قضايا وآراء

مراجعات الإخوان.. والتحولات الممكنة للمنطقة العربية

إبراهيم الديب
1300x600
1300x600
الحالة الإسلامية ليست ملكا لدولة ولا لتنظيم ولا لجيل، ولا لمجموعة القيادات التي وصلت إلى سدة القيادة فيها بأي شكل من الأشكال، إنما هي رصيد تراكمي لكثير من الجهود والتضحيات والعقود، وأمانة كبرى، وميراث عام يسلم من جيل إلى جيل، ومستقبل أمة وأجيال تتطلع لنجاح مشروعها الإسلامي الذي عاشت من أجله به وله، وقدمت له الغالي والنفيس.

وفي سياق ما جرى من أحداث مع مطلع الربيع العربي، خاصة في تونس ومصر واليمن وسوريا والسودان والجزائر، فالعامل المشترك فيها هو الحالة الإسلامية.

بالتأكيد، إن لكل دولة ظروفها ومعطياتها الخاصة، بيد أن الحالة الإسلامية، وتحديدا الإخوان المسلمين، هي العامل المشترك في كل هذه الدول.

وصلت الحالة المصرية إلى فشل ذريع، والرجوع إلى ما قبل عصر مبارك، والدخول في نفق مسدود، وأصبحت على مشارف الدولة الفاشلة.

وكذلك في اليمن، والذي وصل إلى حالة من الحرب الأهلية والتشرذم الكبير، والوصول بالدولة ذاتها إلى الدولة الفاشلة.. الأمر ذاته تماما، بل أسوأ حالا، في سوريا التي تحولت إلى دولة أكثر فشلا ومحتلة من عدة دول. وقد يختلف الأمر قليلا في ليبيا، ولكنها وصلت أيضا إلى نموذج الدولة الفاشلة، والتي تعاني اقتتالا أهليا متنوع الدعم الخارجي.

والسودان، وبعد حكم سمى نفسه إسلاميا وكان إخواني النشأة، ولكنه قدم أسوأ نماذج الاستبداد والفساد والفشل، الآن أصبح على حافة الهاوية.

لم يتبق إلا المغرب والجزائر وتونس، وهي الدول الثلاث التي جمعها عامل مشترك جديد، ألا وهو التحرر مما يطلق عليه التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، وكذلك الانطلاق برؤية تجديدية لفهم الدين ودوره في الحياة، والفصل بين العمل الدعوى والعمل السياسي.

وهذا وضع الدول الثلاث في حالة أفضل نسبيا على مستوى الحالة الإسلامية والمجتمع والدولة، بما قدم مؤشرا إيجابيا على أهمية المراجعة والتقويم والتجديد الفكري، وإعادة تعريف الدين ورسالته في الحياة، وتحديد مهمة التنظيمات الدينية بين الدعوي التربوي، وبين الاجتماعي والسياسي الإصلاحي.

وكل هذا يدفعنا، وعبر مشاركتنا ومعايشتنا للأحداث في منطقتنا العربية، لدعوة الحالة الإسلامية (والمقصود هنا هم الإخوان المسلمين لما يشكلونه من ثقل نسبي كبير في المعادلة الاجتماعية والسياسية في هذه الدول) وتقديم نداء إلى من تبقى من قيادات الإخوان في كل من مصر وسوريا والسودان؛ لإجراء مراجعات نقدية حقيقية على مستوى الأفكار، ثم الخطط والقرارات والإجراءات خلال العقد الماضي، الأكثر سخونة وتسارعا في الأحداث.

وتبقى لكل دولة خصوصيتها في تفاصيل هذه المراجعات، وصولا إلى حالة من التصالح مع الذات والمجتمع والدول والعالم، بما يمكنها من إعادة التموضع الطبيعي والعودة لأداء دورها وممارسة عملها، بما يواكب طبيعة المرحلة.

في مصر

ماذا لو أعلنت قيادة الجماعة عقد مراجعات فكرية وخططية وإجرائية شفافة، بمشاركة مفكري وقيادات الجماعة، مع الاستعانة بخبراء متخصصين من خارج الجماعة، وصولا إلى دراسة نقدية وتحليلية والخروج بالمعالجات والتوصيات المطلوبة للمرحلة القادة؟

أحسب أن ذلك سيكون له دور كبير في لم شمل الجماعة التي تمزقت وتشتت في دول العالم، كما سيمنحها التصالح مع مجتمعها، والبوصلة والرؤية الجديدة، وفرصة إعادة التموضع الصحيح.

في السودان

ماذا لو اجتمعت قيادات الجماعة التي انقسمت إلى خمسة أجزاء؛ إلى الاجتماع والإعلان عن مراجعات نقدية حقيقية، والاعتذار والتبرؤ من فترة حكم البشير، والخروج بمراجعات نقدية تعيد تحديد مهمة الجماعة دعويا واجتماعيا وسياسيا، بما سيمكنها من التصالح مع شعبها السوداني بكل مكوناته، ويمكنها من إعادة التموضع داخل الجسد الشعبي السوداني واستكمال مسيرة الثورة والتحول إلى حكم ديمقراطي مدني حقيقي؟

في سوريا

وبعدما توافقت القوى العالمية على إدارة الملف السوري لتحقيق مصالحها على حساب الشعب السوري، كما توافقت جميعا على إخراج القوى الوطنية، وخاصة الإخوان المسلمين، من المعادلة السياسية القادمة، ومن ثم ضاعت جهود وتضحيات سبع سنوات كاملة وعاد إخوان سوريا إلى المربع الأول.. ماذا لو توافقت قيادة الجماعة في سوريا على إجراء مراجعات نقدية عميقة للأفكار والخطط والقرارات، وصولا إلى إعادة توجيه بوصلة ومهمة وأدوار ومجالات ومسارات عمل الجماعة خلال المرحلة المقبلة، بما يضمن تحقيق مصالح الشعب السوري خلال تلك المحطة التاريخية؟

ما من شك أن الجميع أصبحوا يؤمنون ويبحثون عن نظام حكم مدنى ديمقراطي؛ يضمن الحد المناسب من الحرية والكرامة والمواطنة الكاملة، وتكافؤ الفرص لكافة أبناء الوطن الواحد. ليكن ذلك العامل المشترك للحالة الإسلامية في كافة الدول العربية.

أعتقد أن هذه المراجعات هي واجب المرحلة، واستحقاق ديني ووطني وإنساني، لعل قيادات الجماعة في الدول الثلاث تستجيب لهذا النداء، وتمنح نفسها وشعوبها فرصة تطوير ممكنات فعلها؛ لاستكمال مسيرة تحرر الشعوب من الاستبداد الداخلي والتبعية والاستعمار الخارجي. أعتقد أن ذلك ممكن لو توافرت المصداقية والشجاعة الكافية.
التعليقات (2)
حاسم
الخميس، 16-05-2019 07:46 م
"نعم انها مرحلة ما بعد الربيع العربي وما بعد الحركة الاسلامية ،،،" إنها صفقة القرن ....صدعتَ رؤوسنا بــِ "منصة القيادة " دون أن نرى لك طحينا بعد هدير جعجعتك الطويل ...طِبْ نفسًا ليس بعد تحقيق أمانيك إلّا صفقة القرن واحتلال اسرائيل لمصر وباقي الخليج ساعتها نتعرّف على " إشكالية بناء العقل ومحاضن نموه وآفاق تطلعه ،ّ
مصري جدا
الأربعاء، 15-05-2019 09:22 م
الدكتور المحترم ،،،، هناك إشكالية كبرى ،،، وهي طبيعة العقل العربي عموما والاسلامي والإخواني جزء منه،،، إشكالية بناء العقل ومحاضن نموه وآفاق تطلعه ،،، البيئة العربية بيئة قاتلة لمهارات التفكير عموما ومانعة لأنماط الحوار خلصة عندما يسيطر الدين ورجاله بطرقهم المعهودة تاريخيا ،،، إشكالية الغرق في التنظيم وجعله أحيانا هو الغاية الكبرى بحجة أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ،، فلا تنتظر مراجعات لان بقايا القيادات لا تملك عقول تحوى هذا الفكر ولا هذه المهارات ،،، بل يعتبرون مثل هذه المطالب المشروعة دينا والمطلوبة واقعا والمفروضة علما هي نوع من التساقط والتعثر والزلل والنكوص وعدم الوفاء ،،، اتصور اننا في مرحلة ما بعد الحركة الاسلامية وما بعد الاخوان ،،، وهي مرحلة تالية لمرحلة الصحوة الإسلامية التي امتدت من أوائل سبعينيات القرن الماضي وانتهت بفشل ثورات الربيع العربي وتعثرها ،،، مرحلة ما بعد الحركة الاسلامية ليس معناها إزاحة الاسلام من المشهد العام ،،، لكن حضوره بصورة مناسبة لطبيعة المرحلة الحالية ،،، حضوره بعيدا عن الصراعات مع الاخر المحلي والوطني بعيدا عن التنظيمات المغلقة العابرة بوهم للحدود ،،، لا أملك تصورا محددا لكن من الممكن ان أساهم مع غيري في تشكيل تصور ما ،،، الخلاصة ،، لا امل في بقايا قيادات الاخوان والحركة الإسلامية والحركة المدنية شركاء الاخفاق والفشل في العقود الماضية ،،، نحن بحاجة ل منصات قيادة جديدة قادرة على صناعة ادوات اعادة التوازن لمعادلات الصراع في كل الميادين والساحات ،، نعم انها مرحلة ما بعد الربيع العربي وما بعد الحركة الاسلامية ،،،