مقالات مختارة

هل تريدون المزيد..؟

حسين الرواشدة
1300x600
1300x600

في كل مرة نتلقى فيها «صفعة" إساءة أو «صفقة" تقهرنا وتمر على حسابنا، نهرب إلى الردود ذاتها : نحتشد في الشوارع والملتقيات لرفضها، ونخرج من أدراجنا «نسخا" من بيانات الشجب والإدانة لإشهارها في وسائل الإعلام رفعا للعتب أو تسجيلا للمواقف، ونعيد المقولات التي حفظناها حول حقوقنا العادلة، وماضي امتنا المجيد، وهمجية أعدائنا، ثم نتوسل للعالم أن يساعدنا على مواجهة «الغزاة" الطامعين ويخرجنا من قفص الاتهام.


نريد أن يحترمنا العالم..؟ الحل بسيط : لا بد أن نتكيف مع شروط هذا الاستحقاق البشري، ونتذكر أننا لا نعيش في «تكايا" يدفع فيها القادرون فائض أموالهم «وإنجازاتهم" ومكدساتهم للفقراء المستحقين وإنما نعيش في عالم يحتكم لمنطق القوة المادية فقط، فهل لنا نصيب من هذه القوة الحضارية أم أننا ما نزال عالة على غيرنا، يعطوننا منها متى شاءوا ويحرموننا ما يريدون، بعد أن افتقدنا القوة الأخلاقية والحضارية وانتزعها غيرنا منا ثم صممها لكي تناسبه فقط؟


نقول أن الآخر يسيء إلينا، ويكل حقوقنا، ويستهين بنا، هذا صحيح ومن حقنا أن نرفضه، لكن ألم نسأل : كيف تبدو صورتنا في عيون العالم وقبل ذلك في عيون" الحكمة" والإرادة والعزيمة التي هربت منا منذ قرون ؟ المسألة لا تتعلق بتبرير إساءات الآخرين لنا واعتداءاتهم علينا، وإنما بواجبنا في مواجهة أخطائنا ومعرفة ذاتنا وحل «لغز" استفزاز العالم لنا واستقوائه علينا.


أن من اغرى العالم بنا هو «تخلفنا"، هذه هي الحقيقة التي نهرب منها ويجب الآن أن نصارح انفسنا بها، لا يهم بالطبع أن نتهم الآخر الذي استعمرنا -وما يزال- بانه يتحمل قسطا كبيرا من هذه المسؤولية، أو أن التركة التي أورثها لنا هي السبب، أو أن الدين الذي أسأنا فهمه وتطبيقه والسياسة التي استبدت بنا وإسرائيل التي زرعت بيننا كانت وراء انحطاطنا، هذه مجرد عوامل ربما تضافرت مع غيرها لولادة ما نحن فيه من ضعف وخراب، لكن أليس من المخجل أن نصر منذ مئات السنين على أن المشكلة ليست فينا وإنما في غيرنا، ثم أن نمد" لغيرنا « هذا أيدينا لشراء كل ما يلزمنا، ونعتمد على ما أنتجته عقوله، وبعدها نتهمه بأنه يسيء إلينا ولا نجد ما نرد به عليه سوى مزيد من الكلام والشتائم.

 

لم نفهم حتى الآن قانون هذا العالم لكي نرد عليه، غيرنا كان «اشطر" منا، فلا احد في الغرب يجرؤ على الإساءة للصينيين أو اليابانيين، أو الاعتداء على حقوقهم . الأمريكيون يعرفون البوذية اكثر من الإسلام ويقبلون عليها، المسيحيون لا تهزهم صور المسيح والأفلام المسيئة التي تصدر عنه، اليهود استطاعوا أن يفرضوا على العالم عدم المساس بالسامية و"الهولو كوست" وحدنا -نحن العرب والمسلمين- ما نزال نطارد كالأشباح، ونتعرض للابتزاز، ونذبح بعضنا دفاعا عن ديننا وحرمة كرامتنا من الإساءة..!


أي إساءة لنا اكبر من أن يكون بيننا نحو (100) مليون أمي عربي، و 20 مليونا من الشباب العاطلين عن العمل، وعالم عربي فقير ثقافيا ومعرفيا ينتج من الكتب اقل بكثير مما تنتجه إسبانيا، ولا تزيد تجارته البينية عن 2 % فيما يعتمد على الغرب بمعظم احتياجاته، أي إساءة للذات المجروحة والمقهورة من استفزازات الآخر اكبر من أن تنتسب لدين تدافع عنه ويموت بعض أبنائها من أجله وهي ابعد ما تكون عنه فهما وامتثالا وتطبيقا، أو أن تنتسب لامة عظيمة يذبح أبناؤها بعضهم -بالنيابة عن الآخر-على تخوم الطائفة والمذهب، وتسقط بعض عواصمها وجيوشها على يد تنظيمات وليدة، وتبني من السجون اكثر مما تبني من المدارس والجامعات ..
هل تريدون المزيد..؟

عن صحيفة الدستور الأردنية

0
التعليقات (0)

خبر عاجل