مقالات مختارة

ماذا يعني قرار الشيوخ؟

حسن البراري
1300x600
1300x600

عندما يصوت مجلس الشيوخ الأمريكي بالإجماع على قرار يحمِّل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان مسؤولية قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، فإن هذا يعني أن تغييرا كبيرا طرأ على صورة المملكة العربية السعودية لا يمكن تجاهله.

 

فالسياسات السعودية المتهورة التي دشنها الأمير محمد بن سلمان فتحت عيون الحلفاء قبل الخصوم على خطورة مثل هذه السياسات، فقتل صحفي بدماء باردة وبطريقة داعشية وحشية، كان أكثر بكثير مما يمكن أن يتحمله مجلس الشيوخ والإعلام الأمريكي.

 

يمكن قراءة قرار مجلس الشيوخ من زاويتين مختلفتين. أولا، جاء القرار كتوبيخ للرئيس ترامب وكرفض مباشر لكل الذرائع التي تحجج بها الرئيس ترامب ليغطي على حمايته لـ محمد بن سلمان، وهناك قناعة راسخة تولدت لدى أهم أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب تفيد بأن سياسات محمد بن سلمان تلحق ضررا بالغا بمصالح الولايات المتحدة بعد سلسلة من الهزائم الإقليمية المتتالية للسياسة السعودية. لذلك لا تقنع مقولة ترامب بأن محمد بن سلمان هو حليف جيد الكثير في الولايات المتحدة. وعليه، فإن قرار مجلس الشيوخ يعني أن على الولايات المتحدة أن تعمل على عزل ولي العهد السعودي، بعد أن تبخرت الثقة بشخصه على نيران الطيش الإقليمي والانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان.


ثانيا، لم يكتف مجلس الشيوخ بتحميل محمد بن سلمان مسؤولية مقتل خاشقجي وحرب اليمن، بل وتعهد بألا يوافق على تورط أمريكا بمساعدة السعودية في حرب اليمن، ما يعني رفع الغطاء عن محمد بن سلمان. وهنا يكمن مربط الفرس، هل بإمكان محمد بن سلمان مواصلة حرب، بات جزء كبير من المجتمع الدولي ينظر إليها بوصفها عدوانا على الشعب اليمني؟ أم إن عليه أن يبحث عن مخرج سياسي ويوافق على حل بعيدا عن الشروط السياسية التي رافقت عاصفة الحزم؟ من المبكر الحكم على مالات حرب اليمن، لكن يتضح للقاصي والداني أن السعودية لن تربح الحرب.

 

بمعنى آخر، السعودية تخسر في الميدان بدليل أن الحوثيين لا يزالون يرفضون الشروط السعودية والإماراتية، لكنها أيضا تخسر الشعب اليمني الذي يحملها مسؤولية الدمار والمجاعة والأمراض، ولن نستغرب إن قامت جماعات يمنية في قادم الأيام على ملاحقة السعودية على ما ارتكبته من أفعال، يصفها البعض بأنها جرائم حرب.


وعودة على بدء، أقول إن قرار مجلس الشيوخ يتجاوز مسألة إلزاميته من عدمها للرئيس ترامب، فالقرار جاء ليعبر عن شبه إجماع وطني بالولايات المتحدة يدور حول المسكوت عنه: مستقبل العلاقات الأمريكية السعودية وبخاصة بعد تراجع أهمية نفط الخليج بالنسبة للولايات المتحدة. ولم يبق أمام ولي العهد السعودي سوى الورقة الفلسطينية حتى يضمن دعم إسرائيل، ومن يدور في فلكها في الولايات المتحدة، وهذا بدوره يطرح تساؤلات أخرى حول قدرة السعودية على إجبار الفلسطينيين والأردنيين على قبول صفقة لن تحقق لهم سوى الخيبات. بتقديري أن أية محاولة سعودية مباشرة أو غير مباشرة، لن تفضي إلا إلى فشل آخر يضاف إلى سجلها في السياسات الخارجية الفاشلة، فالفلسطينيون والأردنيون يرفضون وسيرفضون وسيقاومون أية محاولة من أي جهة تسعى إلى تصفية قضية فلسطين كما هو مطروح بالصفقة المنتظرة.


وقريبا سيدرك ما تبقى من حلفاء لـ محمد بن سلمان بأن قدرته على تحقيق ما تعهد به هي متواضعة، وربما تستمر الإدارة الأمريكية باستثمار ضعف محمد بن سلمان للحصول على مكاسب، لكن قريبا سيتحول إلى عبء لن يتحمله أحد. عندئذ، على السعودية أن تقرر إن كان بإمكانها الاستمرار بالسياسات نفسها، التي حولتها من ركيزة استقرار إقليمي إلى دولة شبه معزولة.

 

عن صحيفة الشرق القطرية

0
التعليقات (0)