني الذي عاش لسنوات طويلة في لبنان وعمل مع منتجي الإعلام التابعين لحزب الله، قوله: "انضممت إلى القوى الثورية؛ لأنني أردت أن أكون مثل الدكتور جمران، فما فعله للبنانيين والفلسطينيين، وبعدها للإيرانيين، هو ما حرك الكثير منا"، في إشارة إلى مصطفى جمران، الذي تخرج طبيبا من جامعة بيركلي في كاليفورنيا، والذي كان مشاركا في الحركات المقاومة للاستعمار في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي. 

 

وتلفت باجوغلي إلى أن جمران تدرب في تكتيك حروب العصابات في كوبا ومصر، ثم عمل في لبنان لتنظيم الشيعة في السبعينيات، مشيرة إلى أن مهدي والمتعاونين معه في لبنان أنتجوا أفلاما حول جمران، وبرامج تعليمية كبيرة لتعليم الصغار عن هذا القائد العسكري.

 

وتفيد الكاتبة بأن "التكتيكات العسكرية تشكل للحركات التحررية في السبعينيات جزءا من الحمض النووي للحرس الثوري، وبالتالي ورثته المليشيات التي تدعمها إيران في المنطقة، وهذه التكتيكات في الحرب اللامتماثلة تم تجريبها في ساحة المعركة على مدى 8 سنوات خلال الحرب الإيرانية العراقية. فمن عام 1980 – 1988، وتعلم الحرس الثوري كيف يقاتلون، وكيف يصنعون استراتيجية عسكرية لتحمل قوة عسكرية أقوى يمولها ويدعمها الغرب". 

 

وتقول باجوغلي: "مثل كثير من الحركات التحررية في ذلك الوقت، فإن الثورة الإيرانية لم تؤد إلى التحرير، لكن إلى صراع دموي على السلطة، انتهى بقمع الأصوات المعارضة، وعلى مدى أربعة عقود منذ ذلك الحين مارست الجمهورية الإسلامية والحرس الثوري سياسة القوة، التي أدت إلى جروح عميقة لا يمكن أن يسامح فيها بسهولة".

 

وتستدرك الكاتبة بأنه "بين مؤيدي الجمهورية الإسلامية في الداخل والخارج، فإن الحكومة الإيرانية بعد الثورة تبقى شرعية، ولا تزال تستحق ان يقاتل إلى جانبها؛ لأنها تمكنت من إحباط العدوان الأمريكي في العراق وفي أفغانستان؛ ولأنها حاربت ضد تنظيم الدولة، وساعدت في هزيمته؛ ولأن دعمها لحزب الله ساعد على إبقاء إسرائيل خارج لبنان". 

 

وتنوه باجوغلي إلى أنه "منذ بدء حكم ترامب عادت السياسة الخارجية الأمريكية إلى سياسة القوة، وتسعى إلى تخويف أولئك الذين لا يلتزمون بإرادة أمريكا، بالإضافة إلى أن أمريكا لم تلاحق إيران فقط في الشرق الأوسط".

 

وتجد الكاتبة أنه "في ضوء ضم الجولان، وإعطاء حقوق التنقيب لشركة مرتبطة بديك تشيني، والدعم الواسع للسياسات التوسعية لبنيامين نتنياهو، فإن هذه المجموعات كلها لا تغيب عنها الرغبة الأمريكية والإسرائيلة من السيطرة على المصادر الطبيعية للشرق الأوسط والتربح منها". 

 

وتشير باجوغلي إلى أنه "بالنسبة لمؤيدي إيران، فإن مأزق إيران الحالي في وجه الإدارة الأمريكية، التي تطلب خضوع البلد -مع أنها التزمت بجانبها من الاتفاقية- يتناغم تماما مع سوابق تاريخية لا يمكن إهمالها".

 

وتلفت الكاتبة إلى أنه على المستوى المحلي، وبالرغم من خيبة الآمل الواسعة تجاه النظام، فإن السعي للحصول على الطاقة الذرية تمت صياغته على أنه حق وطني لإيران على مدى عقود، ففي بحثي وجدت أن الحرس الثوري رعى هذه الرسالة القومية في برامجه الثقافية والإعلامية كلها، منذ عام 2005، وإذا ما أخذنا في عين الاعتبار أفعال إدارة ترامب ضد الإيرانيين، من منع دخول المسلمين إلى أمريكا، إلى الانسحاب من الاتفاق النووي، إلى إدراج الحرس الثوري على قائمة الإرهاب -وهو ما يؤثر على ملايين الشباب الذين أدوا خدمتهم الإجبارية مع الحرس الثوري- ما يسهل على الجمهورية الإسلامية العمل على الوحدة الوطنية تحت هذه الظروف، وستكون النتيجة أن يقمع النظام العسكري المحلي أي أصوات معارضة".

 

وتنوه باجوغلي إلى أنه "على مدى الأشهر الماضية، عندما كانت هناك فيضانات في إيران والعراق وأفغانستان، فإنه كانت هناك فرق من منتجي الأفلام تذهب وتصور تلك الكوارث، وتصور فرق الحرس الثوري وهي تقوم بمساعدة الناس، وهذا الإنتاج الإعلامي يساعد على حشد التأييد لإيران في وجه الكوارث الطبيعية وإدارة ترامب". 

 

وتختم الكاتبة مقالها بالقول: "قد يأمل المسؤولون الأمريكيون بأن تقلل العقوبات من قدرة إيران على تمويل هذه المجموعات، لكن هذا الأمل يكشف أنهم ساذجون من ناحيتين: أولا، من خلال التمويل المحلي مثل الخمس وغيره من العشور ستستمر الأموال بالتدفق لتمويل هذه الجماعات، من خلال نظام حوالات معقد، سيصعب على وزارة الخزينة الأمريكية تتبعه، وثانيا الرغبة في تخليص المنطقة من القوى الإمبريالية الأجنبية هو ما يؤثر على شعوب الشرق الأوسط لأجيال". 

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)

التعليقات (1)
احمد
الخميس، 16-05-2019 11:06 م
ما هذا الهراء ؟ احتلال العراق و افغانستان كان بتوافق و مساعده ايرانيه لامريكا و من ثم استلمت ايران العراق عبر ميليشياتها بتأييد و مساعده امريكيه بعد هذا كله تتحدث الكاتبه عن معاداه ايران للامرياليه و ان ثورتها نقيه و لم تلطخ بمئات الالاف من سنه العراق و سوريا . ثوره ايران قوميه فارسيه لبست عباءه الدين . ولا ينكر احد ان اجرام و مجازر ايران الخميني فاقت جرائم الشاه بالالاف المرات . و حتى في الداخل الايراني لم تعد يجد نظام خامنئي قبولا لدى غالبيه الايرانيين