كتاب عربي 21

تحرير الأوطان بسميرة توفيق وآه ياحنان

أحمد عمر
1300x600
1300x600

شاءت الأنظمة العربية التي مشت على آثار النظام العالمي العابث بالكرة الأرضية، الحافر على الحافر، والظلف على الظلف، أن تجعل الممثل بطل العصر والأوان.. موهبته هي القدرة على الكذب، وتقمص الشخصيات بصدق، وبطولته هي الكذب بصدق.

إن الملوك "على أشكالها تقع". السيسي مثّل بصدق دور المخلّص الزاهد، لم يحسن محمد مرسي التمثيل فسقط في الفخ. حالياً: الأبطال الحقيقيون في السجون أو في السماء.

مات الأبطال الذين اختشوا، وانقضى زمن عنترة بن شداد وأبي زيد الهلالي وطارق بن زياد وصلاح الدين الأيوبي، فذلك رجع بعيد، وأنا الآن أذكر أبطالاً لهم تماثيل في الساحات، فالتاريخ مليء بالأبطال المعلومين والمجهولين.. ضاع ذكر يوسف العظمة الذي ترك ابنته وهو معيلها الوحيد، وذهب إلى ربه.. قلائل يذكرون عميد المعتقلين السوريين رغيد الططري.

المضحكون أكثر رواجاً وقبولاً وشيوعاً، في ميادين الجهاد اللغوي والفني. ينشط ميدان الكلام عندما يتوقف ميدان السلاح، وسبب ذلك هو أن الهزيمة كبيرة، والضحك يُنسي الهزائم ويجعلها نصراً.. "الضحك يدمّر الطغيان"، كما قال الناقد الروسي الشهير باختين، لكنه يدمّر الحق أيضاً بالسخرية منه، ويميت القلب.. الضحك سلاح ذو حدين، وله عتبة ينقلب فيها إلى ضده.. الضحك جيد للصحة، صحة الإنسان وصحة النظام.

 

"الضحك يدمّر الطغيان"، كما قال الناقد الروسي الشهير باختين، لكنه يدمّر الحق أيضاً بالسخرية منه، ويميت القلب.. الضحك سلاح ذو حدين، وله عتبة ينقلب فيها إلى ضده.. الضحك جيد للصحة، صحة الإنسان وصحة النظام

مالئ الدنيا وشاغل الناس في بلاد العرب هو عادل إمام، صاحب التجربة الدانماركية الرائدة، وهي تجربة في السرير وليست في القصر الملكي ولا في المخبر العلمي. استشهد زعماء بأقواله، مثل الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله الصالح، ولم يحسن الاقتباس وقتها، والرئيس التونسي الحالي، الذي اشترط عادل إمام استقباله في القصر الجمهوري لزيارة تونس، فخضع الرئيس وقبل بالشرط، وربما سعدَ بزيارة "الزعيم"، وذكّره في اللقاء بأكثر نكاته التي صارت بالية ولا تضحك. أمس استشهد أبو مازن بجملة للزعيم عادل إمام في خطبة.. نصف أمثال العرب السائرةالتي نتداولها، قائلها عادل إمام وصحابته الميامين. الفن السابع قهر الفنون جميعاً وابتلعها في معدته الكبيرة.

خذ هذا المثال: النظام السوري بدلاً من أن يخرج وزير دفاعه إلى هضبة الجولان، أخرج دريد لحام من تحت القبعة، وألبسه القبعة التي أخرجه منها، ليردّ على ترامب ويقول جملته المضحكة: أضم كاليفورنيا إلى المكسيك! لقد أضحكنا دريد لحام بالأبيض الأسود، لكنه أقل من مهرج في زمن الملّون، وكذلك عادل إمام في أفلامه التي قتل بها الأبطال جميعاً، وحلّ محلهم. بطولة الشاشة غير بطولة الحياة.. الفن لا بد له من السياسة، لكن أن يحل محلها فتلك قاصمة الظهر.

 

بطولة الشاشة غير بطولة الحياة.. الفن لا بد له من السياسة، لكن أن يحل محلها فتلك قاصمة الظهر

الشاويش عبد الفتاح السيسي، يصطحب معه جوقة الفنانين، وعلى رأسهم الفارسة إلهام شاهين، إلى المحافل السياسية، وكأنه ذاهب إلى عرض مسرحي. المحللون يسمون هؤلاء بالقوة الناعمة.. المطربون من أبطال هذا العصر إلى جانب الفنانين؛ يرفّهون عن الشعب المهزوم، ويجعلونهم يطربون ويرقصون وينسون.. السعودية قررت أن تُطرب شعبها الحزين، فاستقبلت أمس مطربة في الثمانين، هي سميرة توفيق. يعلم الله بالأجر الذي دُفع لها من قوت الشعب السعودي، والثواب الذي ستناله من الله على هذا الفضل، وهي في غنى.. ضربت مطربة أمية لا تعرف وتر آلة العود الموسيقية من حبل الغسيل؛ الترند السوري، وهي تغني مرتدية جلداً لا يكشط إلا بالسكين، فوق سيارة أغنية "أنا حنان"، فانطلق الجيش السوري يردد نشيدها بدلاً من: حملة الديار عليكم سلام. الرئيس المصري وعد بأن يحنو على الشعب المصري، لكن الحنان هطل على الشعب السوري من مطربة اسمها دانا حلبي غنت "يا حنان".

وقد تجد في أمريكا نجوماً صنعوا في هوليود، يهتدي الشعب الأمريكي بها في ظلمات البر والبحر مثل روبرت دينيرو ومارلون براند، ولهذين الممثلين ألقاب لم ينلها جورج واشنطن نفسه، الأول شتم ترامب شتيمة مقذعة، والثاني رفس الأوسكار، أخلاق الممثلين الأمريكان تشبه أخلاق آلهة الأولمب. آلهة وفاجرون.

 

أبطال الشهر الماضي في المشهد السياسي العربي كانوا من الفنانين؛ خالد أبو النجا وعمرو واكد وشيرين عبد الوهاب، "العفوية" التي بكت على جملة صدق قالتها

ارتعب النظام المصري من مزحة شيرين عبد الوهاب في البحرين، وأرغى إعلامه وأزبد وكأنها قائد الأسطول السادس. وكانت قد أعادت اكتشاف دودة البلهارسيا التي اكتشفها العالم الألماني تيودور بلهارس سنة 1851، فقام النظام المصري الطفيلي ولم يقعد خوفاً من شيرين.. والنظام السوري عاش رعباً من تغريدة شكران مرتجى عن الغاز القاتل، والنظام المصري لم يعد يخاف من مرسي ولا من عبد المنعم أبو الفتوح الذي خجل وعاد من لندن إلى السجن، وكان يمكن أن يلجأ إلى بريطانيا، لكنه فضّل السجن على العيش مع الذل.. إن عيش الذل أولى بالعبيد، أما حمدين صباحي فقد فاته قطار البطولة، الفنان يمكن أن يصير بطلاً وحتى يطهّر السياسي الذلي لنفسه، لا بد له من أمر واحد: الانتحار مثل هتلر، أو أقل منه بالصمت، أو أن يصير فناناً، خلاصة: أبطالنا أبطال قدم لا رأس، وليس باليد حيلة، الحيلة كلها بالقدم.. أملنا في محمد صلاح ونجوى كرم!

أبطال الشهر الماضي في المشهد السياسي العربي كانوا من الفنانين؛ خالد أبو النجا وعمرو واكد وشيرين عبد الوهاب، "العفوية" التي بكت على جملة صدق قالتها، ولو صبرت عليها لدخلت التاريخ، لكنها تحب المسرح وتفضله على التاريخ.. البطولة رمت بنفسها تحت أقدامها لكنها رفستها.. وأليسا التي غنّتْ "عايشة لك أحلى سنين"، غردت عن فلسطين وإسرائيل فطار صواب العرب بها شغفاً وتذكروا أيام قطز وبيبرس، وهذه علامة طيبة ويعني أن الغناء بخير. وشكران مرتجى غردت عن جرة الغاز فانطرب الشعب السوري وأيقن بقرب التحرير وسقوط النظام، وقبلها مذيعة سورية قديمة اسمها ماجدة زنبقة قالت شيئاً عن الذل. شكران اعتذرت فهي لا تحب دخول التاريخ، وتريد البقاء على الشاشة، فهي تعتبر أن الرئيس هو أخوها الكبير، وأن خصومها يصيدون في الماء العكر. واستغربت كل تلك الحفاوة بتغريدتها. أنت لا تعرفين قيمتك أيتها البطلة، أنت أهم من صلاح الدين الأيوبي.. أنت المرتجى ولك الشكران.

 

غضب النظام المصري الذي عمل قرناً كاملاً على تعظيم الفنانين، فالفنان أقل الناس تخويفاً للسلطان؛ لأنه فنان

شهدنا ثورة فنانين، كما شهد التاريخ يوماً ثورة الزنج وثورة الزط وثورة القرامطة. نبذت سهير رمزي ومعها شهيرة؛ الحجاب.. قررتا نبذ الحجاب، فـ"الحشمة هي في الكلام والأخلاق". لقد أدركتا أن الحجاب يخفي قوتهما الناعمة.

غضب النظام المصري الذي عمل قرناً كاملاً على تعظيم الفنانين، فالفنان أقل الناس تخويفاً للسلطان؛ لأنه فنان، وكان اسمه المشخصاتي في مصر وسوريا، والدنيا تتغير.. وكان مارلون براندو يقول إن الممثل يتقمص الشخصيات حتى ينسى شخصيته الحقيقية. تابعت ساعة متعبة للممثلة إغراء؛ التي كان المخرج السوري صاحب فيلم الطوفان، عمر أميرلاي، ينوي أن يجري خلفها، كما جرى ماركيز خلف سيمون بوليفار، وكانت تصرّ في كامل الحلقة على تكرار: إنها شريفة وبطلة لأنها تعرّتْ وأنقذت الفيلم من السقوط؛ ومعها السينما السورية التي ماتت لاحقاً، وتقارن نفسها بوزيرة الثقافة الإغريقية ميلينا ميركوري، وهي فنانة سابقة، ولا ترى الفارق بين الثقافة العربية الإسلامية والثقافة الإغريقية الوثنية.

 

شكرت الله أنه يكره إسرائيل، وإن أحبَّ عمرو موسى، فبغضه لإسرائيل يغفر حبّه لعمرو موسى الذي ينوي تعديل الدستور "باحترافية"، من غير تهمة التزوير في أوراق رسمية

المهم أن النظام المصري غضب من البطلين الهمامين خالد أبو النجا وعمرو واكد، وهما شجاعان، وقد أكد الكونغرس على بطولتهما فاستقبلهما استقبال الفاتحين. عدد الفنانين الشجعان في مصر من بين آلاف الفنانين؛ أقل من سبعة، أما في سوريا، بعد مليون شهيد، فهم أقل: وأذكر منهم فارس الحلو وهمام حوت وبسام قطيفان ومي سكاف. ذكرتني أليسا وصاحبة أغنية حنان بالبطل شعبان عبد الرحيم، بثيابه المزركشة وذهبه وأساوره، وشكرت الله أنه يكره إسرائيل، وإن أحبَّ عمرو موسى، فبغضه لإسرائيل يغفر حبّه لعمرو موسى الذي ينوي تعديل الدستور "باحترافية"، من غير تهمة التزوير في أوراق رسمية.

في سنة 2000، تسابق الفنانون إلى أغاني للانتفاضة الثانية، ولم يكن وقتها قد شاعت وسائل تواصل اجتماعي. غنى وليد توفيق أغنية عن الانتفاضة الثانية حتى يأخذ قصب السبق، واتصل بالتلفزيون ليبثها وهي ما تزال في الإعداد.. وقتها قال صديقي ساخراً: شارون يرتعب من أغاني العرب، لقد أعلن الفنانون لحن التحرير، ولو غنّت نجوى كرم صاحبة أغنية "بردانة دفيني" للانتفاضة، للجأ الإسرائيليون إلى الملاجئ خوفاً من أن تبرد نجوى كرم.

المفكرون لم يعد لهم صوت، العلماء مشردون وضحايا، الدعاة في السجون، الفنانون صاروا ملوكاً للنضال والكفاح، والملوك فرجة بعروضهم مثل السيسي والأسد وبوتفليقة..

التعليقات (2)
انس االرقاوي
الإثنين، 01-04-2019 08:50 م
من الفنانين العظام (العظم اللي ينحط تحت طبخة المحشي) نذكر ايضاً الفنان الكبير عاصي الكحيلاني الذي اطربنا باغنية ذكر فيها جميع اسماء الدول الجربية (العربية) وهو من غنى رائعة يا ناكر الخاروف (او المعروف)... ايضا المطربة المناضلة الرفيقة اول في حزب البعص العربي الاشتراكي السيدة جوليا بقرص صاحبة الاغنية الخالدة (وين الما لا ييين) والتي ردت عليها طفلة لتخبرها ان المالايين في طي**.... وفي النهاية اختم بمقولة الراحل مرسي الزناني (مرسي الزناتي اتهزم) يااا منز!!!!!!!!
مصري جدا
الإثنين، 01-04-2019 07:24 م
لا تنزعج هؤلاء وغيرهم فلا رهان عليهم ،،، الرهان على جيل الشباب،، منصة قيادة جديدة بمستوى المرحلة بعيدا عن بقايا قيادات جيل الاخفاق والفشل ،،،

خبر عاجل