كتاب عربي 21

أزمة ثقة (2-2)

عبد الرحمن يوسف
1300x600
1300x600
في أزمة الثقة، يتحسس الكاتب كلماته قبل أن يضعها على السطور!

فالكاتب مهما فعل لا يثق في قدرته على توصيل مراده أصلا في هذا الجو من التربص، والقارئ يشك في كل النخب والرموز، وما أكثر أصحاب الأغراض والأمراض الذين يشوشون رؤية القارئ، ويسيئون للكتّاب المستقلين الذين لا غرض لهم سوى مصلحة الأمة.

ويبدو أن ما عندي من الأسئلة في هذا الشأن أكثر مما عندي من الإجابات!

رائحة التخوين تزكم الأنوف، ونظرات الشك تنفذ في الجُمل والحروف كسهام مسمومة.

ألتمس بعض العذر لهؤلاء الذين يشكون في كل شيء، فالأقنعة التي سقطت بعد ثورات الربيع العربي، ثم بعد هجمة الثورات المضادة، لا يمكن الاستهانة بتأثير سقوطها.

أعرف أناسا كانوا يقدسون أشخاصا من أمثال "إبراهيم عيسى" على سبيل المثال، وهم الآن يعتبرونه شيطانا رجيما.

لقد سقطت أقنعة كشفت أفرادا كنا نظنهم كبارا، وأخرى كشفت جماعات كنا نظنها إصلاحية، وأخرى كشفت دولا كنا نظنها شقيقة، بل امتد الأمر لنصل إلى مرحلة انكشاف حقيقة تحالفات دولية براجماتية وقفت مع الاستبداد وأيدته على جثث ملايين البشر (وهي تتغنى بحقوق الإنسان منذ قديم الأزل)... لذلك لا نستهين بأسباب الشك ودوافع انعدام الثقة.

ولكن... لا يمكن أن تصبح الحياة مجموعة شكوك لا يقين فيها، ومن يظن أن العمل السياسي ليس إلا تفسيرا لكل شيء بمؤامرة ما فهو شخص لا يصلح لهذا العمل، أيا كان موقعه!

* * *

في إحدى المرات كنت مع أحد أصدقائي الكتّاب الذين يفسرون كل شيء بمؤامرة لها هدف، وهو يسخر من أمثالي الذين يتعبون أنفسهم بالقراءة والجهد ليصلوا إلى تحليل سياسي متزن.

كنا نتحدث عن حادثة معينة، فأبدى رأيه بكل ثقة: "هذه الحادثة صنعتها المخابرات، بهدف الإلهاء عن حدث أكبر، وهي في صالح النظام لسبب كذا وكذا، ومن لا يرى ذلك فهو أعمى". في الوقت نفسه، يثق هذا الكاتب ثقة تكاد تكون عمياء في شخصية تبين لاحقا أنها لا تستحق مثقال ذرة من ثقة.

ملأ أحدهم الدنيا بقصص تتعلق بملك السعودية "سلمان" في بداية عهده، وكيف أنه بكى بسبب انقلاب مصر، وأبدى ندمه بسبب عزل "مرسي"، واستمر هذا الرجل أسابيع وأسابيع يروج لهذه الروايات العجيبة، ومن خلفه جوقة (بينها هذا الصديق العزيز الذي يحاورني)، ثم تبين في نهاية المطاف أن كل هذا الكلام مجرد أوهام، لم تحدث أصلا!

هذا الصديق الذي يشكك في كل شيء، وكل الكُتّاب في نظره خونة أو قصيرو نظر، ما زال حتى اليوم يثق في هذا الشخص الذي تبين أنه مجرد بائع أوهام، وجامع "لايكات" لا أكثر!

هل نثق في الذين يقولون لنا ما نرغب؟ هل نثق في السياسيين الذين يتبعون اتجاهاتنا السياسية؟ حتى لو كذبوا علينا؟ هل الثقة مكافأة نعطيها لمن نحب؟ أم هي نتيجة تحدث بعد اختبار دقة وصدق الآخرين؟

* * *

أحداث ثورة يناير بدأ تزويرها من بعض ممن شاركوا فيها بعد سقوط مبارك مباشرة، فأصبح هناك بعض الذين يحاولون أن يضخموا أدوارهم – شخصية كانت أو حزبية – لكي يثبتوا أنهم الثوار، والدافع واضح إذسيترتب على ذلك حصة أكبر من الغنائم.

الغريب في الأمر أن غالبية الثوار ارتكبوا هذه الخطيئة، وما زلنا حتى اليوم نرتكبها، فالإخوان لم يلتحقوا بالثورة إلا متأخرا (حسب الرواية الليبرالية)، والإخوان هم الذين حموا الميدان في موقعة الجمل، ولولاهم لفشلت الثورة (حسب الرواية الإخوانية).. وقس على ذلك الأحداث كلها، (أؤكد على أنني لا أرجح بين الروايات، أنا أضرب أمثلة لا أكثر).

وبعد موجة الثورة المضادة... أصبحت كل أحداث الثورة من أولها لآخرها مؤامرة لا هدف لها سوى هدم الوطن!

ومع ذلك... ما زال الطرفان يتصارعان حول دقة رواية كل منهما، متناسين الرواية الأمنية التي تنسف الثورة من أساسها.

إن تزوير التاريخ (الذي صنعناه بأيدينا، وشارك فيه ملايين المواطنين) يجعلنا نشك ونفقد الثقة في كل تاريخنا من أول الزمن.

هل نحن أمام شك في الماضي؟ الماضي بما فيه الهوية والكينونة؟ الماضي بما فيه من أسس فكرية عقائدية يقوم عليها بنياننا الإنساني اليوم؟ الماضي بمسلماته الدينية والأيديولجية والقومية؟

* * *

حين نرى في التلفاز تسريبات لكبار رجال الدولة يرتكبون جريمة الخيانة العظمى دون أن يرف لهم جفن، نشعر بغصة، ولكن نشعر أيضا بانعدام الأمن، وبانهدام الثوابت (الوطنية، والشخصية أيضا).

لقد مرّت الشعوب العربية في دول عديدة بهذه التجربة خلال السنوات الأخيرة، في مصر، واليمن، وليبيا، وسوريا، وغيرها.

هذا العمالة الواضحة الصفيقة تجعلنا أمام شك في الحاضر!

هل نحن أمام واقع حقيقي؟ أم أن الواقع كله مزيف؟ هل هذه دولنا؟ هل هؤلاء الحكام من بني جلدتنا؟ هل هم جواسيس لأعدائنا بالفعل؟ ما تفسير كل هذه الخيانات والبراميل المتفجرة والمعتقلات والتهجير القسري.. الخ؟ هل تدير الدول العظمى عالمنا كله ولا مجال للفكاك من هذا القدر المحتوم؟

* * *

أعتقد أننا نشك في كل هذه الأشياء!

نحن لا نملك ثقة في أنفسنا، ولا في رموزنا (أشخاص وجماعات)، ولا نثق في ماضينا وتاريخنا، ولا نملك الحد الأدنى من الثقة في حاضرنا... وبالتالي تكون النتيجة المنطقية أننا لا نملك حيال مستقبلنا سوى مجموعة من الشكوك المتراكمة المتراكبة!

ما الحل؟ كيف نتجاوز أزمة الثقة؟

قد يملك الكاتب بعض الحلول، وقد يستطيع أن يعطي ما عنده من رؤى في الأمر، ولكن في هذا الشأن لا بد أن يتفاعل القارئ مع الكاتب!

أتمنى من القراء الأعزاء أن يدلوا بآرائهم في الموضوع... مع وعد بالعودة إليه في وقت قريب.

* * *

في الذكرى الثامنة لثورة يناير ما زال أهل الميدان (وما يجمعهم كثير) يتصارعون على هراء، وما زال من حاصر الميدان وهاجمه بالجمال يحافظ على اصطفاف جماله!

سينقلب السحر على الساحر، فالتغيير لا مناص منه، وستنتصر الثورة ولو بعد حين، وسيستبدل الله هذه النخب بشباب يتحمل مسؤوليته الوطنية، ويدرك كيف تدار الدول.

موقع الكتروني: www.arahman.net
بريد الكتروني: [email protected]
التعليقات (1)
محمد إدريس
الخميس، 24-01-2019 09:37 م
مجرد رأى ستجابة لدعوة كاتب حر بعد التحية والتقديروقبل ذلك وبعده الاحترام إذا راجعنا الى الجزء الأول من المقال المتعلق بلقاء السفاح مع واجهة أعلامية غربية تلتزم بمعايير صحافة عالمية فالأشكالية ليست في جدية الاسئلة من عدمها ولكن الأشكالية تكمن في (اللقاء نفسه بحد ذاته) مع سفاح دموي لقد استفاد من اللقاء بأكثر بكثير من استفادة القناة فهو كسفاح مرتكب جرائم ضد الانسانية بجلوس أمام شاشة تناقشة في تأويله للسلطة وتسائله عن رأيه في ما يقول عنه ضحاياه هو نوع من التطبيع يصل لحد قضية تأويل استخدام العنف، فهكذا سفاح مغتصب للسلطه بإنقلاب عسكري مدعوم بتمويل أقليمي يجب ان يطارد من محاكم النظام الدولى الجنائية ويحاصر في وكره الاجرامي لايغادره الى أى مكان في العالم أما عن أزمة الثقة فأوافقك على رؤيتك الواضحه لها ولكن متى كان في العمل السياسي ناهيك عن الثورى غياب لهذه الاشكالية ؟ وما الحاجة الى أن تثق في أوأثق فيك أو يثق زيد فى عمر متى كان هناك مرجعية دستورية وقانونية يتساوى أمامها الجميع وصندوق أقتراع ديمقراطي يستطيع الناس من خلاله أن يحدودو بمطلق حريتهم من يملك كفائة مواجهة الحاضر والتقدم للمستقبل عن قناعة ورضى والاهم من ذلك أن يمتلكوا الحق وبوسائل ديمقراطية على تعديل مساره أو عزله أن اشكالية الثقه من عدمه تتعلق بنوع الخطاب الذى يتعاطى مع تكوين بنية الدولة ولأن النظام لم يسقط فقد كان من الطبيعي والغريزي أن يإجج الاختلاف الاستقطابي بكل الطرق لتكون أزمة الثقه أحد عوامل تمكينه . الأشكالية أن حدث 25 يناير الشعبي الثوري وبعد مرور بضع سنين على لازال على الحقيقة لايوجد تعريف له فهو حدث صنعه شعب متخطي لبنية وعى نخبه تغرة الدفرسوار وثغرة 30يونيو كسر عجلة الديمقراطية كان هو الهدف الاساسي لانقلاب يونيو فلم يكن يعقل أن تترك قوى الهيمنة على ل100 مليون أنسان فى قلب الشرق الأوسط أمكانية صناعة القرار السياسي في دولة ديمقراطية وهي تعلم علم اليقين أن في هذا نسف مبين لمعظم مصالحها ورغم أن نظام الكامب الصهيوني عجز عن فك شفرة الحدث الا انه أدرك على الفور خطورته لهذا سايره ثم أقتبس من أثره ما صنع به حدث موازي في مظهره يشكل به ثغرة أختراق كما هى ثغرته في مواجهة انتصار سابق صنعه أيضا شباب هذا الشعب في ميدان قتال توفرة له فيه نسبه ضئيلة من أمكانية وعزم قيادة 25 يناير حدث لايزال يحدث كان من معالم تحصين الحدث الواضحه هى وسعه للمشاع بين جماهير الشعب وهذا المشاع ولايزال ، حصن الحدث وثغرته فى ذات الوقت ، فمن ناحية مشاع الحدث هو السبب المباشر لاستحالة الاحاطه به من النظام المدعوم بقوى الهيمنة العالمية والدعم الأقليمى غير المشروط فحدث على هكذا تكوين ليس له رقبه يخنق منها ولاجسد يتم أغتياله ولاصاحب يتم رشوته ، ولكن من جهة أخرى وبسب هذا المشاع ذاته يفتقد للمناورة السريعه لاعتماده بالاصل على الحشد فى الميادين بدون الاعتماد على قيادات قابضة على ناصية الشرعية الثورية فجوهر الحدث ميدان وشهيد ومن هذه الزاوية يمكن الانتباه الى علامة من علامات الحدث تلك العضوية بين نبض الشارع ومسار بنية الوعى الثورى فيه ، وهذا ما قرأ فيه النظام وداعميه " ثغرة الحدث "لقد تم رصد قوة الحدث كما يتم رصد قوى الزلازل ولكن بمقياس الحشود ؛ وعليه فقد رصد النظام استجابة القوى السياسية لخيار الاذعان بين شفيق ومرسى كعلامة الانزياح بين الشرعية الثورية وممثليها فى الميادين إدركت المؤسسة العسكرية ومن "ورائها " مبكراً استحالة الوقوف أمام الإرادة الشعبية فيما تجمع على رفضه وفى نفس الوقت ملاحظة أختلاف القوى المنتمية للحدث وتباين ما يطرح فيما بينها لما يجب القبول به لهذا كان الوهن الذى بدا بالقبول بالاذعان بخيار المفاضله بين شفيق ومرسى هو المؤشر الحاسم لتفعيل الاستقطاب بكل طاقة دوليب دولة المخلوع وبنيتها البروقراطية وشبكة مصالحها المتشابكة مع طبقة الكامب المسيطره على الاقتصاد داخلياً، و المدعوم دولياً وأقليمياً ، لقد كان خيار الاذعان بين مرسى وشفيق هو ببساطه اقرار بحاكمية المؤسسة العسكرية ووصياتها على الحالة المدنية بصرف النظر عن نتيجة الانتخاب وهذا رغم أنه يتناقد اصولياً مع جوهر حدث 25 يناير الثورى الشعبى ولكنه في نفس الوقت نتاج له كمرحلة أولى تمهد لنزع قناع المؤسسة العسكرية الوطني من فوق وجهها العميل على الحقيقة الاستراتيجية كقوى احتلال بوجه فرعونى وكيان صهيوني