اقتصاد عربي

هل فقدت مشاريع أردوغان قيمتها لدى الناخب التركي؟

الانجازات الاقتصادية التي حققها حزب العدالة والتنمية ربما يراها الكثير من شباب الناخبين الأتراك أمرا اعتياديا- الأناضول
الانجازات الاقتصادية التي حققها حزب العدالة والتنمية ربما يراها الكثير من شباب الناخبين الأتراك أمرا اعتياديا- الأناضول

على مدار 17 عاما لعبت المؤشرات الاقتصادية الكلية في تركيا، والأداء الاقتصادي لحزب العدالة والتنمية الحاكم، دورا بارزا ومحوريا في قرار الناخب التركي الذي منح ثقته للحزب في كافة الاستحقاقات الانتخابية خلال تلك الفترة. 

 

وعلى الرغم من فوز حزب العدالة والتنمية الحاكم بالنسبة الأكبر في الانتخابات المحلية التركية، التي جرت الأحد الماضي، وفقا للنتائج الأولية للانتخابات، إلا أن خسارته المحتملة لبلدية إسطنبول (العاصمة الاقتصادية)، لرئاسة أكبر ثلاث بلديات في تركيا (أنقرة وإسطنبول وأزمير)، طرح العديد من التساؤلات حول مدى ارتباط نتائج التصويت بالأداء الاقتصادي لحزب العدالة والتنمية ومشاريعه الاقتصادية الكبرى التي أعلن عنها الرئيس رجب طيب أردوغان في خطة 2023. 

وقال أستاذ الاقتصاد التركي مهفي إييلماز، إن معدل النمو الاقتصادي كان عاملا مهما وحاسما في حصول الحزب الحاكم على نسبة تصويتية عالية خلال الاستحقاقات الانتخابية الماضية، مؤكدا أن المعدلين يسيران في نفس الاتجاه.

وخلص أستاذ الاقتصاد التركي، عثمان أيدوش، في دراسة له، إلى أن عامل الارتباط بين معدل النمو ونسبة التصويت للحزب الحاكم بلغ 0.82 فيما يتعلق بالانتخابات البرلمانية، وحوالي 0.52 فيما يتعلق بالانتخابات المحلية، مؤكدا أن العلاقة طردية بين نسبة التصويت في الانتخابات للحزب الحاكم ومعدل النمو أو الأداء الاقتصادي لكن التأثير يكون الانتخابات البرلمانية أكبر من تأثيره على الانتخابات المحلية.

 

مشاريع أردوغان


ويخطط الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى جعل الاقتصاد التركي ضمن قائمة أقوى 10 اقتصادات في العالم، وثالث أكبر اقتصاد في أوروبا، بحلول عام 2023، الذي يوافق الذكرى المئوية الأولى لإعلان الجمهورية التركية.


وأكد في أول تصريح له عقب انتخابه مجددا رئيسا للبلاد، أن جميع الطاقات ستستنفر للصعود بتركيا إلى مصاف الدول العشرة الأكبر في العالم، مضيفا: "لن نرتاح حتى نحقق هذا الهدف".

 

اقرأ أيضا: تعرف على المشاريع التي يخطط أردوغان لإنجازها قبل 2023

وقال أردوغان في تصريحات له العام الماضي، إن الاقتصاد التركي "الذي ترغب بعض القوى توجيه ضربة له من خلال التلاعب بسعر الصرف والفائدة والتضخم سيصبح أكثر قوة ومتانة"، مشيرا إلى أن تركيا أضحت نموذجا على مستوى العالم من خلال أدائها الاقتصادي الذي حققته خلال 16 عاما الماضية، وهي أسطورة على المستوى العالمي.


وأضاف: "قبل 16 عاما كان دخل المواطن التركي يعادل ثلث دخل المواطن الأوروبي، واليوم ارتفع إلى ثلثي دخل المواطن الأوروبي، وهدفنا تحقيق التعادل في هذه النسبة بحلول 2023 بل حتى التقدم عليها".


وفي سياق خطة 2023، أعلن أردوغان عن تدشين مجموعة من المشاريع الكبرى،  التي تساهم في تحقيق حلم تركيا 2023، أبرزها مطار إسطنبول الثالث، وقناة إسطنبول، والجزر الصناعية، ومحطة أق قويو النووية ومشروع المدن الذكية.


وقبل أسابيع من الانتخابات المحلية التركية، التي جرت الأحد الماضي، افتتح أردوغان عددا من المشاريع الاقتصادية والخدمية (مستشفيات كبرى، خطوط مترو وترام، متنزهات شعبية، مدن ترفيهية) في عدة مدن تركية.

 

اقرأ أيضا : مؤشرات سلبية تهدد خطط تركيا في 2023.. هل يمكن تفاديها؟


وإذا كانت العلاقة وثيقة بين الأداء الاقتصادي ونسبة الأصوات الانتخابية التي يحصل عليها الحزب الحاكم، وفقا لخبراء الاقتصاد، فإن تساؤلات عديدة تطرح نفسها في الحالة التركية، أبرزها هل فقدت مشاريع أردوغان الكبرى دروها في التأثير على قرار الناخب التركي؟ وهل تلاشى بريق الإنجازات الاقتصادية التي حققها حزب العدالة والتنمية على مدار الـ17 عاما الماضية؟ أم أن الناخب التركي لم يقتنع بالضغوط الاقتصادية الخارجية ضد تركيا، والتي أدت إلى تراجع الليرة التركية وزيادة معدلات التضخم، واعتبرها فشلا اقتصاديا للحزب في مواجهة تلك التحديات؟  

 

"حساسية التصويت"


الباحث الاقتصادي المهتم بالشأن التركي، محمد أبو عليان، قال في حديثه لـ "عربي21"، إن هناك حساسية عالية جدا بين معدلات التضخم والبطالة في تركيا ونسب التصويت في الانتخابات.

ومن خلال إحصاءات ودراسات متخصصة، خلص الباحث إلى أن: "زيادة معدل التضخم بمقدار 1 بالمئة يؤدي إلى تراجع نسبة الأصوات التي يحصل عليها حزب العدالة والتنمية (AKP) بحوالي 1.17 بالمئة، وأي زيادة في معدل البطالة (باستثناء الزراعة) بمقدار 1 بالمئة يؤدي إلى تراجع نسبة التصويت لصالح (AKP) بحوالي 0.58%".

وأوضح أن "نمو متوسط دخل الفرد بالدولار بمقدار 1 بالمئة يؤدي إلى زيادة التصويت لصالح (AKP) بحوالي 0.07 بالمئة، كما تؤدي الزيادة في مستوى الناتج المحلي (لكل مليار ليرة تركية) إلى زيادة قدرها 0.04 بالمئة، في معدل التصويت لصالح (AKP)، وهي نسبة منخفضة مقارنة بمعدلات التضخم والبطالة".
 
وفيما يخص تأثير الأداء الاقتصادي على نسبة التصويت لصالح حزب المعارضة الرئيس (CHP)، أكد الباحث أنه توجد علاقة سلبية وذات معنوية بين معدل التغير في نصيب الفرد من الدخل بالدولار والتصويت لصالح الحزب المعارض، حيث أن الزيادة بمقدار 1% تؤدي إلى تراجع التصويت لصالح (CHP) بحوالي 0.25%. 

 

ووفقا للإحصاءات السابقة، اعتبر عليان، أن نتائج التصويت في الانتخابات المحلية التركية الأخيرة، لم تكن مفاجئة في ظل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد حالياً، كونها تعد عقابا من قبل الناخبين للحزب الحاكم نتيجة لتراجع الأداء الاقتصادي خلال الفترة القليلة الماضية وبشكل خاص خلال (الربع الثالث والرابع من العام 2018). 

 

اقرأ أيضا: تركيا تقترب من دخول نادي "العشرة الكبار".. ماذا يعني ذلك؟

 

"ألاعيب اقتصادية"

ومن ناحيته، قال الكاتب زهير عطوف في مقال لـ "عربي21"، إن الاقتصاد التركي سجل ارتفاعا ملحوظا خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة، في ظل حكومة العدالة والتنمية، إلا أن الأزمات السياسية التي عاشتها تركيا خلال عام 2018، وتقلبات العلاقات الدولية، أثرت سلبا على الاقتصاد التركي، ما أدى إلى تراجع قيمة الليرة التركية وارتفاع التضخم.

وأوضح أن سعر صرف الليرة التركية تراجع لأكثر من 40 بالمئة في عام 2018، ما أثر على نسبة التضخم في تركيا، مضيفا: "حسب البيانات الرسمية التركية، فإن معدل التضخم في البلاد ارتفع سنة 2018 إلى 25 في المئة. لكن الحكومة التركية تعتبر التقلب في أسعار العملة "ألاعيب"، وليس لها عمق أو سبب اقتصادي".


وأكد أن "اقتصاد تركيا يتميز بالصلابة والاستعداد لاجتياز العديد من العقبات، الصعبة في ظل البرنامج الحكومي الذي فرض حزمة من الإجراءات الاقتصادية؛ التي من المحتمل أن تساهم في تحويل دفة المؤشرات الاقتصادية إلى أداء إيجابي".

 

"جيوب الناخبين"

 

ومن جانبه، أكد الخبير الاقتصادي هيثم المنياوي، أن مشاريع أردوغان لم تفقد أهميتها، لكن الضغوط الاقتصادية الهائلة التي تعرضت لها تركيا خلال العام الماضي، والتي ترتب عليها ارتفاع غير مسبوق في أسعار معظم السلع والمنتجات الرئيسية ساهمت بشكل كبير في التأثير على نسبة التصويت لصالح الحزب الحاكم.

 

وقال المنياوي، في تصريحات لـ "عربي21"، إن جيب المواطن هي أقرب شيء للتأثير على انطباعاته وقراراته السياسية وخاصة الانتخابية، مضيفا: "عادة الناخب ما يعبر عن رأيه في الأداء الاقتصادي للحزب الحاكم بصناديق الاقتراع، وخاصة ما يتعلق بالأسعار وفرص العمل".

 

وأشار إلى أن الانجازات الاقتصادية التي حققها حزب العدالة والتنمية على مدار الـ17 عاما الماضية، ربما يراها الكثير من شباب الناخبين الأتراك أمرا اعتياديا، لأنهم لم يعيشوا فترة ما قبل العدالة والتنمية، بل ويتطلعوا إلى المزيد من الإنجازات أو ربما التغيير "من باب التغير" وليس من منظور اقتصادي.

 

اقرأ أيضا:  أردوغان: من حاولوا دفن تركيا في شتاء حالك يتجرعون المرارة

 

وفي أيلول/ سبتمبر الماضي، أعلن وزير الخزانة والمالية التركي براءت ألبيرق، خلال مؤتمر اقتصادي عن الخطة الاقتصادية الجديدة المتوسطة المدى، والتي ترتكز على ثلاث قواعد رئيسية يقوم عليها البرنامج الاقتصادي الجديد للبلاد.


وحدد وزير الاقتصاد التركي أهداف النمو في البرنامج الاقتصادي الجديد للعام الحالي بـ2.3 في المئة، و3.5 في المئة لعام 2020، و5 في المئة في العام التالي. 


وأشار إلى أن تركيا حددت أهدافها بشأن التضخم في البرنامج الجديد عند 15.9 في المئة للعام المقبل، و9.8 في المئة لعام 2020، و6 في المئة للعام التالي. وكشف عن إنشاء مكتب للإشراف على التدابير المتعلقة بخفض الإنفاق، بميزانية قدرها 76 مليار ليرة (12.2 مليار دولار) وزيادة الدخل.

 

التعليقات (1)
مصري
الثلاثاء، 02-04-2019 10:55 م
بالطبع هناك قصور في اداء الحزب الحاكم و ذلك لأسباب داخلية و كذلك قد يكون لأسباب خارجية منها الإختراق المالي الإماراتي و السعودي و قد يكون هناك انفصال بين قيادة الحزب العليا و المستويات الدني خاصة في القاعدة و لابد من إعادة النظر في الخطط و البرامج و التي بالفعل يحتاجها الناخب و نحن في انتظار نتائج اسطنبول و انقرة النهائية ، المهم لابد من دراسة النتائج دراسة وافية بما فيها نتائج الفوز دراسة منهجية واقعية لأنه من الواضح أن هناك أسباب ما أدت لإنصراف الناخب التركي عن تأييد حزب العدالة و التنمية خاصة في المدن الكبري و هو ما يستلزم معرفتها جيدا .

خبر عاجل