مقابلات

"عربي21" تحاور أسرة خالد سعيد عن ثورة يناير وحقوق ضحاياها

خالد سعيد قتل على يد الشرطة المصرية في عهد مبارك قبيل اندلاع ثورة يناير- أرشيفية
خالد سعيد قتل على يد الشرطة المصرية في عهد مبارك قبيل اندلاع ثورة يناير- أرشيفية
مصر لا تعتبر خالد سعيد "شهيدا" إلى الآن رغم اعتراف العالم به

الدولة لا تزال تبحث عن سبب وفاة خالد رغم مرور 9 سنوات على استشهاده

ثورة يناير تعرضت لخديعة ومؤامرات بأساليب شيطانية.. والجيش هو المسؤول الأول

الثورة المضادة تحاول سحق كل شيء له أي علاقة بثورة يناير

النظام لا يعتبر أي مواطن "شهيدا" سوى شهداء الشرطة والجيش فقط

نظام السيسي يرى شهداء الثورة المدنيين مجرد "رعاع" لا حقوق لهم

مصر بها الآلاف مثل خالد سعيد يتعرضون لصنوف مختلفة من التعذيب

لا صوت يعلو بمصر فوق صوت الديكتاتورية والفاشية ونعيش جمهورية الرعب والصمت

ندعو لتوحد الثوار وبلورة بديل مدني مقبول من الجميع سيسقط نظام السيسي

فرص التغيير أصبحت صعبة للغاية وتكلفتها عالية جدا ورغم ذلك فالتغيير قادم لا محالة

نظام السيسي هو أسوأ وأبشع وأفسد نظام جاء في تاريخ مصر كله

قالت أسرة الشاب المصري خالد سعيد، الذي يُوصف بـ "أيقونة ثورة 25 يناير" و"مفجر الثورة"، إنهم لم يحصلوا على أيّ حق من حقوقه حتى الآن، بل إن الدولة المصرية لا تعتبره "شهيدا"، ولم تستخرج له شهادة وفاة، مضيفة: "تم نفينا للخارج بطريقة أو بأخرى منذ نحو عام كي لا يكون لنا أي وجود في مصر السيسي".

وقبل اندلاع ثورة يناير بشهور قليلة، قُتل خالد سعيد في 6 حزيران/ يونيو 2010 بالضرب والتعذيب على يد أفراد من مخبري الشرطة المصرية. وأثار مقتله موجة غضب شعبية في مصر وردود أفعال من قبل منظمات حقوقية عالمية، وهو ما دفع البعض لاعتبار قتله بمنزلة الشرارة التي أشعلت فتيل الثورة.

وأكدت زهرة، شقيقة خالد سعيد، في الحلقة الأولى من المقابلة الخاصة مع "عربي21"، أن "ثورة يناير تعرضت لخديعة ومؤامرات بأساليب شيطانية".

وأشارت إلى أن "المؤسسة العسكرية هي المسؤول الأول والرئيس عما وصلنا إليه، لأنها كانت هي التي تحرك وتدير وتخطط وتدبر لكل ما كان يحدث عقب 25 يناير. وقد أتضح للجميع عداءها التام للثورة".

وشدّدت على أن "المعارضة الحقيقية في مصر تتعرض لقمع وسحق وفتك إن لم تكن تتعرض لما يُمكن وصفه بالإبادة النازية. فالآن في مصر لا صوت يعلو فوق صوت الديكتاتورية والفاشية، وأصبحنا نعيش بحق جمهورية الخوف والرعب والصمت".

وأوضحت زهرة أن هناك "الآلاف مثل خالد سعيد يتعرضون لصنوف مختلفة من التعذيب والقهر والإذلال والقتل والاغتصاب أحيانا، بينما لا أحد يعرف عنهم أي شيء في ظل ممارسات الدولة البوليسية التي ترتكب جرائم لا تخطر على قلب بشر".

وفي ما يلي نص الحلقة الأولى من المقابلة الخاصة:


هل ترون أن الدولة المصرية أوفت خالد سعيد وأسرته حقوقهم أم لا؟

بالقطع لا. فنحن لم نحصل أي حق من حقوقه على الإطلاق، وحتى شهادة الوفاة لم نحصل عليها حتى الآن. لأن سبب وفاته معروف للعالم أجمع بأنه قُتل جراء الضرب والتعذيب على أيدي رجال الشرطة، وهم لا يريدون الاعتراف بذلك مطلقا. حتى أنهم كتبوا في تصريح الدفن أن سبب الوفاة "قيد البحث"، وبعد مرور نحو 9 سنوات على استشهاده يبدو أنهم لازالوا يبحثون عن سبب وفاته، ويبدو أنه من المستحيل بالنسبة لهم الوصول لكيفية وفاته.

ومن المضحكات المبكيات، بل من عجائب الدنيا السبع، أن الدولة المصرية لا تعتبر خالد حتى الآن شهيدا، وبالتالي فكيف لها أن تعطيه هو أو أسرته أي حق من حقوقه. العالم كله اعترف أن خالد "شهيد" وأنه أيقونة ثورة يناير، وتم تكريمه في الخارج أكثر من مرة، لكن بلده مصر لم تعترف باستشهاده أو حتى بوفاته إلى هذه اللحظة، وتتنكر تماما لأي حق من حقوقه.

وقد طالبنا مرارا وتكرارا الدولة بعد ثورة يناير بضرورة تخليد اسم الشهيد خالد سعيد ووضعه على مسجد أو شارع أو مدرسة، لكن ضُرب عرض الحائط بما نطالب به.

وبطريقة أو بأخرى تم نفينا للخارج منذ نحو عام كي لا يكون لنا أي وجود في مصر السيسي؛ فقد اضطررنا للسفر لأمريكا لأسباب مختلفة منها تدهور الحالة الصحية لوالدتي، وقررنا عدم العودة إلى مصر مرة أخرى.

لكن رئيس المجلس القومي لرعاية أسر الشهداء والمصابين، اللواء محمد عبد المنعم، قال إن الدولة تسعى بكل ما أوتيت من قوة، لرعاية أسر الشهداء والمصابين رعاية كاملة، وسخرت كل إمكانياتها لهذا الغرض، وإنه في تواصل مستمر مع أسر الشهداء والمصابين.. ما تعقيبكم على هذه التصريحات؟

بكل أسف الدولة المصرية لا تعتبر أي مواطن "شهيدا" سوى شهداء الشرطة والجيش فقط، أما دون شهداء الشرطة والجيش فهم مجرد رعاع لا حقوق لهم. ولم يتواصل معنا أي أحد لا مما يسمى بالمجلس القومي لرعاية أسر الشهداء والمصابين أو غيره، ونحن لم نتواصل معهم لأننا ندرك جيدا حقيقة موقفهم من ثورة يناير وعدائهم غير المسبوق لها، ثم أنهم يتحججون بأول طلب لهم: أين شهادة الوفاة؟، وبعضهم قالوا لي سابقا إن الشهداء هم من ماتوا عقب 25 يناير 2011، أما جميع من قتلوا قبل الثورة فليسوا بشهداء. إلى أن وصلنا لمرحلة أن لا شهداء على الإطلاق لا قبل ثورة أو بعدها سوى شهداء الشرطة والجيش فقط.

كيف ترين ما وصلت إليه ثورة يناير في ذكراها الثامنة؟

أين هي هذه الثورة التي حلمنا بها، ودفعنا في سبيلها تضحيات بالدماء والأعمار؟ أين تلك الثورة التي سكنت في قلب ووجدان كل مواطن لا يريد سوى الخير لبلده وشعبه؟ وأين تلك الأحلام التي راودتنا في وقت من الأوقات؟ وأين هؤلاء الثوار الذي قاموا بأعظم ثورة في تاريخ مصر، وهي ثورة يناير ولا ثورة غيرها، فهؤلاء الثوار بين شهيد أو معتقل أو مختف قسريا أو مُطارد داخل أو خارج وطنه أو صامت في الوقت الراهن.

الثورة بالنسبة لي كانت بمثابة أجمل حلم عشته لفترة قصيرة للغاية ثم أفقت منه على أبشع وأسوأ كابوس لا يمكن لأحد أن يتخيله. الثورة بكل أسف لا وجود لها الآن إلا في صدور المؤمنين بها وأولئك الذين شاركوا فيها ولم ينقلبوا عليها.

بينما أنصار الثورة المضادة يحاولون بكل ما أوتوا من قوة القضاء تماما وسحق كل شيء له أي علاقة بثورة يناير سواء كان ذلك اسما أو رمزا أو حدثا أو غيره، ويسعون جاهدين لمحو ثورة يناير من تاريخ مصر لتصبح مرة أخرى عيدا للشرطة العظيمة، وكأن شيئا لم يحدث على الإطلاق وقتها.

وهل أفهم من حديثك الآن أنك تعلنين هزيمة ثورة يناير إلى الأبد وأنكم نادمين عليها؟


بالطبع لا. فلا يزال لدينا أمل كبير لم ولن يستطيعوا إجهاضه، ولاتزال الأحلام تراودنا من آن لآخر. ولا يمكن أبدا أن نرفع راية الاستسلام إلا مع وفاة آخر شخص فينا، وهذه هي طبيعة الثورات على مدار التاريخ. مد وجذر، صعود وهبوط، جولة لنا وجولة علينا. لكن لدي يقين بأننا حتما سنتجاوز قريبا تلك المرحلة البائسة التي تبدو فيها الثورة مهزومة ومأزومة.

الأمل والحلم سيظلان داخل وجداننا وصدورنا، ولن نتخلى عنهما مهما كانت التضحيات، ومهما كانت الضربات مؤلمة وموجعة لأبعد مدى، فالثورة فكرة والأفكار لا تموت، والثورة حلم وحق مشروع لا يعرف الخضوع طالما أن هناك من لا يزال مؤمنا بتلك الأفكار، وطالما أن هناك من يطالب بالتغيير والحرية والكرامة، واعتقد أنهم لم ولن يستطيعوا القضاء على هذه المطالب، وإلا فأنهم سيقضوا على شعب بأكمله.

من المسؤول عما آلت إليه ثورة يناير؟

الجميع مسؤول عما آلت إليه الثورة. لقد تعرض الجميع لخديعة بأساليب شيطانية، وتعرضنا لمؤامرات مختلفة سواء من الجيش أو جماعة الإخوان أو فلول المخلوع حسني مبارك. وحدثت الفرقة بين الثوار وخلقوا لنا عشرات الائتلافات والكيانات التي صنعوها على أعينهم، إلى أن وجهوا ضربات وطعنات غائرة في صدر الثورة.

وأرى أن المؤسسة العسكرية هي المسؤول الأول والرئيس عما وصلنا إليه، لأنها كانت هي التي تحرك وتدير وتخطط وتدبر لكل ما كان يحدث عقب 25 يناير. وقد اتضح للجميع عداءها التام للثورة.

هل توقعتم أن تصل الثورة إلى ما وصلت إليه الآن؟


حقيقة لم نتوقع هذه النتيجة على الإطلاق؛ فقد كنا حالمين أو بالأحرى ساذجين بأن الثورة بعد خلع مبارك نجحت، وأنها هي التي ستحكم، وستتغير أوضاع بلادنا بل والمنطقة كلها للأفضل. كانت لدينا آمال عريضة في سابع سماء، لكن سرعان ما تبخرت تلك الآمال وأصبحت في سابع أرض.

برأيك: ما هو أكبر خطأ وقعت فيه ثورة يناير؟

الانقسام والفرقة والتشرذم والتحزب. وأسرة خالد سعيد كانت حريصة على ألا تشارك في الانضمام لأي حزب أو تجمع سياسي بعينه، لأننا كنا نرى أن الشهيد خالد ليس قضية حزبية أو سياسية بل هو قضية وطنية بحتة.

وماذا عن أداء المعارضة الآن؟

لا أرى أي معارضة حقيقة الآن، بل هي معارضة كارتونية مصنوعة كمظهر فقط أمام العالم. أما المعارضة الحقيقة والفعلية فهي تتعرض لقمع وسحق وفتك إن لم تكن تتعرض لما يُمكن وصفه بالإبادة النازية. الآن في مصر لا صوت يعلو فوق صوت الديكتاتورية والفاشية، وأصبحنا نعيش بحق جمهورية الخوف والرعب والصمت.

هناك محاولات وجهود جديدة تُبذل الآن بغرض اصطفاف جميع قوى المعارضة.. كيف ترى أسرة خالد سعيد تلك الدعوات؟ وما موقفكم منها؟

نأمل أن تنجح تلك الجهود وتؤتي ثمارها، لأن التوحد وبلورة بديل مدني مقبول من الجميع هو الشيء الوحيد الذي سيكون قادرا على مواجهة النظام ثم إسقاطه في مرحلة لاحقة، لكني للأسف غير متفائلة كثيرا ولا أعول على مثل تلك التحركات، لأن النظام يعمل على وأد مثل تلك المحاولات والقضاء عليها في مهدها وقبل أن تُولد.

وبالتالي هل أصبحت فرص التغيير معدومة؟

فرص التغيير أصبحت صعبة للغاية، وتكلفتها عالية جدا، ومن ينزل للشارع الآن مصيره معروف للكافة، ثم يزعم رأس النظام أن مصر لا يوجد بها معتقل سياسي واحد. هذه قمة العبثية والكوميديا السوداء.

هذا أسوأ وأبشع وأفسد نظام جاء في تاريخ مصر كله، وفي المقابل هو أعظم وأفضل نظام جاء كخادم لمصالح إسرائيل وأسياده في الخارج، لأن هذا النظام ينفذ طلبات وأوامر وأحلام الصهاينة وأسياده حتى دون أن يطلبوا هم أي شيء أو قبل أن يفكروا في أي شيء، وقد قدّم لهم خدمات ومصالح جليلة، ولم يتوقعوا مطلقا أن يأتي نظام مصري خادم لهم كهذا.

ورغم ذلك فالتغيير قادم لا محالة، لكن ملامح هذا التغيير لا أستطيع قراءتها أو تحديد موعدها.

خالد سعيد الذي كان شرارة لاندلاع ثورة يناير مات جراء التعذيب.. فكيف ترون واقع التعذيب في مصر حاليا؟

هناك الآلاف مثل خالد سعيد يتعرضون لصنوف مختلفة من التعذيب والقهر والإذلال والقتل والاغتصاب أحيانا، بينما لا أحد يعرف عنهم أي شيء في ظل ممارسات الدولة البوليسية القمعية التي ترتكب جرائم لا تخطر على قلب بشر، وفي ظل منع وحجب ومطاردة أي إعلام مهني وحر، مثلما حدث مع الباحث الإيطالي جوليو ريجيني وغيره الكثير والكثير. والتعذيب كان ولازال هو الجريمة الأكثر بشاعة التي يرتكبها أي نظام.
التعليقات (0)