قضايا وآراء

الشيطان يعدكم الفقر

1300x600
1300x600
على طريقة مندوب التسويق الفاشل في قنوات بئر السلم، زايد رأس النظام على المصريين وهو يعلن زيادة الحد الأدنى للأجور، من 1200 جنيه، وهو الحد الأدنى الذي استطاعت الثورة تثبيته منذ ثماني سنوات، وبعد نضال طويل في المحاكم مع نظام المخلوع مبارك، إلى 2000 جنيه، في توقيت يثير الكثير من الشك.

السيسي الذي لطالما وعد الشعب بمزيد من الفواتير في مقابل الخدمات، لا يمكن أن يصدق في وعد لمزيد من الرفاهية. وإن كنا لا نعرف مدى إتقانه للعبة البلياردو أو حتى معرفته بها، إلا أن قرار رفع الحد الأدنى للأجور إلى 2000 جنيه يضرب اقتصاد الأسرة المصرية في الصميم، وهذا هو هدفه الذي لا يرى على المستوى الآني. فالقرار في شكله يصب في مصلحة الشعب حين النظر إليه من أول وهلة، لكن حقيقة الأمر، فإن كانت الفئة المستفيدة من هذا القرار هي فئة الموظفين العاملين في الدولة، فهم في النهاية ليسوا الشعب، وإن زاد عددهم عن ستة ملايين موظف. وحتى هؤلاء، فلن يستفيدوا على المدى البعيد، فرغبة السيسي المعلنة أنه سيصفي هذه الشريحة، إذ يود أن يحتوي دولاب العمل في الدولة على 1.5 مليون موظف على الأكثر، أي أن أكثر من 4.5 ملايين موظف ممن سيستفيدون من زيادة الأجر المعلن سيفقدونه خلال الأشهر القادمة. كما أن ما سينفقه السيسي على تلك الشريحة استردها قبل أن تطبق الزيادة، فقرار رفع الدعم عن البنزين الذي سيلحقه السولار، مع الزيادة المجنونة في سعر الكهرباء والغاز، سيأكل تلك الزيادة التي لم تتقاضاها شريحة الموظفين حتى الآن.

هذا حال الموظفين الذين سيتقاضون الزيادة، فما بال باقي المئة مليون غير العاملين في الدولة، والذين سيكتوون بزيادة أسعار السلع الأساسية في السوق، والتي لطالما صاحبت أي علاوة دورية أو زيادات في مرتبات الموظفين، مع غياب شبه تام لآليات ضبط الأسعار ومراقبة السوق. فالقرار بلا شك سيصب في غير مصلحة المواطن العادي، فلا القطاع الخاص ولا أصحاب المهن الحرة سيلتزمون به، وهو ما يخلق في النهاية فجوة جديدة في الطبقة المتوسطة المتدنية والطبقة الفقيرة، ويوسع شريحة الفقر بين أفراد هذا الشعب، لتستقبل شريحة الفقر المزيد من الأعضاء في نادي الحاجة والعوز، وليتأكد كذب هذا النظام الذي قال رأسه إنه أتى لينتشل هذا الشعب من العوز، وهو بقراراته أقرب إلى إهلاكهم.

ولما كان رأس النظام يعرف مسبقا آثار قراره، فقد زلَّ لسانه، وكثيرا ما يفعل، وقال: "الحاجة اتغلى ما فيش مشكلة والحل عندي... الحاجة اللي تغلى متشتروهاش"، وكأنه يقدم الحل السحري لهذا الشعب بأن جوعوا أكثر، ذلك لأنه من المتوقع أن كل شيء سيرتفع ثمنه، ومن ثم فإن قائمة الممنوعات ستزداد لتصل في يوم من الأيام مع هذا النظام الفاشل إلى شربة الماء.

لكن توقيت إعلان زيادة الحد الأدنى للأجور يدفع للشك والريبة، فمن المعتاد أن تعلن الزيادات والعلاوات ورفع الحد الأدنى للأجور في الأول من أيار/ مايو، وتحديدا في عيد العمال، وهي مناسبة مقبولة منطقيا للحديث عن الأجور، أما أن يعلنها في غير مناسبة، غير تلك التي يفتعلها شبه أسبوعيا للخروج على الناس بمزيد من الإحباط، فهو أمر يجب الوقوف عليه. لكن الحقيقة وبنظرة أولية، يمكن فهم الزيادة الممنوحة في إطار الرشى التي اعتاد العسكر منذ 1952 تقديمها للشعب في شكل منح وأراض مملوكة للدولة، ووظائف تفاقم حالة البطالة المقنعة تحت حكم العسكر، حيث تحدثت الأخبار عن موافقة برلمان النظام بالقراءة الأولى على التعديلات الدستورية التي سترسخ حكم رأس النظام وتبقيه بقوة السلاح إلى ما شاء الله. فالرشوة المقدمة من قبل النظام تخالف تعليمات صندوق النقد الدولي، إلا أن الأخير لم يعترض عليها، وذلك لأن موظفيه يعلمون أن النظام وهو يعطي باليسار يأخذ أضعافه باليمين، فالشيطان لا يعد خيرا أبدا.
التعليقات (0)