قضايا وآراء

ثورة 1919 ليست علمانية

عصام تليمة
1300x600
1300x600
تمر هذه الأيام الذكرى المائة لثورة 1919م، والتي قام بها الشعب المصري ضد الاحتلال الإنجليزي في مصر، وهي ثورة لها عدة زوايا من المهم تناولها. 

ومما يؤسف له أن ثورة 1919 تعرضت لظلم من طرفين: أصحاب الغلو العلماني، وأصحاب الغلو الديني، فالأول زعم أنها ثورة علمانية، ليس فيها مكان للدين، ولا لأتباعه، سواء انطلاقا أو أداء. وكذلك أصحاب الطرف الآخر، فقد نفوا إسلامية وتدين أصحابها. وأثير أن رموز الثورة كانوا علمانيين، أو ليبراليين، وكذلك شاعت بعض أحداث لا تثبت عند التحقيق التاريخي، مثل: أن نساء الثورة خرجن في ميدان التحرير (الإسماعيلية سابقا) ومزقن الحجاب!

وتاريخ ثورة 1919 ينفي ذلك تماما، فقد كانت ثورة ضد الاستبداد والاستعمار، خرج فيها الجميع، مسلمين ومسيحيين، رجالا ونساء، كبارا وصغارا، فلم تكن ثورة ضد الدين، حتى نقول إنها ثورة علمانية، أو يسارية، أو حتى دينية، فأسبابها معروفة، وكلها أسباب سياسية تتعلق بالحرية، من حيث تحرير الأرض، وتحرير إرادة المصريين، وذلك بجلاء الاحتلال عن مصر. وهو ما فصل أسبابه المؤرخ المصري عبد الرحمن الرافعي في كتابه (ثورة 1919.. تاريخ مصر القومي من 1914 إلى 1921).

معقل الثورة

لقد كان معقل الثورة من حيث خروج المتظاهرين إليها، والاحتماء بها دائما: الجامع الأزهر. وهو رمز له دلالته وأهميته، ولذا كانت قوات الإنجليز دائمة المحاصرة له لمنع خروج المظاهرات منه، وكان أعظم خطباء الثورة، علماء كبار من الأزهر، من أمثال الشيخ الزنكلوني، والشيخ محمود أبو العيون، وغيرهما، بل ارتقى منبر الأزهر قساوسة يخطبون عن الثورة والاستقلال.

كما كان شعار الثورة: يحيا الهلال مع الصليب، وهو شعار له دلالة دينية مهمة تدل على توحد المصريين مسلمين ومسيحيين في هذه الثورة، فهو يدل دلالة واضحة على أهمية الدين كدافع وحافز للمتظاهرين والثوار، فلم يكن الدين في بلاد العرب مانعا عن ثورتهم، أو أفيون الشعوب كما حدث في بلاد أوروبا، ما كان سببا في حدوث صدام بين الدين والعلم، وهو ما لم يكن موجودا في الثورات العربية، فقد كان الدين رافدا وردءا يحتمي به الناس ضد الظلم، والأزهر خير شاهد على ذلك، بكل تفاصيل تاريخه، منذ نشأته، وقبل ثورة 19 كان دوره البارز في الثورة ضد المماليك وظلمهم للشعب المصري، وضد الاحتلال الفرنسي لمصر، في ما سمي الحملة الفرنسية على مصر. 

أما نسبة رموز الثورة للعلمانية، فهو كلام غير دقيق، فمن أبرز أسماء ثورة 19 الزعيم الراحل سعد زغلول، وهو أزهري النشأة، وأول كتاب ألفه كان في الفقه الشافعي، كما فصل ذلك وبينه الدكتور محمد عمارة. وكذلك معظم المشاركين في ثورة 19، من علماء الأزهر، ومن كبار السياسيين والأدباء، وعموم المصريين.

وأما دعوى أن النساء خرجن في ثورة 19 وقمن بنزع الحجاب وحرقه في ميدان الإسماعيلية، ثم بعد ذلك تحول ليسمى ميدان التحرير، فهو كلام غير صحيح تماما، فميدان التحرير لم يتغير اسمه إلا بعد 23 تموز (يوليو) 1952م، ولم يحدث أن خلع النساء في ثورة 19 حجابا، أو مزقنه، وهو موضوع له تفاصيل كثيرة تنفيه تماما.

ثورة ضد الظلم والفساد

وما يقال عن ثورة 1919 يقال عن ثورة 25 يناير، فلم تكن ثورة ذات توجه أيديولوجي، بل كانت ثورة ضد الفساد، والفساد والظلم لا دين له، ولا يمكن أن يناصره الدين، ربما ناصره بعض مشايخ السلطة الفاسدة والمستبدة، ولكن يظل الجسم الأكبر لهم مع الثورة، وهو ما حدث بانضمام الأزهريين للثوار في ميدان التحرير، وعلى رأسهم مستشار شيخ الأزهر محمد رفاعة الطهطاوي، الذي يقبع حاليا في سجون الانقلاب العسكري في مصر. 

للأسف شاعت في فترة من تاريخنا المعاصر، فكرة روج لها بعض الإسلاميين، وذلك بخلع صفة الإسلامية عن رموز التنوير والتحرر الوطني، من أمثال: الكواكبي، وسعد زغلول، وطه حسين، والعقاد، ومحمد حسين هيكل، ورفاعة الطهطاوي، ومحمد عبده، والأفغاني.. وقد أحسن الدكتور محمد عمارة بأن كتب بحوثا، وجمع الأعمال الكاملة لكثير منهم، واسترد للتيار الإسلامي معظم هذه الرموز، وهو ما ينطبق كذلك على النضال المصري والعربي، فهو لا ينفك عن دين الأمة وإسلاميتها. 

[email protected]
التعليقات (1)
مصري جدا
الخميس، 14-03-2019 06:01 م
ربما هي طبيعة أنسأن هذه المنطقة من العالم ،، المتعلم والجاهل والمثقف ومحدود الثقافة والعلماني والإسلامي والديني والإلحادي سواء بسواء ،، وهي النظر بعين واحدة وتعطيل الاخرى ،، والتفكير بنصف المخ ،،، ان كان هو مصدر التفكير ،،، وتعطيل النصف الآخر ،، من الواضح انها ازمة مؤسسات التربية من البيت الى المدرسة فالمسجد والكنيسة والاعلام والشارع سواء بسواء ،،، وستبقى هذه الازمة قائمة حتى يعاد بناء الانسان المصري وفقا لمعاير ومواصفات انسان العصر الحديث وليس بقايا انسان الماضي ،، وهذا لن يتم الا اذا اعيد تطوير بناء مؤسسات التربية والتكوين ،، وبالتالي هذا ايضا لن يكون الا اذا اعيد بناء النظام السياسي ليكون ديمقراطيا حقيقيا ،، لكن وللاسف الاجواء غير مناسبة لهذا البناء ،، لا السلطة ولا المعارضة ولا حتى غالبية الشعب ،، لنا الله ،،