سياسة عربية

السلفية الجهادية بين تجاذبات العقدي والسياسي.. كيف توازن؟

العرجاني وصف السلفية الجهادية التي تكفر العلاقات السياسية مع الدول بأنها "تيار الغلاة والخوارج"- أرشيفية
العرجاني وصف السلفية الجهادية التي تكفر العلاقات السياسية مع الدول بأنها "تيار الغلاة والخوارج"- أرشيفية

تتبنى حركات السلفية الجهادية رؤى عقائدية صارمة، تنعكس بشكل مباشر على ممارساتها السياسية، فيتراوح أداؤها السياسي، بين سلوك يوصف بالتشدد والغلو، وآخر يسعى أتباعه لإقامة التوازن بين العقدي والسياسي على تفاوت بين أتباعه في الموازنة بينهما بحسب باحثين. 


وغالبا ما تقفز مسألة الولاء والبراء إلى الصدارة حين محاكمة الأداء السياسي لتلك الحركات، ففي الوقت الذي يصر فيه من يوصفون بـ"أهل الغلو" على تكفير وتخوين أي اتجاه إسلامي يقيم علاقات مع أية دولة إقليمية باعتباره سلوكا قادحا في العقيدة، تجيز اتجاهات أخرى ذلك بحذر شديد وبضوابط يحددها شرعيوها وأهل الرأي فيها. 


اتجاهات متعددة ومختلفة


ووفقا للداعية السلفي المغربي، حسن علي الكتاني فإن "السلفية الجهادية ليست اتجاها واحدا، بل يندرج تحتها اتجاهات متعددة ومختلفة، ففي صفوفها اتجاه متشدد، يصنف على أنه من أهل الغلو، وفيها اتجاه آخر يحاول قدر الإمكان أن يكون معتدلا، وفيها من يريد مواجهة العالم بأسره، وبعض اتجاهاتها تسدد وتقارب في ممارساتها السياسية بما ترى أنه يحقق المصلحة". 


وأضاف الكتاني لـ"عربي21": "أما المتشددون وأهل الغلو الذين يريدون مواجهة العالم، فقد امتحنوا رؤيتهم، واختبروا تجربتهم التي باءت بالفشل الذريع، وانهار كل ما كانوا يتغنون به، على عكس الاتجاهات الأخرى من السلفية الجهادية التي تحاول قدر الإمكان أن تكون معتدلة  فها هي تسدد وتقارب بحسب تقديرات كل حركة من حركاتها". 


وتابع: "لقد أتيحت الفرصة لأتباع التيار المتشدد لتسلم مقاليد السلطة، والإمساك بزمام السلطة في مناطق جغرافية واسعة، لكنهم فشلوا في إدارة الصراع، وآلت تجربتهم إلى سقوط دولتهم، وما ذاك إلا لعجزهم عن التوفيق بين متطلبات العقيدة والسياسة، والأخطاء الفادحة في إنزال كثير من القضايا العقدية على الواقع".


ولفت الكتاني إلى أن "ممارسة السياسة وإن كان الجانب العقدي حاضرا فيها بقوة، فإنه ينبغي النظر إلى كثير من قضاياها من زاوية مصلحية، ويتم التعاطي معها بمنظور فقهي، فيراعى فيها تحصيل خير الخيرين، ودفع شر الشرين، أي تحصيل أعلى المصلحتين، ودفع أعظم المفسدتين". 


وحول إقدام بعض حركات السلفية الجهادية على إقامة علاقات تعاون مع دول إقليمية في المنطقة، ذكر الكتاني أنه "لا بد من البحث عن الدول التي تتقاطع مصالحها مع مصالح تلك الحركات من غير أن يؤثر ذلك على أصولها العقدية"، مشيرا إلى أن "بعض الحركات الجهادية في سورية أقامت علاقات مع دول خليجية معروفة". 


تكفير وتخوين وحذر شديد


من جهته أوضح الداعية الكويتي، أحد القيادات الشرعية السابقة في "جبهة النصرة"، علي العرجاني، أن "في السلفية الجهادية كما تسمى اليوم تيارات مختلفة، فمنهم من يرى العلاقات السياسية مع الدول كفرا وعمالة، وهذا تيار الغلاة والخوارج" على حد قوله. 


وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول: "وقد سقط هذا المنهج، وانكشف تماما في سورية، وهو لا يمثل الحركة السلفية الجهادية، وإنما هو جيل نشأ في ظل الحركة الجهادية المحاربة دوليا"، مضيفا: "والأصل في السياسة والعلاقات الدولية أنها تؤخذ من أحكام الإسلام، وما جاء في كتب السير والمغازي وغيرها".


وردا على سؤال بخصوص نظرة حركات السلفية الجهادية إلى مسألة الموازنة بين العقدي والسياسي، وكيفية إعمالها في ممارساتها السياسية، قال العرجاني، المعروف بـ"أبي الحسن الكويتي" إن "هناك تباينا واختلافا بينها في ذلك، وهي ظاهرة بشدة اليوم في الساحة السورية، ويمكن رصدها في ثلاثة اتجاهات".


فالاتجاه الأول طبقا للعرجاني "اتجاه مغالٍ، يكفر ويخون على السياسة الخارجية، والعلاقات مع الدول، ومن أشهر نماذجه تنظيم الدولة، والسنوات الأولى لجبهة النصرة، أما الثاني فوسطي يتعامل بضوابط وحذر شديد، وهم قلة أمام التيارات الأخرى، ومن أشهر نماذجه القيادة المؤسسة لحركة أحرار الشام". 


وتابع العرجاني حديثه واصفا الاتجاه الثالث بأنه "تيار جديد براغماتي مصلحي بحت، فما كان له فيه بقاء ودعم تعامل معه، مخفيا بعض تلك العلاقات، مع تظاهره إعلاميا أنه على خلاف ذلك حتى لا يخسر أتباعه وجنوده، ثم تجده يتهم منافسيه من الفصائل الأخرى بالخيانة والعمالة بسبب تلك العلاقات، ويتمثل هذا الاتجاه اليوم بهيئة تحرير سورية" وفقا للعرجاني. 


معضلة المواءمة بين العقدي والسياسي


بدوره انتقد الأمين العام المساعد لتيار أهل السنة في لبنان، ربيع حداد  الأداء السياسي لتلك التنظيمات بقوله: "لو فقهت تلك التنظيمات أهداف الجهاد ورسالته حقا، لانكبت على تطوير برنامج سياسي بضوابط شرعية، يؤهلها للحكم ويفتح لها قنوات التواصل مع الدول الأخرى فتبني علاقاتها وتحالفاتها وفق رؤية استراتيجية على أسس شرعية".


وأضاف: "هذا ليس بدعا من القول، وليقرأوا التاريخ إن شاؤوا، أما جمودهم وتقوقعهم فإنه يضع الدول والمنظمات الدولية المناصرة لقضيتهم في حرج التعاطي معهم، ما يزيد في عزلتهم، وفي ارتياب الآخرين منهم". 


وبيانا لأسباب اختلاف تلك الحركات في أدائها السياسي، أرجع حداد بعضها إلى "المنطلقات الفكرية والعقدية المؤسسة لها، كما يعود بعضها لشخصية القائد المؤسس وخلفيته الشرعية، ومنها ما يتعلق بالبيئة الاجتماعية المكونة والحاضنة لتلك التنظيمات".


وإجابة عن سؤال "عربي21" حول مدى نجاح حركات السلفية الجهادية في المواءمة بين العقدي والسياسي في أدائها السياسي، لفت حداد إلى أن "معظم تلك التنظيمات تتطور وتتغير بحسب الظروف المحيطة بها، والمؤثرة عليها، وبعضها دخل في (مراجعات) جذرية، أسماها معارضوها بـ(التراجعات)". 


وتابع: "لكن إلى يومنا هذا لم تبرز على الساحة الجهادية حركة نجحت في المواءمة بين العقدي والسياسي بشكل سليم"، مشيرا إلى أن "المسألة ليست سهلة، وتتطلب انكباب أهل الاختصاص عليها للخروج بدستور إسلامي متوازن يحفظ الثوابت، ويواكب المتغيرات بما يتوافق مع روح الشريعة ومقاصدها". 


وأنهى حداد حديثه بالقول: "نحن بحاجة إلى جميع العقول وأصحاب التجارب المختلفة، سياسية كانت أم جهادية، للخروج ببرنامج سياسي، ودستور دولة تتبناه التنظيمات الجهادية، يؤهلها للحكم إن آلت إليها الأمور في قادم الأيام".

التعليقات (0)