مقالات مختارة

الجملكيات العربية وبوتفليقة

حسن البراري
1300x600
1300x600

أطلقت كلمة جملكية بشكل ساخر على الجمهوريات العربية التي تسلك سلوك الأنظمة الملكية من ناحية توريث الحكم أو الحكم مدى الحياة، فمثلا ورث بشار الأسد رئاسة سوريا من أبيه حافظ الأسد الذي حكم سوريا إلى أن وافته المنية، كما حاول الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك تمهيد الطريق لابنه جمال ليكون رئيسا لمصر، إلا أن ثورة يناير أفسدت عليه ما كان يخطط له.

روجر أوين، أستاذ الدراسات الشرق أوسطية بجامعة أوكسفورد البريطانية، نشر كتابا فصّل فيه قصة صعود وهبوط ظاهرة الرؤساء العرب مدى الحياة، ولا غنى للباحث عن كتاب كهذا لأنه يبين مسألة تآكل شرعية هذه الجملكيات. فالشرعية التي سادت بعد عصر الاستقلال سرعان ما تآكلت تحت وطأة التغير الكبير في بنية المجتمعات ومستويات التعليم وكذلك التغير الاقتصادي.

ما يجري في الجزائر يأتي في ذات السياق، فالرئيس الحالي عبدالعزيز بوتفليقة يسعى للترشح لولاية خامسة (أو لنقل العهدة الخامسة) حتى وهو في حالة صحية لا تسمح له ممارسة واجباته كرئيس. وأثار ذلك حفيظة الجزائريين الذين كسروا جدار الصمت وأعلنوا أنهم لن يقبلوا ترشح بوتفليقة، وعليه امتدت المظاهرات والعصيان ليبعث برسالة واضحة مفادها أن ربيعا جزائريا في قيد التشكل.

هذا الربيع كان موضع ترحيب الصحف العربية التي أشاد عدد كبير منها بالهبة الجزائرية لأن هذه الهبة كسرت الجمود في المشهد السياسي الطاغي في دولة الجزائر. فالجزائريون قالوا كلمتهم، والمسألة تتجاوز مطالبة بوتفليقة بالعدول عن قرار الترشح، فثمة ضرورة ملحة لتغيير سياسي عميق يأخذ الجزائر إلى مرحلة مختلفة تخرج البلاد من حالة الاحتقان السياسي ووضع البلاد في المسار الصحيح.

في الجزائر هناك سياق مختلف نوعا ما، فالجيش الجزائري تدخل في السياسة بعد انتخابات جرت في مطلع التسعينات أظهرت تقدما كبيرا للإسلاميين، وتبع ذلك حرب أهلية راح ضحيتها آلاف الضحايا الذين سقطوا من دون مبرر، وعندما جاء بوتفليقة للحكم في عام 1999 كان المجتمع الجزائري يبحث عن الخروج من حالة اللا أمن، وبالفعل تمكن بوتفليقة من قيادة الجزائر في فترة صعبة واكتسب بذلك الشرعية المطلوبة. والأهم أن الشعب الجزائري الذي قدم أكثر من مليون شهيد في حرب الاستقلال ضد الاستعمار الفرنسي وصل إلى نتيجة مفادها أن العنف قد يسبب خسائر يمكن تجنبها، لذلك تكونت صورة نمطية عن سلمية حراك الجزائريين، الأمر الذي شجع السلطات الحاكمة للاستخفاف بتحولات كبيرة تجري في المنطقة وفي المجتمع الجزائري ذاته.

ويمكن القول إن الشعب الجزائري كان يعاني من الخوف على الأمن في بلده، لذلك سيطر هاجس الخوف لمدة عقدين من الزمان إلا أن هناك ما يشير إلى أن الجزائريين ليسوا في وارد القبول باستمرار الوضع القائم ويأخذون من ثني الرئيس بوتفليقة عن الترشح مدخلا لانضاج حالة سياسية تناسب تطلعات وآمال الشعب الجزائري. طبعا لن تكون الطريق مفروشة بالورود لأن الانتقال من نظام مستبد إلى نظام ديمقراطي حر يحتاج لوقت طويل ويستلزم تحقيق ذلك وجود قوى سياسية حرة تتفق على الإطار العام الذي سيمهد لانتقال ديمقراطي سلمي. لا يبدو الأمر سهلا، فمصر على سبيل المثال أخفقت في الفترة الانتقالية من الاتفاق على الإطار العام وتحولت فترة الانتقال الديمقراطي إلى محلة استقطاب انتهت بانقلاب عسكري على منجزات ثورة يناير.

التراجع في مصر الذي أخذ شكل تغيير الدستور لتمكن جملكية مصرية جديدة تقابله انتفاضة جزائرية ربما تخلط الأوراق إقليميا وتساهم في رفع منسوب الوعي العربي مرة أخرى بخصوص أكذوبة الجملكيات والضرر الذي يلحق نتيجة لتغييب المواطن من المشاركة في صناعة القرار السياسي في هذه الجمهوريات.

عن صحيفة الشرق القطرية

1
التعليقات (1)
متابع
الثلاثاء، 05-03-2019 11:53 م
بدات الخرخشات الخليجية في الخش والدس والهس والبس وتمهيد سبل الدمار،