قضايا وآراء

لغز البغدادي.. التفكير من خارج الصندوق

1300x600
1300x600

تسابقت وسائل الإعلام على نشر التسجيل المصور لزعيم تنظيم الدولة "داعش" بعد غياب دام خمس سنوات؛ وتنوعت التقارير والتحليلات التي تناولت الدوافع التي تقف خلف ظهوره مجددا وأغلبها ربط بين الهزائم التي تلقاها التنظيم والرغبة في الحفاظ على تماسكه من قبل زعيمه البغدادي.

 

علامات استفهام


البغدادي توعد في تسجيله المصور أعداءه بحرب استنزاف طويلة، وظهر بحلة جديدة تذكر بزعيم القاعدة أسامة بن لادن؛ تنوعت المعالجات الإخبارية التي حاولت أن تجيب عن مكان اختبائه والسبب في نجاحه حتى اللحظة بتجنب الاعتقال أو الاستهداف المباشر، ولعل أبرزه القول إن الولايات المتحدة حددت 17 موقعا محتملا حيدت منها 13 وأبقت على أربعة، ما يعني أن اكتشافه لم يكن إلا مسألة وقت بحسب هذا الادعاء؛ علما بأن مناطق النفوذ في سوريا تحوي خطوط تماس مشتركة يصعب التفتيش فيها بدون إذن أو مواجهة مع المنافسين الإقليميين والدوليين والله أعلم.

 

"داعش" لن تختفي من الساحة الدولية كمتغير سياسي وأمني مادام هناك مستفيدون ومتضررون من وجود التنظيم.


الأسئلة والأجوبة التي تعالج ظاهرة البغدادي وتنظيمه كلها جاءت من الصندوق ذاته؛ فهناك قطاع كامل يأخذ منحى اقتصاديا بات مستفيدا من الظاهرة يطلق عليه البعض "بزنس الجهاد"، الذي تحول إلى واحد من أهم القطاعات الأمنية الإعلامية والبحثية في العالم؛ وهناك مدرسة منافسة في العالم العربي تركز على المؤامرة ولا تختلف كثيرا في معالجاتها؛ وتضمن قراءات تذهب إلى تشتيت الانتباه عن الإرهاب الأبيض كمنافس ويحتاج إلى إلقاء الضوء عليه يضرب بين الحين والآخر في العالم الغربي لا ينافسه على المساحات الإعلامية والأمنية إلا الإرهاب القادم من الشرق.

 

تداعيات ظهور البغدادي


رغم أهمية ما يطرح في المعالجات المرتبطة بظهور زعيم تنظيم الدولة ورغم نظريات المؤامرة المثيرة التي يصعب تناولها في مقال؛ إلا أن هناك أسئلة مهمة تتعلق بالتداعيات المترتبة عن عودته لصدارة المشهد، فهي العوامل الأهم والأكثر مصداقية وقابلية للقياس بعيدا عن الانحيازات الفكرية والثقافية أو المالية الاقتصادية؛ فبعد أن أعلن العراق على لسان رئيس وزرائه السابق محمد العبادي الانتصار على التنظيم وبعد أن أعلن ترمب أكثر من مرة انتصار الولايات المتحدة خصوصا بعد هزيمة التنظيم في الباغوز عاد البغدادي ليظهر كلغز سياسي أكثر منه لغزا أمنيا .

لاشك أن ظهوره يربك الحملة الانتخابية للرئيس الأمريكي ترمب ويقدم قوة دفع كبيرة لدعاة الاحتفاظ بالقوات الأمريكية في كل من سوريا والعراق؛ إذ ظهر زعيم التنظيم بعد أيام من نشر شبكة قناة الحرة الأمريكية مقابلة مع الجنرال "كينث ماكينزي" قائد القيادة المركزية الأمريكية تحدث فيها عن مفاوضات جارية مع الحكومة العراقية تتعلق بالوجود الطويل للقوات الأمريكية في العراق الذي يقابله معارضة قوية؛ وجود أثار جدلا كبيرا في العراق وصل إلى حد الدعوة لمواجهة القوات الأمريكية بالقوة المسلحة.

الحال ذاته في سوريا، فالمليشيا الانفصالية الكردية شمال سوريا والمفاوضات حول منبج على أشدها مع جيمس جيفري المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا والذي استلم منصبه بعد استقالة سلفه احتجاجا على إعلان ترمب نهاية العام الماضي نيته الانسحاب من سوريا؛ وظهور البغدادي يعزز الرواية الأمريكية بالحاجة إلى تنسيق وتعاون مع المحافظة على وجود عسكري يبرر في جنوب سوريا بإيران وفي شمالها بالإرهاب و"داعش".

 

مصير القوات الأمريكية في المنطقة


تواجد القوات الأمريكية وضع أمام اختبار صعب بعد تصريحات ترمب نهاية العام الماضي التي أعلن فيها نيته سحب قوات بلاده ليتراجع عن هذا القرار تدريجيا؛ فقائد المنطقة الوسطى الأمريكية ماكنيزي تحدث عن مبررات تواجد القوات الأمريكية في سوريا والعراق وأفغانستان والتي يقف على رأسها مواجهة الإرهاب وإيران والمفاوضات أيضا.

في كل الأحوال ظهور البغدادي يعزز الأصوات الداعية للاحتفاظ بقوة أمريكية كبيرة في العراق وسوريا؛ وللمفارقة فإنه يدعم الوجود الروسي الذي جاء بدعوى محاربة الإرهاب، أيضا ويخدم طهران في ذات الوقت، خصوصا بعد إدراج الحرس الثوري على قائمة الإرهاب؛ التي وإن كانت معنية بمغادرة القوات الأمريكية من العراق إلا أن وجود عدو قديم من الممكن أن يذكر بدورها ويربك اللاعب الأمريكي ويبعدها لبرهة عن دائرة الاهتمام.

ظهور زعيم تنظيم الدولة خلط الأوراق ووفر مبررات للكثيرين لمتابعة سياساتهم في المنطقة وأحرج آخرين ممن أعلنوا نهاية الحرب والانتصار فيها؛ كترمب  وأحرج  القوى العراقية التي دعت إلى رحيل القوات الأمريكية مقابل دعوات مضادة لبقائها في العراق؛ وأخيرا أحرج تركيا التي تسعى لوضع إرهاب حزب العمال والانفصاليين الأكراد على رأس القائمة بعد انتهاء معركة الباغوز.

 

لغز محرج إلى حد كبير للولايات المتحدة الأمريكية والتحالف الدولي ضد الإرهاب وروسيا وإيران وتركيا والنظام السوري والأكراد


في ظل هذه القراءة تظهر طائفة من المستفيدين والمتضررين في آن واحد من هذا الظهور المفاجئ لرجل يعتبر ملاحقا ومهددا بالتصفية الجسدية؛ فلغز البغدادي لم يحل بعد؛ فهو مليء بالمفارقات والتناقضات؛ فالرجل ملاحق منذ أكثر من خمس سنوات أو يزيد؛ في حين صفي العديد من قيادات التنظيم الكبرى، قيادات تعد أكثر أهمية من البغدادي؛ إلا أنه إلى الآن لم يستهدف بشكل مباشر؛ إذ بات رمزا مهما في معركة الإرهاب المعلنة؛ وجائزة تصلح أن تكون هدية لحملة انتخابية أو مقدمة لاتفاق سياسي هنا وهناك.
 
لغز محرج إلى حد كبير للولايات المتحدة الأمريكية والتحالف الدولي ضد الإرهاب وروسيا وإيران وتركيا والنظام السوري والأكراد؛ ومنقذ في ذات الوقت لها من أزمتها التي تفاقمت بعد الإعلان عن الانتصار على التنظيم في العراق والباغوز في سوريا؛ وإن كان بطريقة غير مباشرة؛ فالرجل لم يتوافر بديل له يعتاش منه قطاع بزنس الجهاد وأصحاب الأطماع الإقليمية والدولية في المنطقة العربية حتى اللحظة فهم  المتضررون من اختفاء هذه الظاهرة وتراجعها.
 
التفكير خارج الصندوق يدفع إلى طرح تساؤل مهم: إذا كان هناك مستفيدون ومتضررون ومحرجون من ظهوره؛ فهل يعني أن بقاء البغدادي بات مرتبطا إلى حد كبير بإرادة القوى الإقليمية والدولية المتصارعة والتي ترى فيه فزاعة مهمة ومبررا لمواصلة سياساتها في المنطقة؟ إنه سؤال مهم ومعقد يؤكد على أن "داعش" لن تختفي من الساحة الدولية كمتغير سياسي وأمني مادام هناك مستفيدون ومتضررون من وجود التنظيم.

التعليقات (1)
محمد
الخميس، 02-05-2019 03:04 م
اكذوبة وأدوات للغرب ....

خبر عاجل