كتب

الموقف من ثورة مصر ومن إيران وإسرائيل عمق الخلاف الخليجي

كتاب يحذّر من تسارع وتيرة التطبيع الخليجي مع إسرائيل (الأناضول)
كتاب يحذّر من تسارع وتيرة التطبيع الخليجي مع إسرائيل (الأناضول)

الكتاب: العلاقات الخليجية-الخليجية.. معضلة الفراغ الاستراتيجي والتجزئة (1971- 2018)
الكاتب: محمد صالح المسفر
الناشر: مركز الجزيرة للدراسات- الدوحة- قطر، نوفمير 2018،
318 صفحة من القطع الكبير.

عندما انطلقت ثورة الربيع العربي من تونس، رحبت بها الإمارات من دون تردد، وشاركت فعلياً في إنجاح الثورة الليبية عسكرياً. ولكن اختلف موقفها من ثورة 25 يناير/ كانون الثاني المصرية. وفي رأيي فإن الموقف الإماراتي المعارض لثورة مصر لم يكن بسبب المكانة التاريخية والموقع الاستراتيجي لمصر الذي يؤثر بدوره في أمن المنطقة العربية كاملة، وإنما لعلاقات شخصية تربط بعض النخب الإماراتية ببعض رموز نظام حسني مبارك، ولاعتقاد صنّاع القرار في أبو ظبي أن الثورة الشعبية لن تنجح، ومن ثم، فهم بذلك يحققون هدفاً لمصلحة دولة الإمارات. 

 

الموقف من الإخوان


واعتقلت السلطات الأمنية في دولة الإمارات العربية المتحدة خلية تابعة لتنظيم الإخوان المسلمين المصري، اتهمت بأنها تهدف إلى إطاحة الحكومة في البلاد. وعلى ذلك، تم اعتقال 94 ناشطاً جرت محاكمتهم في عام 2013 بتهمة التآمر على قلب نظام الحكم، كما ذكرنا سابقاً، وفي اعتقادي، لا يوجد أي تنظيم سياسي أو ديني يعمل على إطاحة نظام الحكم في معظم الدول الخليجية، وإنما قد يدعو إلى الإصلاح وتوسيع دائرة المشاركة السياسية وإجراء انتخابات لمجالس الشورى، بدلاً من التعيين، وتمكينها من حق سن القوانين والمراقبة، كما قد يدعو إلى استقلال القضاء ومحاربة الفساد وليس الدعوة إلى قلب نظام الحكم. 

والحق أن الثورة الليبية لاقت عناية واهتماماً من القيادة السياسية في دولة الإمارات على النقيض من الثورة المصرية. كما أنها لم تتردد في تأييد كل القرارات بشأن الثورتين السورية واليمنية. ووقفت إلى جانب حكومة البحرين في مواجهة الحراك الشعبي هناك، كما أنها وقفت إلى جانب السلطان قابوس في مواجهة حركة الربيع العماني(ص ص 253و 254 من الكتاب).

 

محاور متناقضة 


من الواضح أن ارتفاع مستوى التعارض بين المحورين التركي ـ القطري وبين المحور السعودي ـ الإماراتي معززًا بمصر يعود سببه التقارب بين المحور التركي ـ القطري مع إيران المتحالفة مع سوريا. وهو ما يعكس أيضا حالة الاصطفاف داخل المؤسسة الحاكمة في الولايات المتحدة إزاء كيفية العمل مع روسيا وإيران، حيث يتعزز دور روسيا بوصفها طرفًا مقبولاً لا يرغب أحد في تجاوزه في الوقت الراهن. لذلك كما يبدو، فإنّ أمير قطر تميم بن حمد قد اختار الاصطفاف إلى جانب روسيا ـ  تركيا ـ إيران، وهو ما رفع من مستوى نقمة الحكم السعودي وتحديدًا محمد بن سلمان على قطر، وتبني سياسة تغيير النظام في الدوحة. 

وقد ذكرت تقارير استخبارية أنّ محاولة انقلاب فاشلة للإطاحة بالأمير تميم بن حمد يقوم بها مرتزقة بلاكووتر المقيمين في الإمارات في النصف الأول من شهر حزيران (يونيو) 2017، لكن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) (التي يعمل لصالحها رئيس بلاك ووتر إريك برنس) تدخلت لإفشال الخطة في مهدها. وقد أسفرت المحاولة الفاشلة عن رَدِّ محمد بن سلمان بالعمل بدعم من والده الملك سلمان على الإطاحة بولي العهد السعودي وزير الداخلية محمد بن نايف الذي يوصف بأنّه صديق لأمير قطر وضد سياسة العداء لقطر، كما أن "سي آي إيه" كانت عارضت الإطاحة بمحمد بن نايف لأنّها كانت ترى فيه الأقدر على مكافحة ما تصفه بالإرهاب.

التطبيع بين الدول الخليجية والكيان الصهيوني

إثر تحرير الكويت من الاحتلال العراقي، في كانون الثاني (يناير) 1991، أعلن وزير الخارجية الأمريكي السابق، جيمس بيكر، في 11 أيار (مايو) 1991، وهو في طريقه إلى دمشق في بداية جولته الرابعة للشرق الأوسط، أن الحكومة الأمريكية توصلت إلى اتفاق بدعوة المملكة العربية السعودية وباقي دول مجلس التعاون إلى التفاوض المباشر مع إسرائيل في حالة عقد للسلام حول الشرق الأوسط.

وأصدرت دول المجلس بياناً أشارت فيه إلى أن المجلس يعلن استعداده للمشاركة في حالة دعوته بصفته مراقباً في مؤتمر السلام، ويمثله فيه الأمين العام للمجلس، كما أن أعضاءه سيشاركون في أية ضمانات تضم دول المنطقة لمناقشة المسائل المتعلقة بالحد من التسلح، وتدمير كل أسلحة الدمار الشامل، ومصادر المياه وحماية البيئة.

 

مظاهر التطبيع بين الكيان الصهيوني والدول الخليجية تكثفت أكثر مع ازدياد قوة محور المقاومة الذي يضم إيران وحزب الله وسوريا


وعقد المجلس الوزاري لمجلس التعاون اجتماعاً استثنائياً في الرياض، في 27 تشرين الأول (أكتوبر) 1991، قبل ثلاثة أيام من انعقاد مؤتمر مدريد للسلام، وأصدر بياناً في المؤتمر، وكلف الأمين العام للمجلس، عبدالله بشارة، بحضور الجلسة الافتتاحية كمراقب باسم دول المجلس، كما أعلن موافقة دول المجلس على المشاركة في المفاوضات متعددة الأطراف. ووافقت دول الخليج على حضور مؤتمر مدريد الذي بدأ في 30 تشرين الأول (أكتوبر) 1991، وهو الشرط الذي اشترطته إسرائيل لموافقتها على اشتراك الفلسطينيين في المفاوضات(ص 225).

وشاركت دول الخليج العربية بالفعل في المؤتمر بصفة مراقب. وكانت تلك المرة الأولى التي شاركت في مؤتمر موسكو (المنعقد بتاريخ 28 و29 شباط / فبراير 1992) في المفاوضات متعددة الأطراف التي حضرتها تركيا ايضاً، بينما ظلت إيران غائبة عن المؤتمرين لرفضها مبدأ التفاوض والمشاركة في مسار التسوية السليمة للنزاع. وكانت الولايات المتحدة الأمريكية تهدف من هذه المفاوضات إلى الاستفادة من وضعها في حرب الخليج، لا سيما دول الخليج العربية، حيث تمثل هذه المفاوضات إغراء حقيقاً لإسرائيل يمكنها من التعامل المباشر مع عدد كبير من الدول العربية، كما أن هذه المفاوضات تمهد الطريق لتحقيق التعاون الاقتصادي في المنطقة الشرق الأوسط.

 

وقد أبدت قطر وعمان والبحرين استعدادها لاستضافة ثلاث لجان من لجان المفاوضات متعددة الأطراف، بعد أن افتتحت تونس هذا المجال باستضافة لجنة اللاجئين، وقد استجابت اللجنة العامة لتسيير المفاوضات متعددة الاطراف لطلب هذه الدول. وفي 17 نيسان/ أبريل 1994، استضافت عمان الاجتماع الخامس للجنة المياه، وشاركت في المؤتمر 24 دولة من بينها إسرائيل، وفي 4 أيار/ مايو 1994، استضافت الدوحة الاجتماع الخامس لمجموعة العمل الخاصة بضبط التسلح والأمن الإقليمي في الشرق الأوسط، وحضرت هذه الإجتماعات ثلاث عشرة دولة عربية، وثلاثون دولة أخرى، منها: إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الروسي والصين والهند واليابان. وتُعَدُّ هذه الاجتماعات دلالة رمزية بشأن التعاون مع إسرائيل.

كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد تلقت وعوداً أثناء حرب الخليج الثانية بإلغاء مقاطعة الشركات المتعاملة مع إسرائيل بمجرد إنهاء "تحرير الكويت"، ولجأت إلى التقدم مباشرة بطلب إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية لعرض موضوع إنهاء المقاطعة من الدرجتين الثانية والثالثة على مجلس جامعة الدول العربية، وبعث به 77 من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، وتقدم بذلك الطلب وزير التجارة الأمريكي، في آذار (مارس) 1994، أثناء لقائه مع الأمين العام لجامعة الدول العربية قبل اجتماع مجلس الجامعة ( دورة الانعقاد رقم 101)(ص 226).. 

غير أنّ مظاهر التطبيع بين الكيان الصهيوني والدول الخليجية تكثفت أكثر مع ازدياد قوة محور المقاومة الذي يضم إيران وحزب الله وسوريا، في ضوء الحرب المشتعلة منذ ثماني سنوات في سوريا، الأمر الذي سرّع من وتيرة التطبيع السهيونية ـ الخليجية، ولا سيما بين الكيان الصهيوني والسعودية، وهذا ما عبر عنه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي زار الولايات المتحدة الأمريكية نهاية شهر آذار (مارس) 2018، أثناء المقابلة الصحفية التي أجراها معه جيفري غولدبرغ، رئيس تحرير مجلة "أتلانتيك" الأمريكية، ونشرتها يوم الإثنين 2 نيسان (أبريل) 2018، إنّ "للصهاينة الحق في العيش بسلام على أرضهم"، مضيفًا: "أؤمن بأن لكل شعب، في أي مكان، الحق في العيش بسلام في بلاده". 

وتابع: "أؤمن أيضا بأن الفلسطينيين والإسرائيليين من حقهم أن تكون لهم أراضيهم الخاصة بهم". وجاءت التصريحات غير المسبوقة لمسؤول سعودي أثناء جولة أمريكية قام بها بن سلمان استمرت لثلاثة أسابيع.

لكن ابن سلمان شدّد على أهمية الوصول إلى "اتفاق سلام لضمان استقرار الجميع والبدء في بناء علاقات طبيعية"، وفقا لما نشر في مجلة "أتلانتيك" الأمريكية. ورغم عدم اعتراف السعودية بالكيان الصهيوني رسميًا، ترى الدولتان في الولايات المتحدة الحليف الأكبر في حين تنظران إلى إيران على أنها التهديد الخارجي الأكبر في المنطقة، علاوة على اتفاقهما على الخطر الكبير للجماعات المسلحة في المنطقة. ويُعد الصراع العربي الصهيوني العقبة الأكبر التي تواجه التقارب بين البلدين، إذ لا تزال الرياض تدعم سيادة الفلسطينيين على أراضيهم، وتطالب بالعودة إلى حدود ما قبل حرب 1967 بين العرب والكيان الصهيوني.

 

إقرأ أيضا: لماذا تأسس مجلس التعاون الخليجي وعلى أي أرضية؟

 

إقرأ أيضا: مجلس التعاون الخليجي وتداعيات الاعتماد المفرط على الطاقة

 

إقرأ أيضا: حقيقة الخلافات الخليجية وتداعياتها العربية والإسلامية

التعليقات (0)

خبر عاجل