كتاب عربي 21

مقاربة شمولية لمواجهة الهجوم على طرابلس

السنوسي بسيكري
1300x600
1300x600

برغم التطور في أداء حكومة الوفاق في مجابهة العدوان على العاصمة طرابلس خلال الأيام الأربع الماضية، إلا أن ردة الفعل ماتزال دون المطلوب لاحتواء الهجوم وقلب الطاولة على المعتدي، ويظهر بجلاء غياب مقاربة شمولية لمواجهة الهجوم.

 

حكومة الوفاق لم تضع في حسبانها هذا الهجوم برغم أن القرائن على وقوعه حاضرة،


البعض يجد لحكومة الوفاق العذر في القصور الظاهر في إدارة الصراع الراهن، ويستند على أنها تواجه تحديا جدّيا وتهديدا كبيرا وإمكانياتها المتاحة أقل من أن تمكنها من المناورة والمواجهة بحزم، وهذا ما لا أوافق عليه، حيث أن من أبرز جوانب قصور حكومة الوفاق عدم تقديرها لمجريات الأحداث بشكل دقيق.

حكومة الوفاق لم تضع في حسبانها هذا الهجوم برغم أن القرائن على وقوعه حاضرة، وأبرز هذه القرائن المسار العسكري التصاعدي الذي تبناه حفتر والذي ظهر أنه لن يتوقف إلا في العاصمة خاصة بعد دخوله للجنوب، أما تغييره لمواقفه وتراجعه عن تفاهماته فالسراج أدرى بهذا من غيره.

حسن النوايا والبساطة في التعاطي مع تحديات تفرض نفسها حالت دون أن تعد حكومة الوفاق العدة ليس فقط لصد مثل هذا الهجوم، بل لفرض واقع سياسي واجتماعي وأمني يمنع أن تقع مواجهات مع حفتر على تخوم طرابلس.

قوات كبيرة وإدارة مرتبكة

جوانب القصور في إدارة الصراع اليوم تظهر في حصر الجهود في العمل العسكري، والذي برغم نجاحه في صد الهجوم لا يزال يفتقر للفاعلية الكاملة مقارنة بالإمكانيات والاستعدادات الكبيرة التي تقع تحت يدي الوفاق في مواجهة الاعتداء على العاصمة.

هناك عوائق تنظيمية وعقبات تتعلق بمحدودية القدرة على إدارة الكم الكبير من الأفراد والسلاح الذي تجمع في العاصمة ومحيطها القريب والمتدفق من مدن عدة بعد إعلان النفير من قبل رئيس المجلس الرئاسي، ومع أن الخسائر تقع كل يوم في صفوف المهاجمين لا تزال ردة الفعل على الهجوم أقل بكثير من القدرات العسكرية المتوفرة، وأهم سبب يعود إلى الارتباك في إدارة هذه القدرات، وهذا يحتاج إلى اهتمام كبير، ومطلوب توظيف خبرات متخصصة في التنظيم والإدارة العسكرية.

لا غنى عن الحراك الاجتماعي المناهض للهجوم

الاستراتيجية الشاملة لردع الهجوم ينبغي أن تتعدد مساراتها وواجهاتها ولا تنحصر في العمل العسكري فقط، فهناك المسار الاجتماعي والمدني والذي ينبغي أن تحشد فيه حكومة الوفاق الأعيان والشيوخ ومجالس الحكماء ومؤسسات الصلح والمصالحة ومنظمات المجتمع المدني لتشكيل قوة ضاغطة على المدن والمناطق الداعمة للهجوم في المنطقة الغربية.

هذا المسار المهم يتطلب إدارة مركزية تجعل من المكونات الاجتماعية والمدنية المتعددة فاعلا مؤثرا ذا أثر ملحوظ في احتواء زخم الهجوم، ويتطلب هذا المسار تنوعا كبيرا في تركيبة الوفد، وخطابا مركزا، وخطة تواصل متعددة الدوائر.

فعل سياسي ودبلوماسي دون المستوى

هناك المسار السياسي والدبلوماسي بمحوريه الداخلي والخارجي، والشاهد أن هذا المسار تحرك ولكن لم يفعَّل بدرجة تجعل تأثيره سريعا وفعالا على مجريات الأحداث على الأرض.

محليا من المفترض أن تتمدد حكومة الوفاق في نفوذها وتأثيرها في خضم هذه الأحداث من خلال التعاون مع المكونات السياسية الرسمية والأهلية لتكون إحدى أدوات الضغط لوقف الحرب وإحراج المهاجمين والداعمين لهم، ليكون أحد أهم وسائل الضغط على البرلمان ويكون الهدف تحريك الأغلبية العظمى من أعضائه ليعلو صوتهم ضد الحرب بل ويتقدموا خطوة بمحاسبة حفتر على انفراده بقرار مصيري كان ينبغي مراجعة البرلمان فيه.

 

حكومة الوفاق ماتزال اللاعب الأضعف في التوجيه والتعبئة ضد الحرب وباتجاه وقف هجوم حفتر على العاصمة

الأحزاب السياسية والمنظمات المجتمعية التي تقترب من العمل السياسي يمكن أن تسهم في إدارة حملة التنديد بالهجوم والإصرار على وقف القتال فورا، تستخدم فيها كافة وسائل التواصل مع المكونات السياسية الداعمة للهجوم بغرض إقناعهم بخطورة استمرار المواجهات والآثار الخطيرة للهجوم، وأن تتشكل جبهة وطنية سياسية ضد الحرب وضد عرابها تدفع الرأي العام الليبي لاتخاذ موقف رافض بدل التأييد أو الوقوف على الحياد.

خارجيا تحتاج حكومة الوفاق أن تنبذ سياسة الانتظار حتى يتبلور موقف دولي مستنكر للحرب ومُدين لعرابها، أو الاتصال بغرض الإعلام والتوضيح، والمطلوب التقدم خطوات باتجاه الضغط على المجتمع الدولي والأطراف الدولية ليتحملوا مسؤوليتهم ليس فقط في العمل على التهدئة، بل الضغط لمحاسبة حفتر على فعله وتفهم موقف الشريحة الواسعة التي تأكد عدم ثقتها فيه وفي مشاركتهم في الوفاق والتسوية السياسية.

خطاب تصعيدي وتعبئة إعلامية

الخطاب السياسي لحكومة الوفاق عبر كل منابرها وواجهاتها السياسية ينبغي أن يشهد تحولا ويتبدل مضمونه وتتغير مفرداته كما يلي:


1 ـ العزف على وتر القطعية السياسية مع حفتر ومؤيديه كونهم معتدين تسببوا في حرب قد تكون نتائجها المادية كبيرة والسياسية خطيرة.


2 ـ التعبئة باتجاه إبراز نزوع حفتر للقتال والدم والفعل الهدام والاستخفاف بالحلول السلمية والتوافقات.


3 ـ الضغط لتحمل البرلمان والمنتظم الدولي مسؤولياته بشكل مباشر وفوري في وقف القتال وإدانة الحرب بقوة.


4 ـ الدعوة لضرورة محاسبة المعتدي، ورفض ما يمكن اعتباره مكافأة المتورطين في إشعال الحروب بإشراكهم في التسوية السياسية ما لم يعلنوا الاعتذار ويخضعوا لإجراءات المحاسبة القانونية.
 
على المستوى الإعلامي فإن الحكومة ماتزال اللاعب الأضعف في التوجيه والتعبئة ضد الحرب وباتجاه وقف الهجوم، والدور التعبوي تقوم به بعض المنابر الخاصة، ومطلوب من الوفاق الدخول على الخط باعتبار أن الوضع حرج، ومن أهم الخطوات المطلوبة على المسار الإعلامي ما يلي:

1 ـ إدارة الظهور الإعلامي للمجلس الرئاسي وحكومة الوفاق بشكل أكثر فعالية وتأثيرا من خلال ترتيبات متناغمة وخطاب يتكامل عبر خارطة الظهور.


2 ـ تفعيل دور الإعلام الرسمي أو شبه الرسمي ليكون أداة التعبئة وتوجيهه ضد الحرب وعرابها وأنصارها.


3 ـ تحذير كافة المنابر التي تتورط في التحريض على استمرار الحرب وتأييد الهجوم على العاصمة باستخدام كل الخيارات القانونية ضدها.


4 ـ إطلاق حملة إعلامية واسعة وقوية مضمونا وإخراجا لمناهضة الحرب والكشف عن مخاطر الهجوم وإدانة المعتدين.

التعليقات (0)