قضايا وآراء

إعدامات السيسي وصناعة الإرهاب

قطب العربي
1300x600
1300x600

بإعدام الشباب التسعة المتهمين في قضية مقتل النائب العام هشام بركات، يرتفع عدد المواطنين المصريين الذين قتلهم نظام السيسي بأحكام إعدام جائرة إلى 52 شخصا، وهناك عدد مماثل استنفد كل درجات التقاضي وأصبحت أحكام الإعدام بحقهم نهائية، ينتظرون التنفيذ في أي لحظة.

أحكام الإعدام جميعها التي صدرت في مصر وغيرها من الأحكام جاءت عقب محاكمات هزلية، لم تأخذ من المحاكم إلا اسمها، ومن الأحكام إلا رسمها.. لم تتوفر فيها أدنى ضمانات العدالة للمتهمين الذين لم يُسمح لهم بإثبات ما تعرضوا له من تعذيب، وصعق بالكهرياء (يكفي مصر لمدة 20 عاما، بحسب رد الشاب محمود الأحمدي على قاضي الإعدامات حسن فريد الذي حاول تثبيت التهمة عليه بدعوى الاعتراف). وللتذكرة فإن حسن فريد هذا لم يستطع قراءة جملة واحدة صحيحة، بل لم يستطع قراءة آية قرآنية بشكل صحيح خلال نطقه بالحكم.

حسن فريد هو نموذج لغيره من القضاة الذين أوكلت إليهم مهمة إصدار أحكام الإعدام والمؤبد بحق مناهضي النظام. وبالفعل، صدرت العشرات من الأحكام بطريقة هزلية لم تقم خلالها هيئات المحاكم بقراءة أوراق القضية التي تجاوز بعضها العشرة آلاف صفحة، وصدرت الأحكام هكذا بشكل "عمياني"، حتى أنها شملت متوفين ومسيحيين وصبية صغارا ضمن بعض القضايا، كما أن أحكاما بالإعدام صدرت بحق المئات في جلسة واحدة، دون سماع دفاع أو شهود.. إلخ.

 

الهدف الرئيسي لأحكام الإعدام ومن ثم تنفيذها هو كسر إرادة مناهضي الحكم العسكري من ناحية، وإرهاب المجتمع المصري من ناحية أخرى

الهدف الرئيسي لأحكام الإعدام ومن ثم تنفيذها هو كسر إرادة مناهضي الحكم العسكري من ناحية، وإرهاب المجتمع المصري من ناحية أخرى، بحيث تصل الرسالة واضحة بأن هذا هو مصير كل معارض، فيتوقف من تلقاء نفسه عن ذلك.

وقد تزامنت الأحكام الأخيرة مع هوجة التعديلات الدستورية التي تطيل بقاء السيسي في الحكم حتى وفاته، ومع تصاعد الغضب الشعبي وغضب القوى السياسية في الداخل المصري ضد هذه التعديلات التي تعصف بآخر مكتسبات ثورة 25 يناير، تملكت النظام المخاوف من أن تصاعد هذا الغضب قد يجلب تدخلا دوليا داعما له، فسارع النظام بتنفيذ الإعدامات حتى يوقف مد هذا الغضب الشعبي، كما أراد خلط الأوراق مجددا أمام المجتمع الدولي، وتقديم معركة مكافحة الإرهاب على غيرها من اهتمامات، حتى يستطيع تحت ستارها أن يفلت بتعديلاته الدستورية. وفي هذا الإطار، فإن النظام يحاول تحويل فشله في مواجهة الإرهاب في سيناء في مواجهة ألف مسلح داعشي إلى فرصة لجذب المزيد من الدعم الدولي له في معركة الإرهاب.

 

هذا التصرف ليس دليل قوة كما يتصور بعض أنصار النظام، بل هو دليل ضعف؛ لأنه لا يستطيع مواجهة المسلحين الأحياء فيلجأ للرد بقتل أسرى عزل من أي شيء

يتخذ السيسي من المحكومين بأحكام إعدام ظالمة رهائن يستخدمهم عند اللزوم، سواء لتمرير تعديلاته الدستورية أو للرد على أي فشل أمني في سيناء أو غيرها. وهذا التصرف ليس دليل قوة كما يتصور بعض أنصار النظام، بل هو دليل ضعف؛ لأنه لا يستطيع مواجهة المسلحين الأحياء فيلجأ للرد بقتل أسرى عزل من أي شيء، كما يقوم بتصفيات في الشوارع للمواطنين من الذين يحتجزهم ويخفيهم قسريا، ثم يدّعي أن القتل جاء نتيجة تبادل إطلاق نار، وهذا مظهر آخر للضعف لا القوة.

هذه الجرائم التي يرتكبها نظام السيسي، سواء التصفيات الميدانية أو الإعدامات، إضافة إلى مطاردة المعارضين وحبسهم بمن في ذلك الذين وقفوا معه وأيدوا الإنقلاب العسكري من قبل، ومن كانوا جزءا من حملته الانتخابية.. الخ، ومن دبجوا المقالات ونحتوا المصطلحات الفخيمة تعظيما لحكمه، ثم ألقى بهم في السجون لاحقا.. كل ذلك يصنع تربة خصبة لولادة الإرهاب وتكائره، وازدهاره، ووجود فائض منه للتصدير خارج مصر. وكل الأنظمة التي توفر غطاء سياسيا أو ماليا للسيسي هي شريكة له في صناعة الإرهاب الذي يتطاير شرره إلى العالم كله.

 

كل ذلك يصنع تربة خصبة لولادة الإرهاب وتكائره، وازدهاره، ووجود فائض منه للتصدير خارج مصر. وكل الأنظمة التي توفر عطاء سياسيا أو ماليا للسيسي هي شريكة له في صناعة الإرهاب الذي يتطاير شرره إلى العالم كله

لقد كشفت قضية الإعدامات كذب ادعاءات دول كبرى تدعي حماية الديمقراطية وحقوق الإنسان، فإذ بها تظهر داعمة للقتل والتصفيات؛ تجنبا لإغضاب حاكم تراه كنزا أو بقرة حلوبا يدر عليها عقودا بمليارات الدولارات سنويا. فها هي فرنسا التي تتزعم حملة أوربية ودولية لوقف عقوبة الإعدام؛ لم تنتفض حين صدرت الأحكام الظالمة، ومثلها الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا.. الخ، صحيح أن إدانات صدرت من الأمم المتحدة، والبرلمان الأوروبي. ولكن الإدانات وحدها غير كافية في مواجهة عدوان على أهم حقوق الإنسان، وهو حق الحياة، والأمر يتطلب خطوات عملية لوقف هذه الإعدامات، ولن يتم ذلك إلا إذا شعر السيسي بموقف دولي رافض عمليا لها، ويتمثل هذا الرفض في وقف المعونات والدعم الذي تقدمه بعض الحكومات لنظام السيسي، إذا كانت جادة بالفعل في دعمها واحترامها لحقوق الإنسان، وإذا كانت حريصة بالفعل على التخلص من الإرهاب.

رسائل النظام لمعارضيه ومناهضيه من خلال هذه الإعدامات والملاحقات والاعتقالات واضحة، والرد عليها ينبغي أن يكون بتوحيد الصفوف لمواجهتها، وهو ما تعجز عنه المعارضة المصرية حتى الآن، رغم أنها جميعا أصبحت مستهدفة بملاحقات النظام، وحتى إن كانت الإعدامات اليوم تطال فريقا من مناهضي النظام فإنها ستمتد لغيرهم غدا، كما تكرر الأمر من قبل في الاعتقالات والمطاردات والمصادرات.

التعليقات (0)