قضايا وآراء

الجولان.. وترامب بلفور الأسد

نزار السهلي
1300x600
1300x600

لم تكن تعيش الساحة "الإسرائيلية" أفضل حالاتها في الفترة السابقة التي سبقت إعلان الرئيس الأمريكي ترامب؛ عن عزم إدارته الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان السورية المحتلة.. فقد كانت لها نشوة مماثلة عند الاعتراف الأمريكي بالسيادة الإسرائيلية على القدس ونقل السفارة الأمريكية إليها، إذ حفلت العطايا الأمريكية للمحتل الإسرائيلي بعهد ترامب ما لم تكن تحلم به منذ خمسة عقود، خصوصاً بما بات يعرف بصفقة القرن، التي يجري التعبير عنها بخطوات إسرائيلية أمريكية متبادلة على الأرض.

مع مجيء إدارة ترامب إلى البيت الأبيض، اندفعت السياسة الأمريكية في انتهاج سياسة عدوانية واضحة حيال القضايا المصيرية في المنطقة، والمتعلقة بالاعتراف بسيطرة الاحتلال الاسرائيلي على القدس والجولان والضفة الغربية، فضلا عن تأييد الاستيطان، وإسقاط حق العودة للاجئين، واعلان الحرب على وكالات الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (الأونروا) وقطع المساعدات المالية عنها.

الاندفاعة الأمريكية نحو الاحتلال الاسرائيلي بجرأة غير مسبوقة، وذرائعها مع إعلان ترامب منح "شرعية" للمحتل في الجولان، كان لها بيئة وأجواء على الصعيد الإقليمي والمحلي.. جرائم وفظاعات النظام السوري ضد الشعب السوري، تمثل المناخ المطلوب دولياً لتمرير جرأة وجملة الإجراءات الأمريكية والصهيونية في المنطقة.

 

جرائم وفظاعات النظام السوري ضد الشعب السوري، تمثل المناخ المطلوب دولياً لتمرير جرأة وجملة الإجراءات الأمريكية والصهيونية في المنطقة

وقبل أيام قليلة، أعلن الاحتلال الروسي تجهيزه ست نقاط مراقبة في الجولان، كي ينعم المحتل الإسرائيلي بأمان مديد لعقود قادمة.. في هذا الوضع أسهم المحتل الروسي والإيراني في تهيئة الظروف المناسبة للاعتراف الأمريكي بسيادة صهيونية على الجولان، طالما لا تمس بوظيفة ووجود الأسد. ففي الجعبة كثير من الثرثرة السياسية تكفي لتبرير وتمرير المواقف.

 

أمام ذلك كله، يدرك التحالف الأمريكي الإسرائيلي، والتحالف الإسرائيلي الروسي، أن استمرار حكم الأسد وسيطرته وبطشه بالمجتمع السوري؛ هي من أعظم الخدمات والإنجازات التي من خلالها يسهل تمرير وقائع العدوان والسيطرة الصهيونية في الجولان والقدس وبقية المناطق المحتلة. لذلك، لم تكن في جعبة موسكو المقابلة للجرأة الأمريكية سوى تقديم مزيد من أدوات القتل والإجرام للأسد، مقابل دعم أمريكي غير محدود للمحتل والاعتراف بكل إجراءاته وسياساته، والتعبير بشكل دائم عن الحماية المطلقة التي توفرها الولايات المتحدة (لإسرائيل).

منذ احتلال الجولان عام 1967، لم تكن هناك مواقف واضحة وجلية من موسكو؛ بمواجهة الاحتلال الإسرائيلي، لا في الحرب الباردة ولا الساخنة. فقد اقتصرت المواقف على رفع بعض الشعارات التي زادت من وتيرة الاستيطان في الهضبة، وبعدما منح الأسد الأب هدوءا وطمأنينة مديدة للاحتلال، مقابل سيطرته على الحكم، ساعدت موسكو في إرساء قواعد المحتل وهدوئه، من خلال إقرار فصل القوات الذي تتغنى به هذه الأيام، وإرسال رسائل للصهاينة بقدرة الأسد على حماية الحدود في الجولان وقدرته على البطش بالسوريين، بينما ألحان ترامب تغرد على موجة مختلفة.

في عهد ترامب ونتنياهو، ينعم الأسد بسيطرة وحشية على السوريين، ويحلم بالإفلات من العقاب، وفي عهدهما لن يكون للجولان والجولانيين إفلات من المحتل ومن إجراءاته، وفق ما تلمسه السوريون خلال الأعوام الماضية والعقود الخالية.

 

يحاول تكريس فرح موازٍ لأفراح الأسد بالسيطرة ولفترة أطول؛ للإفلات من العدالة

ما يحمله المستقبل المنظور؛ أن المحتل يحاول تكريس فرح موازٍ لأفراح الأسد بالسيطرة ولفترة أطول؛ للإفلات من العدالة. فالجولان وتحريره ليس وارداً في قاموس من باعه ووفر مناخ الطمأنينة للمحتل، الروسي والإيراني والإسرائيلي والأمريكي، وبقية الدوائر الغربية تعرف أن المعادل لبقاء الأسد هو الجولان.

معادلة الأسد الأب والابن، كانت امتدادا طبيعيا لدور النظام التاريخي، في إطار قهر وظلم المجتمع السوري، وفي تقديم ضمانات لا تقل أهمية عن تلك التي قدمها تيودر هرتزل للصهيونيين الأوائل. فالاتساق مع ممارسات الاحتلال، أو "التفوق" عليها في كثير من الحالات، يجعل من قضية الجولان أو القدس، أو المقاومة وتحرير الأرض، مفضوحة أكثر من التخاذل والتواطؤ؛ من نظام يحلم بأبدية سلالته التي ستندثر مع محتلين وطغاة كثر في الأرض، وسيكون للجولانيين مع أشقائهم في سوريا وفلسطين فجر جديد، ينهي عصر البلافرة الجدد من قصر المهاجرين، إلى البيت الأبيض، مروراً ببقية العواصم.

0
التعليقات (0)

خبر عاجل