قضايا وآراء

السياسة الخارجية العُمانية: التوازن الصعب (1)

هاني البسوس
1300x600
1300x600
إن السعي إلى الحفاظ على المصالح الوطنية وتعزيز العلاقات الدولية يعتمد على السياسة الخارجية للدول، والتي هي الأداة الرئيسة التي تستطيع من خلالها تحقيق مصالحها وتعزيز علاقاتها. وتعكس سلطنة عُمان نموذجا رائعا في تجسيد روح التعاون والعلاقات الطيبة، كما تُمثّل واحة من الهدوء والطمأنينة في الوقت الذي تسود فيه التحديات والصراعات في مناطق عديدة من العالم. ومن النادر أن تحتل سلطنة عُمان العناوين الرئيسية للصحافة الدولية.

ويبدو أن السياسة العُمانية لا تختلف عن خصائص شعبها، حيث الوفاق العُماني، والصورة الإيجابية، وحالة الهدوء والسكينة. وقد أظهرت السياسة الخارجية العُمانية اتجاها ثابتا ومستمرا، بخلاف العديد من دول الشرق الأوسط، حيث إن الشخصية الكاريزمية والحكمة التي يتمتع بهما سلطان سلطنة عمان، السلطان قابوس بن سعيد، لها الأثر الأكبر في هذا الاتجاه. ولقد جسّد الخطاب السياسي العُماني موقفا سياسيا عمليا تجاه الأزمات الإقليمية والدولية، حيث تقود السياسة الخارجية العُمانية المنطقة نحو الاستقرار والهدوء اعتمادا على الحياد الإيجابي، ودبلوماسية الوساطة، والتركيز على الحلول السلمية في حل الصراعات، خاصة أن السلطنة تتمتع بموقع جغرافي واستراتيجي بين الخصوم الرئيسيين في منطقة الخليج.

إن هذه الحالة التي تتمتع بها السلطنة تدفع إلى التفكير في العديد من الأسئلة، خاصة حول المحددات أو العوامل الحاسمة الكامنة وراء تَفَرُّد سلطنة عُمان بفلسفة خاصة من الحياد والموضوعية القائمة على الواقعية، فضلا عن قيمها وتقاليدها الثقافية القائمة على التسامح وبناء السلام للوصول إلى حالة من التوازن والانسجام مع دول العالم، تحديدا مع جيرانها.

تعتمد السياسة الخارجية العُمانية على "الدبلوماسية الماهرة" القائمة على توازن المصالح، ودرء المفاسد والخلافات، والسعي لتحقيق منافع متبادلة، حتى أثناء الصراعات، حيث استطاعت سلطنة عُمان كسب حلفاء فقط بدون أعداء اعتمادا على الفكر "البراغماتي" الذي جسده السلطان قابوس بن سعيد باعتبار هذا الفكر العقيدة الوحيدة لبلاده. فقد لعب السلطان قابوس الدور الأكبر في تحقيق سياسة التوازن وعدم الانحياز في بلد يمكن أن يوصف بالتواضع الاقتصادي والعسكري رغم حالة التفوق والتنمية الاقتصادية التي قادها قابوس في ما يعرف بـ"النهضة العمانية". هكذا ابتعدت السلطنة بقيادة قابوس بن سعيد عن الخصومات السياسية والصراعات التي قد تؤثر سلبا على التنمية. وقد تشكلت السياسة الخارجية العُمانية وفقا لمجموعة من الثوابت والبيانات التي تمكنت من خلالها السلطنة تشكيل إيقاع الدبلوماسية العُمانية التي تحرص على إقامة علاقات ودية مع دول العالم وتعزيز علاقات حُسن الجوار، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين واحترام القوانين والمواثيق والأعراف الدولية.

يعتبر السلطان قابوس أحد أهم عوامل نجاح السياسة الخارجية العُمانية، حيث شخصية السلطان ورؤيته الداخلية والدولية للسلطنة هي المفتاح لبناء الدولة الحديثة. نجح قابوس في إزالة العزلة والقيود المفروضة على السلطنة وأقام علاقات دبلوماسية مع العديد من دول العالم. ويُعزى نجاح الدبلوماسية العُمانية إلى سياسة السلطان وتوجيهاته البراغماتية، حيث تقدير الأمور على أساس الواقع والتوازن والحكمة والاعتبار والنظر إلى العواقب السياسية واعتماد مبدأ الوعي والعقلانية. لذلك، يتمتع السلطان قابوس بعلاقات جيدة مع دول الخليج وإيران والولايات المتحدة الأمريكية. ولم يتخذ مواقف متطرفة مع دولة ضد أخرى، لكنه تبنى سياسة حيادية كصيغة للفوز بدعم كل الدول ضمن خطته لحماية السلطنة على المدى البعيد. وعلى عكس دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، تمكن من بناء علاقة جيدة مع إيران، وذلك لم يؤثر على علاقة السلطنة بالولايات المتحدة الأمريكية، بل نجحت عُمان بأن تكون قناة التواصل ومحطة للمفاوضات الأمريكية الإيرانية، مما نتج عن ذلك الاتفاق النووي الإيراني عام 2015م.
التعليقات (0)