سياسة عربية

الإفتاء المصرية تبيح تجسيد الصحابة.. لماذا خالفت الأزهر؟

داعية مصري: الازهر يقف حائط صد ومانعا قويا ضد محاولات العسكر لتمييع وتشويه الهوية الإسلامية- أ ف ب/ أرشيفية
داعية مصري: الازهر يقف حائط صد ومانعا قويا ضد محاولات العسكر لتمييع وتشويه الهوية الإسلامية- أ ف ب/ أرشيفية
أثارت فتوى لدار الإفتاء المصرية عن تجسيد الصحابة وأمهات المؤمنين في الأعمال الدرامية حالة من الجدل حول القضية الفقهية التي تشهد من آن لآخر في مصر وبعض البلدان العربية والإسلامية تصاعدا ثم هبوطا.

وقالت الصفحة الرسمية لدار الإفتاء، على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، إنه "إذا أُظهِرُوا بشكل يناسب مقامهم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنهم خيرة الخلق بعد الأنبياء والمرسلين فلا مانع من تمثيلهم إذا كان الهدف من ذلك نبيلًا؛ كتقديم صورةٍ حسنةٍ للمشاهد، واستحضار المعاني التي عاشوها، وتعميق مفهوم القدوة الحسنة من خلالهم".

وشددت على الالتزام بخمسة ضوابط هي: "الالتزام باعتقاد أهل السنة فيهم؛ من حبهم جميعًا بلا إفراط أو تفريط"، و"التأكيد على حرمة جميع الصحابة؛ لشرف صحبتهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، والتوقير والاحترام لشخصياتهم، وعدم إظهارهم في صورة ممتهنة، أو الطعن فيهم والاستخفاف بهم والتقليل من شأنهم"، و"نقل سيرتهم الصحيحة كما هي، وعدم التلاعب فيها"، و"الاعتماد على الروايات الدقيقة وتجنب الروايات الموضوعة والمكذوبة"، و"تجنب إثارة الفتنة والفرقة بين الأمة الإسلامية".

وأكدت أنه "يُستَثْنَى من هذا الحكم: العشرة المبشرون بالجنة، وأمهات المؤمنين، وبنات المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وآل البيت الكرام؛ فلا يجوز تمثيلهم".

الفتوى، تأتي في ظل دعوات من رأس النظام وأذرعه الإعلامية بتجديد الخطاب الديني بمصر والذي يتحفظ عليه الأزهر الشريف، كما تأتي في ظل هجمة علمانية على ثوابت الشريعة الإسلامية والسنة النبوية والحديث عن قضايا خلافية وتشويه شخصيات تاريخية وإسلامية مثل البخاري ومسلم، والصحابي والقائد المسلم خالد بن الوليد، وصاحب "حطين" صلاح الدين الأيوبي، وغيرهم.

 

وفي بداية الشهر الجاري، شن وزير الثقافة الأسبق الدكتور جابر عصفور، هجوما على الأزهر واتهمه عبر فضائية "ten"، بالتعصب والجمود لرفضه الموافقة على تجسيد الأنبياء والصحابة بالدراما.


وكتب الصحفي والإعلامي المصري إبراهيم عيسى، المثير للجدل بكتاباته عن كبار الصحابة وأم المؤمنين عائشة، رواية "رحلة الدم.. القتلة الأوائل"، التي تبنّى فيها أسلوب نزع القداسة عن الصحابة ناقلا آراء الفرق الضالة.

كما تأتي الفتوى بالوقت الذي لا يقبل فيه مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف والمجامع الفقهية بالدول الإسلامية مثل مجمع الفقه الإسلامي بمنظمة التعاون الإسلامي، وهيئة كبار العلماء بالسعودية، والمجمع الفقهي بمكة المكرمة التابع لرابطة العالم الإسلامي؛ تجسيد الأنبياء والصحابة وأمهات المؤمنين بالدراما بشكل نهائي.

 

اقرأ أيضا: الأزمة الدستورية في الفكر الإسلامي.. أصلها ومساراتها

وفي 30 حزيران/يونيه 1999، أفتى مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف ودار الإفتاء المصرية بعهد شيخ الأزهر السابق جاد الحق على جاد الحق، بحرمة التمثيل وقال: إن "عصمة الله لأنبيائه ورسله من أن يتمثل بهم شيطان مانعة من أن يمثل شخصياتهم إنسان ويمتد ذلك إلى أصولهم وفروعهم".

وفي تجديها لفتواها عام 2014، قالت دار الإفتاء: "نربأ بالشخصيات الدينية التي لها من الإجلال والاحترام أن تقع أسيرة رؤية فنية لشخصية الكاتب يفرضها فرضا على المتلقي، بما يغير حتما من تخيل المتلقي لهذه الشخصيات والصورة الذهنية القائمة عنده حولها، ويستبدل بها الصورة الفنية المقدمة".


وحول دلالات إعادة نشر الفتوى بهذا التوقيت، يرى الأستاذ بجامعة الأزهر ياسر محمد، أنها تأتي في إطار الحملة المستعرة الكبيرة والخطيرة سواء من الداخل والخارج على الإسلام وثوابته وأصوله ورموزه وأيضا للتقليل من دور الأزهر.

أستاذ الشريعة الإسلامية، أكد لـ"عربي21"، أن "هذه الفتوى من بين ما تهدف إليه هو زوال قيمة ومكانة الصحابة الكرام ونزعها من قلوب المسلمين عبر أناس لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة".

وأضاف: "كما يهدفون إلى التقليل من شأن الدين بمجتمع يوصف بأنه متدين بطبعه، وذلك عبر إظهار بعض المواقف التاريخية في الإسلام والتي يوجد فيها خصومة سياسية أو تظهر بعض الصحابة الكرام بمظهر لا يليق بهم أو بما وقر في قلوب المؤمنين".

وتابع: "وبالتالي فإن الهدف واضح؛ ولكن المشكلة هنا هي ظهورها من علماء ينتسبون إلى الأزهر ذو المكان الدينية المعروفة مما يترتب عليه تدمير القيم والثوابت عند العامة وبعض المثقفين أو أنصاف المثقفين"، مشيرا إلى أن هناك الكثير مما يحاك في الغرف المغلقة ضد هذا الدين".

 

اقرأ أيضا: قراءة معاصرة في حقيقة "الخلافات السياسية بين الصحابة" 1من2

وربط الأكاديمي الأزهري، بين تلك الفتوى وبين حملة تجديد الخطاب الديني التي يتبناها النظام في مصر، وأضاف: "هو ليس تجديدا للخطاب الديني كما يظهر؛ ولكنه تدمير وتمييع للمفاهيم والثوابت وبايعاز من النظام بل هي خطة محكمة ولكن مسعاهم سيخيب بدور من الإعلام الشريف والأزهر وعلماءه الثقات".

وقال البرلماني والقيادي السابق بجماعة الإخوان المسلمين، محيي عيسي، إن "هناك اتجاها بالدولة المصرية لتجديد الديني وهو لا يعني الاجتهاد الفقهي ولكن تقديم دين جديد يناسب التوجه الأمريكي الصهيوني"، مضيفا لـ"عربي21": "وعلى هذا تتم محاولة تحطيم الثوابت، وهذا ما يهدف له النظام العالمي وتنفذه بمصر الآن عبر حملة ممنهجة لطمس الهوية، وأظن أنها لن تنجح لوجود الأزهر وطبيعة الشعب المصري".

وشاركه الرأي الداعية الأزهري، الشيخ سامح الجبة، مؤكدا أن "الأزهر له مكانة كبيرة في نفوس المسلمين عامة والمصريين وهو بمناهجه وعلمائه الشرفاء الذين لم يتلوثوا من العسكر وهم حائط صد ومانع قوي ضد محاولات العسكر لتميع وتشويه الهوية الإسلامية".

الإمام المصري بالمشيخة الإسلامية بدولة الجبل الأسود، قال لـ"عربي21": "يريد العسكر أن يفتت الصف الأزهري مستخدما أذرعه الدينية ومشايخ مثل علي جمعة، وخالد الجندي، وسعد الهلالي، وأسامة الأزهري، الذين ينفذون توجهات العسكر الهادفة لتمييع الهوية الإسلامية".

التعليقات (0)