أفكَار

"مسرح العراء" و"الابتذال".. يثير غضب التونسيين

قال بأن نخبا يسارية توظف السينما أداة لتقديم صورة شائهة عن المجتمع التونسي
قال بأن نخبا يسارية توظف السينما أداة لتقديم صورة شائهة عن المجتمع التونسي

شهدت تونس غضبا كبيرا بسبب ظهور ممثل سوري عاريا تماما في حلبة المسرح البلدي في تونس العاصمة، أثناء عرض مسرحية سورية ألمانية تحمل عنوان "يا كبير"، قدمت في إطار فعاليات مهرجان قرطاج المسرحية.

 

وتسببت المسرحية المذكورة في صدمة كبيرة للجمهور الحاضر، وأثارت جدلا واسعا بين نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، بين أغلبية كبيرة ترى في ما حصل "ابتذالا" و"انحطاطا فنيا وأخلاقيا"، وبين من اعتبره "عملا فنيا يهدف إلى تبليغ رسالة قوية". 

 

مفاجأة غير مسبوقة

وتعود تفاصيل الحكاية إلى أن الممثل السوري حسين مرعي فاجأ المشاهدين لعرض مسرحية "يا كبير" للمخرج رأفت الزاقوت بالتجرد التام من ملابسه على المسرح أثناء تأدية دوره، ما أصاب الحاضرين بحالة صدمة، ودفع أكثر الجمهور الحاضر لمغادرة المكان. ودامت مشاهد العري 30 دقيقة من أصل 75 دقيقة هي مدة المسرحية.

وقال مدير مهرجان أيام قرطاج المسرحية، وفق صحف محلية، إن إدارة المهرجان لا تتحمل ما حدث من هذا الممثل، مشيرا إلى أنه ارتجل هذا المشهد على المسرح ولم يكن موجودا في العرض من قبل.

 

وقال إنّ الممثل فاجأ الممثلين وفاجأ مخرج العرض، وما قدمه على المسرح لم يكن موجودا من قبل في العمل المسرحي الأصلي، حينما عرض على هيئة المهرجان، وحينما عرض من سابقا في ألمانيا. 

وأصدرت إدارة المهرجان بيانا اطلعت عليه "عربي21"، قالت فيه "تعبر الهيئة المديرة لمهرجان أيام قرطاج المسرحية في دورتها العشرين عن إدانتها ورفضها للممارسة الفردية التي قام بها الممثل المسرحي في العرض السوري الألماني "يا كبير" بفضاء المسرح البلدي". 

وأضاف البيان: "ما قام به الممثل المذكور لا يتضمنه شريط الفيديو الذي اعتمدته لجنة اختيار العروض لبرمجته في إطار برنامج عروض المهرجان، وهو ما يعد ممارسة فردية معزولة لا مسؤولة قام بها الممثل وتجاوزت الخطوط الحمراء، مخلا بالعقد الأخلاقي الاحترافي المهني الذي يستوجب الالتزام الحرفي بتفاصيل العرض المقدم كما وصل إلى إدارة المهرجان"، على حد قول البيان.

جدل في مواقع التواصل الاجتماعي

وكما فوجئ المشاهدون في قاعة العرض بواقعة التعري، فوجئ بها أيضا رواد مواقع التواصل الاجتماعي.

 

وبحسب ما رصدته "عربي21"، فقد عبّر رواد تلك المواقع عن غضبهم الشديد واستنكارهم لما وقع.

 

وعبر الكثير من النشطاء عن غضبهم واستغرابهم مما حصل. ورأوا أنه لا يحمل تعبيرا عن مضمون فني وإنما يعبر عن "انحطاط في الذوق، وتمرد مجاني على الأعراف والتقاليد والنواميس الاجتماعية والأخلاقية، وأنه لا يقدم للفن شيئا"، وفق تعبيرهم.

من جهتها، تساءلت الصحفية التونسية ليلى العود في صفحتها على "فيسبوك": "لماذا يريدون التعبير عن الواقع الأليم في أوطاننا عن طريق العري كما يدعون؟". 

وأضافت: "مهما حاولوا إقناعنا بأن ذلك إبداع أو تعرية لواقع الامة والأوطان، فإنهم سيفشلون، لأن ما يقومون به يدخل في إطار الانحلال الأخلاقي والشذوذ والاهتزاز النفسي الذي يستوجب العلاج". 

وقالت: "لو كل منا خرج ليعبر عن أي مشكل وأي مأساة عن طريق العري فسنجد أفراد المجتمع كلهم عراة".

بدوره، اعتبر الكاتب الصحفي سليم الحكيمي، العرض المسرحي العاري، "مثيرا لاشمئزاز أعرق ساقطة وأقدم نزيل سجون"، وفق تعبيره.

 

وهاجم الحكيمي وزارة الثقافة التونسية بشكل الحاد، التي مولت العرض المسرحي، معتبرا إياها "وزارة للسخافة لا للثقافة"، على حد وصفه.

وفي سياق رده على المدافعين عن العري في الأعمال الفنية، استذكر الحكيمي الحوار بين الفيلسوفين روسو وفولتار، إذ يرى روسو في التعري "سعادة"، وأن حضارة بعض القبائل "من الهنود في أمريكا قد كونت أمة أكثر سعادة من الأمم الأوربية، رغم تفوقها العلمي والتكنولوجي، وأن الإنسان الذي عاش سعيدا بحق، هو الإنسان المتعري، وأن من يريد مواجهة الحضارة الحديثة ليس عليه فقط تغيير طريقة لبسه بل التخلص منه أصلا". 

وأضاف الحكيمي أن فكرة روس قوبلت بمعارضة شديدة من خصمه الفلسفي فولتير الذي رد ساخرا: "لم نوظّف كثيرا من عقلنا لتكون لنا الرغبة في التحول إلى حيوانات، لأن من ينصت إلى طرحك تحدوه فكرة المشي على أربع". 

وقال الحكيمي: "جزء من ثقافة العري من الغرب مُستمدّة من الكنائس وصور صلب المسيح. ورغم محاولات تسويقها فلسفة ثورية، بقيت الفكرة مطلب الجزء الأكثر شذوذا في التيار العلماني الليبرالي الذي حشر مطالبه في زاوية الحرية الجنسية والتحرر من سجن الجسد. فحدّد الغرب مكانا لجمعيات العري في الطبيعة بباريس وستوكهولم وفيينا وبرشلونة وألمانيا التي بدأت بها منذ 1903. (...) فخصصت لهم مناطق معزولة وتعاملت معها بمنطق المحميات، كما تخصص للحيونات المهددة بالانقراض، يمارسون فيها حريتهم الشاذة"، على حد قوله.

واعتبر الحكيمي أن "الخط البياني لمدنيّة الإنسان (يظل) صاعدا من العري إلى السّتر، في خط من الطبيعة إلى الحضارة وليس العكس". واستشهد برأي الأديب مصطفى صادق الرافعي "إذا كان الجسد العاري دليل حضارة فهنيئا للحيوانات فلها الحضارات كلها".

سينما الخمر والعراء والجنس

ليس العري غريبا على الفنون التونسية، فالسينما في تونس مشهورة في العديد من أعمالها بأنها سينما الخمر والجسد العاري.

 

ومعظم الأفلام التونسية المشهورة مثل أفلام النوري بوزيد أو فريد بوغدير وغيرهما، سينما تكاد تكون أسيرة "الحمام" والجسد العاري وقوارير الخمر.

 

ويتذكر كاتب هذه السطور أنه شاهد في عام 1995 فيلما تونسيا معروضا في قناة اليسار الليبرالي في بريطانيا (القناة الرابعة) بعد منتصف الليل لما فيه من عرض جنسي فاضح.

 

 

معظم المخرجين التونسيين المشهورين هم من اليسار المحبط، من الذين عاشوا تجارب نضالية انتهت إلى الإخفاق التام في تغيير عقلية المجتمع المحافظة،



وفي السياق ذاته تقول هدى عبد الرزاق في مقال لها بعنوان "قراءة لفيلم ريح السد" للنوري بوزيد: "هذا الجيل المدمّر والمنكسر يبحث عن لحظات ساخنة، بالتالي يحلو له أثناء سهرة جنسية وخمرية التأمّل في التراث والتغزل ببقاياه من خلال أوشام لمومس عجوز منقوشة على صدرها المهترئ. السكر والتقيؤ بعد السكر، الجنس والحديث عن الجنس: هذا هو تاريخ البلد بالنسبة لهذا الجيل جيل البيرة (نوع من الخمر)"، على حد قولها.

ويمكن تفسير سيطرة الجنس والعري والخمر على كثير من الأعمال الفنية التونسية إلى أسباب عدة:

ـ معظم المخرجين التونسيين المشهورين هم من اليسار المحبط، من الذين عاشوا تجارب نضالية انتهت إلى الإخفاق التام في تغيير عقلية المجتمع المحافظة، ما جعلهم يوظفون السينما أداة لتقديم صورة شائهة عن المجتمع التونسي، مجتمع الجنس والشذوذ واغتصاب الأطفال ومعاقرة الخمور.. وهي ظواهر تبدو طاغية في تلك السينما رغم عزلتها في الواقع.

ـ الآباء المؤسسين للسينما التونسية يتم تمويلهم، من جهات أجنبية، يشترط ضمن ما يشترط تلميع صورة أطراف بعينها وإظهار الأجساد العارية وعرض الممارسة الجنسية كاملة أو قريبة من الكاملة.

الإثارة بدلا من العمق والإبداع

وبديلا عن العمق وقوة الإبداع، تلجأ الكثير من الأعمال التلفزية والمسرحية والسينمائية في تونس إلى الإثارة تغطي بها عجزها عن إتيان فن مبدع.

 

ففي الكثير من الأفلام والأعمال الدرامية يلجأ المخرجون والمنتجون للعراء والجنس والجريمة (مثل مسلسل شويرب الذي عرض العام الماضي في شهر رمضان عن حياة مجرم محترف) يغطون به ضعف جودة بضاعتهم الفنية، سواء في القصة وحبكة السيناريو وقوة الصورة وعبقرية الفكرة والقدرة على الغوص في الذات البشرية.. وليشغلوا الناس عن ضعفهم يلجؤون للعراء وحتى الجريمة وسيلة للإثارة وصرف الأنظار عن العجز وقلة التمويل وضعف الإبداع.


الفن الحقيقي قوة فكرة وعبقرية تناول وصيد لنفائس المعاني وجمال الخيال المبهر الوقاد وقوة صورة.. لكن البعض يلجأون للعراء وللإثارة لستر ضعفهم وصرف الأنظار عن قلة زادهم في ميدان الإبداع.. ولذلك فإن معظم تلك الأعمال سينمائية كانت أو مسرحية تثير ضجة عالية أثناء عرضها، لكنها سرعان ما تموت.. إنها أشبه بنار القش لا تدوم إلا قليلا.

 

 

 

بديلا عن سينما ودراما العراء والإثارة تقدم تركيا اليوم إنتاجا دراميا مبدعا. فمسلسل قيامة أرطغرل التركي مثلا شاهده 3 مليار إنسان في 56 دولة.


أبو المسرح المعاصر شيكسبير.. وأهم ما تميز به شيكسبير قوة الفكرة وبالقدرة على الغوض في شخصية الإنسان وتحليلها وتعرية أمراضها وأنانيتها وقوتها وضعفها.. فينشغل القارئ لمسرحياته أو المتابع لها على خشبة المسرح بعمق الفكرة وقوتها وبراعة تحليل النفس الإنسانية.. وتنجح مسرحياته دون الحاجة للعراء أو للجنس المفضوح.. لذلك خلد مسرح شكسبير ويموت مسرح العراء المبتذل قبل أن يولد.

بديلا عن سينما ودراما العراء والإثارة تقدم تركيا اليوم إنتاجا دراميا مبدعا. فمسلسل قيامة أرطغرل التركي مثلا شاهده 3 مليار إنسان في 56 دولة.. جنسيات وأديان ولغات مختلفة أعجبت به، ولا عري فيه بل قوة في القصة وبراعة في الحبكة الدرامية العالية وقوة في الصورة المبهرة والقدرة على شد المشاهد وتعلقه بالعمل حتى كأنه أسير له.. ومثل هذه الأعمال زيادة عن انتشارها، فإنها تعيش وتعمر، فضلا عن دورها البناء، بخلاف "مسرح التهريج والابتذال والعري"، وفق وصف الناشطين.

 

إقرأ أيضا: ممثل سوري يظهر عاريا تماما خلال عرض مسرحي في تونس

التعليقات (0)