كتب

في العلاقة بين الدين والثورة.. قراءة في التجربة المصرية (2من2)

الكتاب أرجع فشل الإخوان في السلطة إلى عدم قدرتهم على تقليم مراكز القوى القديمة داخل الدولة
الكتاب أرجع فشل الإخوان في السلطة إلى عدم قدرتهم على تقليم مراكز القوى القديمة داخل الدولة

الكتاب: الإسلاميون في مصر ما بعد الثورة.. تحولات الفكر والممارسة
الكاتب: الدكتور خليل العناني
دار النشر: جسور للترجمة والنشر
تاريخ النشر: 2019 
عدد الصفحات: 302

يعتبر الدكتور خليل العناني في كتابه "الإسلاميون في مصر ما بعد الثورة.. تحولات الفكر والممارسة"، أن التحولات التي عرفها الإسلاميون في مصر ما بعد الثورة وضعت النهاية للسرديات القديمة التي كانت تؤطر تحولات الإسلاميين، وأن الربيع العربي أعاد تشكيل خارطة جديدة للسياسة في مصر بفاعلين جدد، وأيضا بجهات إسلامية جديدة، وأن القوى القديمة نفسها تكيفت مع هذه التحولات وأعادت ترتيب تكتيكاتها ووجهات نظرها الإيديولوجية. 

نهاية البنية الإسلامية الصلبة

ويعرض العناني لأربع تغييرات وديناميات هامة؛ أولها، نهاية البنية الإسلامية الصلبة، إذ لم يعد المشهد السياسي محكوما بسيطرة تيار إسلامي كبير كما كان في السابق، بل حل محل هذا الوضع الانقسام والتعدد في الحالة الإسلامية. والثاني، هو ظهور الإسلاميين غير الرسميين، فعلى مدى عقود كانت الأحزاب والجمعيات الإسلامية هي الممثلة الوحيدة للإسلاميين، في حين أبرز واقع ما بعد الربيع العربي إسلاميين من نوع آخر لا ينتمون إلى هذه التنظيمات. أما التغيير الثالث، فقد تمثل في تحولات الخطاب، إذ هيمنت لغة السياسة، وانزاح عدد من التيارات الإسلامية عن مواقعها القديمة، لجهة الانخراط في مربع السياسة. أما التغيير الرابع، فقد رسمته حالة الصراع داخل الجسم الإسلامي نفسه، إذ أعاد الربيع العربي تشكيل العلاقة بين الحركات الإسلامية، وبشكل خاص، بين الإسلاميين الحركيين والإسلاميين السلفيين، وذلك في تونس ومصر وغيرها.

خارطة الإسلاميين

وبخصوص خارطة الفاعلين الإسلاميين بعد الثورة، فيرسم العناني تشكيلتهم في جماعة الإخوان والجماعات الراديكالية التائبة، والفاعلين الإسلاميون الجدد مثل حزب الوسط، والجماعات والأحزاب السلفية (حزب الدعوة السلفية، وحزب النور، وحزب الفضيلة، وحزب الإصلاح، وحزب الأصالة).

ويلاحظ العناني أن هذه الخريطة مع تعددها، فهي في مجموعها تتشكل من مجموعتين اثنتين؛اللاعبين الإسلاميين التقليديين، واللاعبين الجدد. ويعتبر العناني أنه رغم الانفجار والسيولة التي عرفتها الحالة الإسلامية، فقد عرفت هذه الحركات كلها تحولات مشتركة مع اختلاف وتيرتها، إذ أصبحت الديمقراطية هي المرجعية الحاكمة لخطاب هذه الحركات على الأقل من الناحية الإجرائية، كما أن خطابها صار ينطلق من أرضية التعددية السياسية، وتغيرت لغة الخطاب من تبني الشعارات الدينية الفضفاضة إلى اعتماد برامج وسياسات براغماتية سعيا لكسب الجمهور.

 

فهم الظاهرة السلفية وتحولاتها ما بعد الثورة يتطلب التمييز بين السلفية التقليدية أو غير المسيسة، وبين الحركات والجماعات والأحزاب السلفية التي نشأت في أحضان المجال العام


ويرصد العناني في الفصل الرابع خارطة أحزاب ما بعد الإخوان، التي خرجت من تحت عباءتهم، ويتعلق الأمر بحزب النهضة، وحزب الريادة، وحزب مجتمع السلام والتنمية، وحزب التيار الرئيسي شباب الإخوان، وحزب التوحيد العربي الإخوان. كما أنه يرصد من جهة ثانية، خارطة الأحزاب الإسلامية المستقلة ممثلة في حزب الإصلاح والنهضة، وحزب الحضارة، مبرزا مرجعية كل حزب وأوجه نشاطه. كما أنه يعرض أيضا لخارطة ألأحزاب المذهبية، مركزا بهذا الخصوص على حزبين هما حزب التحرير الصوفي وحزب الوحدة والتحرير الشيعي، مبرزا سياق تأسيس هذه الأحزاب والخلفيات التي تحكمها وأهم الأهداف التي تسعى لتحقيقها.

ويركز في الفصل الخامس على السلفية السياسية، وكيف انتقلت من حالة السكون إلى النشاط السياسي، معتبرا أن فهم الظاهرة السلفية وتحولاتها ما بعد الثورة يتطلب التمييز بين السلفية التقليدية أو غير المسيسة، وبين الحركات والجماعات والأحزاب السلفية التي نشأت في أحضان المجال العام، وكانت جزءا من تفاعلاته وأحيانا مخرجاته مثل جماعة الدعوة السلفية.

السلفية السياسية 

ويحدد العناني مفهومه للسلفية السياسية، ويقصد بها الجماعات والحركات والأحزاب والشبكات والهيئات التي تتبنى رؤية وبرنامجا أو مشروعا سياسيا وتسعى لتحقيقه، كما تسعى لأن يكون لها حضور مؤثر في المجال العام، ويرى بهذا الخصوص أن السلفية السياسية في مصر تمثل كتلة سياسية غير متجانسة وغير موحدة، وأنها تشكل جماعات وتيارات تتوحد على بعض البنى الفكرية، لكنها تختلف جذريا في الأهداف والوسائل والأطروحات، وأن ما يجمعها هو النشاط والحيوية في المجال العام بمختلف مؤسساته.

ويعرض العناني سياقات تحول السلفية السياسية في مصر، ويحصرها في أربع مراحل أساسية، مرحلة الانتقال من الإقصاء إلى الاندماج في الحقل السياسي، ومرحلة التدافع بين الإيديولوجيا والواقع، ومرحلة تدبير المكاسب والخسائر، ثم مرحلة "السلفنة" الاجتماعية والدينية، مبرزا بهذا الخصوص محورية الجدل في كل مرحلة، قبل أن تتبلور فكرة المشاركة السياسية لدى هذا التيار، وفكرة اكتساح مساحات واسعة في المجال العام وبين مكونات المجتمع المصري.

 

إقرأ أيضا: تعرف على الخريطة السلفية في مصر

ويرصد العناني سياق المشاركة السياسية للسلفيين ومختلف التحديات التي طرحها، ويؤكد بهذا الخصوص على ملاحظة جوهرية، إذ إنه بقدر الخلاف الذي حصل بشأن التحول نحو السياسة، لوحظ عدم تسجيل أي انشقاق أو تصدع ضمن الإطار السلفي على خلفية هذا التحول، ويرجع العناني ذلك لسببين: الأول، أن التيار السلفي لم تتشكل لديه قناعة رفض مبدئي للمشاركة السياسية، والثاني، أن التيار السلفي كان ينظر بمرونة كبيرة وواسعة لاختيار وتحديد الطرق والوسائل التي يمكن من خلالها دعم وتفعيل حضورهم في السياسة. وأن ذلك هو ما دفعهم إلى إعادة تشكيل بنياتهم التنظيمية والتفكير في تأسيس إطارات حزبية لتحقيق أهدافهم السياسية من خلالها. كما أن مشاركتهم لم تكن محكومة بالأدبيات العقدية التي كانت مؤطرة لتفكيرهم في السابق، وإنما تبررت بتبرير فقهي أتاح سلاسة الانتقال من مواقفه التقليدية إلى العمل السياسي.

ويلخص العناني القضايا التي مثلت محور اشتغال النشاط السياسي للسلفيين ويقصرها في قضية الهوية وقضية تطبيق الشريعة والموقف من المسألة الديمقراطية، ويرصد تحولات خطابهم في مساراتهم من الدمج إلى الاستئناس إلى الاحتواء، بحيث برزت أولى هذه التحولات في تنسيب الخطاب الديني، وتحويل مصدر الشرعية من المسجد إلى صندوق الانتخاب، وعلمنة الفضاء السلفي، بما يعنيه ذلك الاستخدام الكثيف للمصطلحات الغربية في الخطاب السلفي.

 أما على مستوى الممارسة، فقد سجل العناني ثلاث تحولات لدى السلفيين، أولها، الدخول في كافة مجالات اللعبة السياسية، والثاني، استعداد السلفيين ولو شكليا للدخول في حوار سياسي مع غيرهم من القوى السياسية. أما التحول الثالث، فتمثل في السياسة الخارجية، إذ اتضح في ممارستهم عدم وجود خطوط حمراء فيما يخص علاقتهم بالعالم الخارجي. 

أما على المستوى التنظيمي فقد رصد العناني ثلاث تحولات رئيسة، أولها، التحول في التراتبية، فلم تعد التراتبية التقليدية هي السائدة بين الشيخ والمريد، والدليل والأتباع، وإنما حلت محلها علاقة الندية والتوازن بسبب زيادة منسوب الوعي العام داخل المكون السلفي، والثاني، هو التنوع الشديد للكتلة السلفية، والثالث، هو حالات الصراع والخلاف داخل الأحزاب السلفية ذاتها.

تحولات الإخوان وأسباب سقوطهم من السلطة

خصص العناني فصله السادس والسابع لمتابعة وتحليل تحولات الإخوان، مركزا على تجربتهم في السلطة ورصد أهم أخطائهم، بل والتوقف عند سبب سقوطهم، واستشراف مستقبلهم وأدوارهم المرتقبة والمسارات المفتوحة والمجهولة أمامهم.

ويعتبر العناني أن سبب سقوط الإخوان من السلطة في الثالث من تموز (يوليو) 2013، كان محصلة لعدد من العوامل والمتغيرات المعقدة، بعضها ارتبط بأخطاء الإخوان في مرحلة ما بعد الثورة، وأثناء وجودهم في السلطة، والبعض الآخر، نتيجة تحالفات قوى الثورة المضادة والدولة العميقة. 

 

إقرأ أيضا: "الإخوان": مصر أمام طامة كبرى ستودي بشعبها إلى الهاوية

ويذكر ضمن أخطاء الإخوان فشلهم في الانتقال من عالم الأفكار والتحيزات الإيديولوجية والتنظيمية إلى عالم السياسات والبرامج الواقعية، وما تحمله من مواءمات وتوزانات سياسية واجتماعية واقتصادية، ثم تغليب الانتماء الفكري والتنظيمي والإيديولوجي للتنظيم على مصالح الدولة، إذ أفرز ذلك بروز حالة من الهيمنة والاستفراد والإقصاء.

ويذكر العناني ضمن الأخطاء أيضا فشل الإخوان على مستوى السياسات والتكتيكيات، إذ اعتمد الإخوان على الحشد والتعبئة كآلية وحيدة لتحقيق التوازن مع القوى السياسية الأخرى، كما ذكر العناني ضمن الأخطاء فشل الإخوان في ترصيد خبراتها وأطرها مع الزخم الكبير الذي تتمتع به بهذا الخصوص، إذ ظهرت أشبه ما تكون بقليلة الخبرة والتجربة، وضعيفة الأطر والكفاءات. 

وبخصوص الأسباب التي ترجع إلى الدولة العميقة، فيرى العناني أن الإخوان في السلطة فشلوا بسبب عدم قدرتهم على تقليم مراكز القوى القديمة داخل الدولة، إذ نجحت الدولة العميقة في استنزاف الإخوان والاستثمار في ضعف خبرتهم وقدرتهم على ترويض مؤسسات الدولة، وقصور رؤيتهم في التعاطي مع الدولة ومؤسساتها وأجهزتها.

 

إقرأ أيضا: في العلاقة بين الدين والثورة.. قراءة في التجربة المصرية 1من2

التعليقات (2)
إطلاق العنان للنظريات
الإثنين، 04-03-2019 06:45 م
كلام الكاتب غير صحيح، هل إنتخاب مرسي كان فشل لسياسة الأخوان،والإنقلاب كان نجاح للإنقلابين.الكتاب تسطيح لما يحدث بمصر.
مصري جدا
الإثنين، 04-03-2019 05:42 م
الملفت أن ما كتب عن الجماعة ،، نصحا ونقدأ وتقويما وتصحيحا وهجوما ،،، تعجز مراكز الدراسات والأبحاث التي لم تنشآها الجماعه عن بحثه وكتابته ،،، والمدهش ان عقل الجماعة لم يستوعب ولم يستفد مما كتب ،، لكنها تعاملت معه بمشاعرها فقط ،، دفاعا وتبرير ،، لذا فاتها الكثير من الخير ،،، لو انشئت الجماعة مراكزا للدراسات والأبحاث لا تبذل من جهد سوى الاستفادة مما كتب عنها لكفاها ،،، فهل تتعلم بقايا قياظات الجماعة وقواعدها الضحية ،، ام ان قدر هذا الجيل المبتلى بقياداته التاريخية العتيقة الا يتعلم ولا يستفيد ،، الامل في منصات قيادة جديدة لديها الرغبة والقدرة على التعلم ،،