حول العالم

التلوث الضوئي.. الجانب المظلم للإنارة

التلوث الضوئي ينتج عن مصادر الضوء الاصطناعيّة، لا سيما مصابيح الشوارع واللوحات الإعلانية والمصابيح الأمامية للسيارات
التلوث الضوئي ينتج عن مصادر الضوء الاصطناعيّة، لا سيما مصابيح الشوارع واللوحات الإعلانية والمصابيح الأمامية للسيارات
نشر موقع "ذا كونفرسايشن" الأسترالي تقريرا تحدث فيه عن مدينة لوس أنجلوس التي تمكن سكانها بسبب انقطاع كبير في الطاقة جراء زلزال وقع منذ خمسة وعشرين عاما من مشاهدة مجرة درب التبانة لأول مرة. وقد أثار هذا الأمر مسألة التلوث الضوئي الناجم عن الإضاءة المفرطة التي يستعملها البشر خلال الليل.

وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن التلوث الضوئي ينتج عن مصادر الضوء الاصطناعيّة، لا سيما مصابيح الشوارع واللوحات الإعلانية والمصابيح الأمامية للسيارات. وهناك نوعان رئيسيان من تلوث الضوء؛ المصدر النقطي، وهو الضوء المنبعث مباشرة من المصدر، والوهج السماوي الذي يتمثّل في انعكاس الضوء على السماء.

وبين الموقع أن التلوّث الضوئي يغطي السماء فوق ربع مساحة الأرض العالمية اليوم، حيث يعيش 80 بالمئة من سكان العالم، ومن ثمّ لم يعد بإمكان ثلث مجموع البشر رؤية مجرة درب التبانة. ولطالما كان هذا الكون شديد الظلمة في السابق، ومن ثم أصبح البشر يعتمدون الضوء الاصطناعي في الليل. وبغض النظر عن التوهج الطفيف للضوء السماوي، فإنه من المهم أن نتذكر أن نصف الكرة الأرضيّة كان دائما، وفي أي لحظة من الزمن، في ظلام دامس. وهذا يعني أن الكائنات الحية والبشر قد تكيفوا سابقا مع دورات الليل والنهار على مدار فترات التطور الزمنيّة.

وأشار الموقع إلى أن العديد من الكائنات الحيّة استخدمت الدورات الشمسية والدورات القمرية لتوقيت سلوكها ونشاطها وأنماط نومها وكذلك أوقات التزاوج والتغذية. لكن اليوم، توسّع نطاق التلوث الضوئي وازدادت كثافته، وهناك أدلة كثيرة تفيد بأن زيادة الإضاءة قد تخلّف مجموعة من الآثار السلبية.

وأكد الموقع أن الإضاءة تؤثر سلبا على البيئة؛ لأنها تؤدي إلى تعطيل دورات الضوء الطبيعي التي اعتادت عليها الكائنات الحيّة. وتؤثر هذه التغيرات على عمليّة تقسيم الوقت بين نشاط الحيوانات وبحثها عن الغذاء، وكذلك تؤثر على الصحة الفردية.

وأورد الموقع أن هناك أدلة متزايدة على أن الإضاءة لها آثار سلبية على صحة الإنسان؛ فالميلاتونين، على سبيل المثال، هو الهرمون الذي ينظم أنماط النوم عند الإنسان ويقع إفرازه تحت تأثير الضوء، ولكن التغييرات في الأنظمة الضوئية الناجمة عن التلوث الضوئي، تتسبب في عرقل عملية الإفراز الطبيعية لهذا الهرمون الحيوي، ويرتبط هذا التغيير بالإصابة بالسمنة وانخفاض جودة النوم وضعف الذاكرة.

ونظرا لأن الميلاتونين مضاد للأكسدة ويمكنه إزالة الذرات الحرة، فإن تعطيل عمليّة إفرازه بسبب الضوء الاصطناعي قد يزيد من خطر الإصابة بالسرطان، وتشهد دورات الإضاءة الطبيعية اضطرابا حادا بشكل خاص، بسبب استعمال المصابيح ذات الصمام الثنائي الباعث للضوء، المعتمدة عالميا وبشكل متزايد بفضل كفاءتها في استخدام الطاقة، ولكن عادة ما يتم تجاهل تأثيراتها السلبية على الصحة.

وأورد الموقع أن أحد التقارير الحديثة التي نشرتها مجلّة "ساينس"، حددت خمس استراتيجيات رئيسية لتقليل الإضاءة حول العالم، التي لن تحدّ بالضرورة من فوائدها. ومن بين هذه الاستراتيجيات تجنب استعمال الضوء في المناطق التي لطالما كانت مظلمة سابقا، والحرص على أن تكون شدّة الإضاءة في أدنى درجة يمكن استخدامها.

إلى جانب ذلك، يجب أن تسلّط الإضاءة مباشرة على المنطقة التي نحتاج لإنارتها فقط ونتجنّبها حيثما أمكن ذلك، مع استخدام الإضاءة عند الحاجة فقط. وينبغي أن تكون الإضاءة "أكثر دفئا"، من خلال اعتماد المزيد من الألوان البرتقالية بدلا من استخدام طيف الضوء الأبيض.

وأوضح الموقع أنه بالنظر إلى حجم وخطورة العواقب، فإن بعض أبحاث التلوث الضوئي النادرة في أفريقيا، تكشف أن هذه القارة هي إحدى أقل القارات تلوثا بالضوء. لكن هذا الوضع يشهد تغيّرا سريعا مع توسع البنية التحتية للإضاءة، التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالتنمية الاقتصادية. وينطبق هذا الأمر بشكل خاص على المناطق الريفية التي انتشرت فيها شبكات الكهرباء ومصابيح "ليد".

وفي الختام، ذكر الموقع أن التلوث الضوئي هو محرك التغيير العالمي الخطير، وقد أصبح جميع الناس على دراية بما يعنيه هذا الأمر. وعلى الرغم من أن العديد من الأفارقة ما زالوا قادرين على مشاهدة درب التبانة، إلا أن التوسع في البنية التحتية للإضاءة بات وشيكا. وكما هو الحال مع الدوافع الأخرى للتغيير العالمي، فإن هذه القارة تمر بمرحلة مهمّة من أجل ضمان عدم تأثير تطوّرها الاقتصادي على صحة الإنسان والبيئة، لكن أنجع طريقة لمنع التلوث الضوئي لا تزال مجهولة.
0
التعليقات (0)