صحافة دولية

إغناتيوس يكشف معلومات مثيرة عن حرب معلومات أدت لقتل خاشقجي

إغناتيوس: كان خاشقجي هدفا رئيسيا في حرب المعلومات في القرن الواحد والعشرين- جيتي
إغناتيوس: كان خاشقجي هدفا رئيسيا في حرب المعلومات في القرن الواحد والعشرين- جيتي
كشف المعلق الأمريكي المعروف ديفيد إغناتيوس تفاصيل مثيرة عن كيفية تحوّل الصحافي السعودي جمال خاشقجي إلى ضحية لولي العهد السعودي محمد بن سلمان.

ويقول الكاتب في المقال الذي نشره في صحيفة "واشنطن" بوست"، وترجمته "عربي21"، إن جمال خاشقجي حين دخل قنصلية بلاده في اسطنبول، في الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر، كان يدخل إلى محور القتل، فقد أصبح الهدف الرئيس لحرب المعلومات في القرن العشرين؛ واحدة تضم القرصنة والخطف والقتل وبإشراف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ومحاسيبه ضد المعارضين.

ويتساءل إغناتيوس: "كيف تحولت حرب الأفكار إلى ساحة مميتة بالنسبة لصحافي (واشنطن بوست) الجريء خاشقجي؟"، والجواب بحسب ما يقول هو أن "الولايات المتحدة وإسرائيل والإمارات ودولا أخرى ساعدت في الحرب على التطرف أسهمت في شحذ وسائل التجسس الإلكتروني، ما أدى إلى الدفع بهذه الحرب إلى نتيجتها القاتلة في اسطنبول، فقد وعد (م ب س)، كما يعرف ولي العهد، بالتغيير، لكنه قدم عدم استقرار، وتحولت الترسانة الرقمية التي جمعها حوله إلى أداة لدعم حكمه الديكتاتوري. وجاء إلى الحرب الإلكترونية مسلحا بطريقة رمزية بمنشار عظام.

ويشير الكاتب إلى أن "منطقة الصفر في العملية كانت هي مركز الدراسات الشؤون الإعلامية في الرياض، الذي كان يديره سعود القحطاني، المساعد الطموح لولي العهد، الذي ساعد سيده الخائف ولعب على مخاوفه، وتعاون القحطاني في البداية مع شركة أمن إلكتروني إيطالية، وهي (هاكينغ تيم)، ثم تحولوا لشركة إسرائيلية، وهي (أن أس أو غروب)، والشركة الفرعية التابعة لها، وهي (كيو سايبر تكنولوجيز)، وشركة إماراتية اسمها (دارك ماترز)، وقام القحطاني ببناء شبكة رقابة ومواقع على وسائل التواصل الاجتماعي؛ للتحكم وتمرير أجندة محمد بن سلمان، وقمع أعدائه".


ويلفت إغناتيوس إلى أن "السعوديين بدأوا في بناء قلعتهم الإلكترونية قبل عقد، وأثناء فترة الملك عبدالله، الذي عمل القحطاني في خدمته، وكانت للسعوديين أسبابهم للبحث عن الأمن الإلكتروني، وهي مواجهة إيران، ففي عام 2012 شنت طهران حربا إلكترونية شلت تقريبا نصف الشبكة الإلكترونية عندما أطلقت فيروس (شامون)، وواجهت المملكة تهديدا إرهابيا من تنظيم الدولة في سوريا والعراق عام 2014، وأصبحت المعلومات للسعوديين، كما فعل الروس في تدخلهم في الانتخابات الرئاسية عام 2016، شكلا من الحرب".

 

وينقل الكاتب عن مسؤول أمني أوروبي، قوله إن الوسائل التي تحتاجها لمواجهة الإرهاب هي ذاتها التي تريدها لقمع المعارضة، مشيرا إلى أن السعوديين استخدموا هذه الوسائل بطريقة أوسع.

 

ويقول إغناتيوس: "كما وصف السيناتور عن فرجينيا والعضو الديمقراطي في لجنة الاستخبارات مار ك ورنر، فكل وسيلة لديها جانب لإساءة الاستخدام، ولهذا السبب توجد في أمريكا قوانين قوية، بل محاكم تنظم استخدامه،. وفي المناطق التي لا توجد فيها حماية للأفراد أو رقابة حقيقية، فإن من السهل إساءة استخدام هذه الوسائل".

ويجد الكاتب أن "هوس القيادة السعودية بوسائل التواصل الاجتماعي يعود إلى الربيع العربي عام 2011، الذي أسقط حكومات في ليبيا واليمن ومصر وتونس، وخشيت السعودية، بحسب مارك لينتش، أن يكون هناك ما وصفه (احتجاجات هاشتاغ)، وعادة ما راقبت الحكومات العربية مواطنيها واتصالاتهم والنشاطات الأخرى، ومنحت وسائل الإعلام الرقمية الناشطين فرصة جديدة للنشاط والقمع في الوقت ذاته، وطلبت السعودية في البداية مساعدة من (هاكينغ تيم) لتقدم لها برامج تقوم من خلالها بالتنصت على (آي فون) و(آي باد)، ولاحقا طلبت وسائل للدخول إلى هواتف (أندرويد)، بحسب ما كشفته (ويكيليكس) عام 2015".

 

ويلفت إغناتيوس إلى أن "الحرب الإلكترونية اكتسبتمع صعود الملك سلمان بعدا جديدا، حيث حاول القحطاني، الذي عمل في البلاط الملكي، أن يجعل من نفسه شخصية لا تقدر بثمن لابن الملك المفضل الأمير محمد، وقال سعودي يعرف القحطاني جيدا إنه (يكسر الأشياء) و(لديه جزرة والكثير من العصي)".

 

وينوه الكاتب إلى أنه "عندما أصبح ابن سلمان نائبا لولي العهد، فإن القحطاني دفع باتجاه تقوية الحرب الإلكترونية، وكتب لمدير (هاكينغ تيم) أن يقدم له قائمة بالخدمات التي تقدمها شركته المحترمة، وقدمت الشركة نفسها بأنها الشركة المناسبة للحكومات للتنصت، وأن خدماتها فعالة وسهلة الاستخدام، وكان لديها عملاء من 40 حكومة، وبحسب تقرير في مجلة (فورين بوليسي) عام 2016، فإن علاقاتها أصبحت قوية مع السعودية، لدرجة أن مستثمرين سعوديين تقدموا للمساعدة عندما عانت من مشكلات بسبب تسريبات لـ(ويكليكس) عام 2015".

 

ويكشف إغناتيوس عن أن "شركة مقرها في قبرص، اسمها (تيبليم)، ويديرها واحد من عائلة القحطاني، حصلت على نسبة 20% من الشركة، وفي اجتماع في مدينة ميلان، مثل المستثمرين الجدد محام سعودي اسمه خالد الثبيتي، وأخبر مدير (هاكينغ تيم) موقع (موذربورد) أنه لا يعلم من هو الثبيتي ولا القحطاني، قائلا إن الحكومة السعودية (غامضة حتى معي)".

 

ويستدرك الكاتب بأنه "رغم حصول (أم بي أس) على وسائل قرصنة إلكترونية إيطالية، إلا أنه كان يبحث عن قدرات أكثر فاعلية، بحسب المصادر الأمريكية والسعودية، وكان يتطلع لما حققته شركة إماراتية اسمها (دارك ماترز) من تقدم، وبحسب مسؤولين أمريكيين سابقين، فإن هذه الشركة استعدت لتوفير تدريب ومعدات، لكن (أم بي أس) كان يتطلع إلى امتلاك أحدث نظام في التجسس الإلكتروني. وقال أحدهما إن ابن سلمان أراد أن يحقق ما أنجزته الإمارات، وكانت السعودية تحاول الدخول في مجال مزدحم؛ نظرا لحماس الولايات المتحدة لكل شيء يتعلق بمواجهة التطرف، وقال مسؤول أمريكي سابق عمل في البلاط السعودي في شؤون السايبر: (شعر السعوديون أنهم طالما لاحقوا التطرف فإن لديهم صك مفتوح لملاحقة أي شخص في داخل البلاد، ولن نحتج)" أي الأمريكيين.

ويقول إغناتيوس إنه زار في نيسان/ أبريل 2017 مركز الرقابة الإلكتروني في البلاط الملكي، الذي أطلق عليه السعوديون مركز رقابة التطرف الرقمي. وهو مركز حديث يجلس فيه عدد من الفنيين، يراقبون على الشاشات "تويتر" ووسائل التواصل الاجتماعي، وقال السعوديون إنهم يكافحون تنظيم الدولة وكذلك هجمات إيران، وقدم له مدير المركز مطويات لامعة تصف عمل المركز، وأنه راقب 1.2 مليون تغريدة، وإعادة نشرها عن تنظيم الدولة في الأسبوعين الأخيرين من كانون الأول/ ديسمبر عام 2016، وشرح في مطوية ثانية عمليات تحليل وتصوير وسائل التواصل الاجتماعي لتنظيم الدولة والمليشيات الشيعية.

 

ويورد الكاتب نقلا عن المسؤولين ، قولهم إن العدو هو التطرف، مرددين ما قاله "أم بي أس" للمسؤولين الأمريكيين والأوروبيين، مشيرا إلى أنه كتب في مطوية أخرى عن جهود القحطاني لمزج التطبيقات بتحليلات كمية ونوعية للحصول على معلومات عن نشاطات التطرف على الإنترنت، وما لم يعرفه الكاتب وغيره من المراقبين أن هذه الأساليب يمكن استخدامها لاستهداف ناشطين مثل خاشقجي.

 

ويقول إغناتيوس إن "ابن سلمان غطس في عملية خطيرة في الجارة اليمن لمواجهة الحوثيين هناك، وشن حربا إلكترونية ضد قطر، تمت من خلال الذباب الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي، وهذا كله للحد من تأثير الإخوان المسلمين ودعم قطر لهم، وقال مسؤول أمني أمريكي سابق عمل مع ولي العهد إن (السايبر يناسب تحيزات أم بي أس)، فهو (يفضل الاستراتيجيات المحفوفة بالخطر، ويقلل من الآثار السلبية، ولا يفكر في التداعيات الخطيرة)، وربما كان خطر هذه الوسائل أقل لو قامت المخابرات السعودية بالتعامل معها، لكنها أصبحت وسيلة سياسية لابن سلمان وتابعه المؤثر القحطاني".

ويرى الكاتب أن "محاولة السعودية الحصول على تكنولوجيا رقمية متقدمة زادت عام 2017؛ نظرا لشعوره بالتهديد من منافسيه داخل العائلة الحاكمة، خاصة بعد ظهور تقارير عن محاولتي اغتيال العام الماضي، ورد ابن سلمان بانقلاب داخلي أزاح فيه ابن عمه الأمير محمد بن نايف عن ولاية العهد في حزيران/ يونيو 2017، وأتبع هذا في تشرين الثاني/ نوفمبر بعملية ريتز كارلتون، حيث احتجز 200 شخص، من بينهم أمراء ورجال أعمال، وأدت العملية إلى دائرة قاتلة، فمع كل أمير اعتقل تم وضع آخر تحت الرقابة، وحذر القحطاني من ظهور آخرين على افتراض أنه تم تجنيدهم على يد إيران وقطر".

 

ويفيد إغناتيوس بأن "القحطاني كان شرسا على الإنترنت، فطلب من السعوديين مراقبة وضم أسماء من يرون أنهم متعاطفون مع قطر إلى القائمة السوداء، ودافع عن هذه السياسة في تغريدة نشرها في آب/ أغسطس قائلا إنها ليست من بنات أفكاره، بل من الملك وولي العهد".

 

ويجد الكاتب أن "الحملة على قطر كشفت عن مساحة حرب رقمية مفتوحة للجميع، خاصة أن الإماراتيين والسعوديين كانوا متأخرين في الانضمام للعالم الرقمي، وظلوا يرغون ويزبدون على قناة (الجزيرة) ودعمها للمعارضة العربية، وأصبحت الحملة عبارة عن خنادق سايبرية، حيث وجدت التسريبات المسروقة من كل طرف طريقها للإعلام، وزعمت قطر أن اختراقا تم على وكالة أنبائها، وزرع فيها معلومات زائفة عن الأمير، وبعد شهر سربت رسائل سفير الإمارات في واشنطنيوسف العتيبة، وكذلك رسائل كشفت عن تعاملات رجل أعمال مقرب من ترامب مع الإمارات، وتحول المجال إلى ساحة حرب مفتوحة للجميع، وتحولت الولايات المتحدة، كما كتبت في أيار/ مايو هذا العام إلى (لبنان جديد)، أي المكان الذي تستخدمه الدول للقتال في حروبها القذرة".


ويقول إغناتيوس إن "مركز القحطاني كان يخوض حروبا على أكثر من جبهة، وضد أعداء حقيقيين ومتخيلين، وظل السعوديون يبحثون عن أسلحة جديدة، وأظهرت (دارك ماترز) قدراتها في معارض في لاس فيغاس في أعوام 2016و 2017 و 2018، ومن بينها (كاتم)، الذي يجبر الهاتف على إغلاق كاميراته ومايكرفونه لمواجهة عمليات القرصنة، وبالتالي تدمير نفسه".

 

ويذكر الكاتب أن السعوديين كانوا يعرفون أن الإسرائيليين لديهم أنظمة رقابة متقدمة، وبحثوا عن طرق لشرائها، بحسب مصادر سعودية وأمريكية وأوروبية، مشيرا إلى أن النتيجة كانت عملية تحالف غريب، والأول من نوعه في تاريخ التجسس، حيث بدأت الشركات الإسرائيلية تتشارك مع السعوديين في أسرارها الإلكترونية، و"كانت بمثابة المقايضة مع الشيطان: حصلت إسرائيل على حليف سني ضد إيران، وفرصة لجمع معلومات عن المملكة، مقابل حصول ابن سلمان على أدوات لمواجهة أعدائه في الداخل".

 

وينقل إغناتيوس عن ثلاثة مسؤولين أمريكيين، قولهم إن السعوديين حاولوا الحصول تحديدا عن نظام أنتجته مجموعة "أن أس أو" وهو "بيغاسوس"، لافتا إلى أن نجاعة هذا النظام بدتمن تقرير لمجموعة "سيتزن لاب" الكندية في تشرين الأول/ أكتوبر 2018، عندما كشفت عن تعرض معارض سعودي في مونتريال للتجسس، من خلال استهداف هاتفه بهذا النظام، وقال خبير بريطاني إن القحطاني أمر بالحصول على هذه الأنظمة خارج القنوات الأمنية العادية، وضمن هذا السياق تفهم الدعوى القضائية التي قدمها المعارض السعودي عمر عبد العزيز، الذي اتهم شركة "أن أس أو" بدور في مقتل خاشقجي؛ نظرا لأن النظام الذي باعته للسعودية استخدم للتجسس عليه وخاشقجي.

 

وينوه الكاتب إلى أن عبد العزيز وخاشقجي كانا يخططان لإنشاء جيش النحل لمواجهة الذباب الإلكتروني التابع للقحطاني، الذي تعامل مع الحملة ضد خاشقجي على أنها شخصية، وبحسب مسؤول سعودي فقد شعر القحطاني أنه خان رئيسه عندما سمح للكاتب الصحافي بمغادرة السعودية عام 2017، وعندما بدأ خاشقجي في كتابة المقالات من منفاه الأمريكي اعتبره القحطاني مرتدا في حرب المعلومات التي يريد السيطرة عليها، وقبل أن يبدأ مقالاته في "واشنطن بوست" عرض عليه السعوديون كتابة مقال في صحيفة "الحياة"، وذلك بحسب مسؤولين سعوديين يعرفان بالمقترح، لكنه بدأ يطلق صوته من خلال مقالاته، فيما حاول السعوديون الضغط عليه من خلال منع ابنه صلاح من السفر، إلا أن خاشقجي الغاضب لم يتراجع عن مواقفه، وظل يكتب ناقدا سياسات ولي العهد.


ويورد إغناتيوس أن "القحطاني أقنع ولي العهد في تموز/ يوليو بأن خاشقجي بات يمثل تهديدا على المملكة، وكان رده بضرورة إحضاره إلى المملكة، وبالقوة إن اقتضى الأمر، ولم يفهم المسؤولون الأمريكيون الرسالة إلا في وقت متأخر".

ويقول الكاتب إن "خاشقجي أصبح هدفا سهلا عندما زار القنصلية في اسطنبول للحصول على وثائق زواج، وطلب منه العودة بعد أيام، وبحسب مسؤولين سعوديين، فإن القحطاني ساعد على تجميع عدد من العاملين في الأمن والجيش والمقربين من ولي العهد، وعين ماهر المطرب مسؤولا عن هذا الفريق الذي أرسل إلى اسطنبول، وهو جنرال في المخابرات، وعادة ما يرافق ولي العهد في رحلاته، حيث يشرف على حراسته".

 

وقال مسؤول للكاتب يوم الخميس إن القحطاني ممنوع حاليا من السفر، وقيد الاعتقال، كما أعلن في 15 تشرين الثاني/ يناير، وعزل من منصبه في تشرين الأول/أكتوبر، وهو واحد من 17 فرضت عليهم الخزانة الأمريكية عقوبات؛ بسبب دورهم في تنسيق العملية التي نفذها المطرب.

 

ويختم إغناتيوس مقاله بالقول إن "هذه جريمة شنيعة، لكن في كل حالة قتل ننظر إلى الدوافع للعملية، وهي السيطرة على المعلومات".

 

لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)

التعليقات (1)
معاوية الطيب
الأربعاء، 12-12-2018 02:18 م
كلام جميل جدا