أفكَار

العراق.. خلافات الإسلاميين أضعفتهم لكنها لم تبعدهم عن السلطة

قال بأن تجربة الإسلاميين العراقيين في الحكم تركت آثارا سلبية على صورة الإسلام
قال بأن تجربة الإسلاميين العراقيين في الحكم تركت آثارا سلبية على صورة الإسلام

لم يأخذ موضوع تحالفات الإسلاميين السياسية حظّه من البحث والدراسة، وذلك لأسباب عديدة منها طول أمد العزلة السياسية التي عاشها الإسلاميون بسبب تحالفات النظم الحاكمة مع بعض القوى السياسية، واستثناء الإسلاميين من هذه التحالفات، بناء على قواسم أيدولوجية مشتركة بين الأنظمة ونلك التيارات.

لكن، مع ربيع الشعوب العربية، ومع تصدر الحركات الإسلامية للعمليات الإنتخابية في أكثر من قطر عربي، نسج الإسلاميون تحالفات مختلفة مع عدد من القوى السياسية داخل مربع الحكم، وترتب عن هذه التحالفات صياغة واقع سياسي موضوعي مختلف، ما جعل هذا الموضوع  يستدعي تأطيرا نظريا على قاعدة رصد تحليلي لواقع هذه التحالفات: دواعيها وأسسها وصيغها وتوافقاتها وتوتراتها وصيغ تدبير الخلاف داخلها، وأدوارها ووظائفها، وتجاربها وحصيلتها بما في ذلك نجاحاتها وإخفاقاتها.

يشارك في هذا الملف الأول من نوعه في وسائل الإعلام العربية نخبة من السياسيين والمفكرين والإعلاميين العرب، بتقارير وآراء تقييمية لنهج الحركات الإسلامية على المستوى السياسي، ولأدائها في الحكم كما في المعارضة.

اليوم يقدم الباحث العراقي نجاح محمد علي، قراءته لتجربة الإسلاميين في العراق بعد الاحتلال عام 2003 وسقوط نظام صدام حسين.

العراق.. خلافات الإسلاميين أضعفتهم لكنها لم تبعدهم عن السلطة

‏يمكن القول بعد نحو 15 عاماً على سقوط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، إن تجربة الإسلاميين في الحكم وما أصبح يعرف بالإسلام السياسي (السني والشيعي)، تركت الكثير من النتائج السلبية على الإسلام وعموم التدين في العراق الجديد في ضوء تحميل الإسلام كدين، وبالتالي الإيمان بالله، مسؤولية فشل المتدينين وعموم الإسلاميين المشاركين في الحكم خصوصاً الحزبين الرئيسين: الحزب الاسلامي الواجهة السياسية لجماعة الإخوان المسلمين (تأسست عام 1945على يد الشيخين أمجد الزهاوي ومحمد محمود الصواف)، وحزب الدعوة الإسلامية أكبر وأقدم الأحزاب الاسلامية الشيعية في العراق (تأسس في ربيع الأول تشرين الثاني نوفمبر 1957 على يد مجموعة شخصيات شيعية أبرزهم السيد محمد باقر الصدر).

‏بالنسبة لجماعة لإخوان المسلمين التي غيرت إسمها عام 2017 الى "حركة العدل والإحسان" في العراق، فإن تقييم مشاركتهم في الحكم وإن بدت ملتبسة بسبب ظروف معقدة عاشتها الجماعة الى جانب غيرها من جماعات الإسلام السياسي في ظل خصوصية العراق وسياقاته التأريخية والإقتصادية والسياسية والإجتماعية، إذ نشأت الجماعة وعايشت أنظمة ملكية وجمهورية وديكتاتورية قبل أن تنتقل الى العمل السياسي العلني في فترة (الحكم الديمقراطي الجديد) والذي ساهمت الجماعة فِي تأصيل نظام المحاصصة المذهبية والعرقية فيه عندما قبلت أن تكون رئاسة الجمهورية في العراق للكرد ورئاسة الوزراء للشيعة، ورئاسة البرلمان للعرب السنّة، وهي إذاً تتحمل الى جانب باقي جماعات الإسلام السياسي الوزر أيضاً في مسؤولية تمزيق عرى المواطنة وتحويلها الى مكونات. 


إقرأ أيضا: إخوان العراق..من المعارضة إلى المشاركة في الحكم 1من3

حتى قبل الغزو العسكري الذي قادته الولايات المتحدة في آذار / مارس 2003 لإسقاط النظام والدولة العراقية برمتها، كانت قيادات الحزب الإسلامي الذي تأسس بشكل رسمي في العراق عام 1960 عاد للوجود العلني في الخارج عام 1991 مع بدء الحديث عن تعاون المعارضة الشيعية العراقية مع أمريكا لإسقاط نظام صدام، حاضرة في كل الإجتماعات والمؤتمرات التي رعتها واشنطن وأخطرها مؤتمر المعارضة العراقية الذي عقد في لندن منتصف كانون أول / ديسمبر 2002 ليمنح الغزو العسكري الأمريكي وبالتالي الاحتلال "الشرعية"، عندما رضي بنظام المحاصصة (وإن كان أبدى تحفظات على حجم حصة السنّة في النظام المقبل عندما انسحب من المؤتمر ضمن "ائتلاف القوى الوطنية العراقية"، لكنه في المجمل وافق على نظام المحاصصة) الذي فرضه ممثل الرئيس الأمريكي جورج بوش السفير زلماي خليل زادة على المعارضة العراقية آنذاك ليصبح الفيصل في تقسيم الكعكة وتحويل الوطن إلى غنيمة، وقد عبر عن ذلك بوضوح أحد أقطاب إسلامي السنّة رئيس البرلمان السابق د.محمود المشهداني (كان من رموز الفكر السلفي وأحد مؤسسي جمعية الموحدين)  بقوله في قناة الإتجاه العراقية متحدثاً عن دور سياسيي السنّة في العملية السياسية (نحن حصتنا معلومة: ست وزارات وتسع هيئات وأكثر من 60 منصباً آخر  درجات خاصة).

‏وشرح الدكتور المشهداني بصراحته المعهودة تبعية سياسيي السنّة للعملية السياسية بشكلها الراهن موضحاً أن صراعات (الكتلة الأكبر) حول تشكيل الحكومة وانتخاب رئيس الوزراء لا تعنيهم في شيء مادامت الأمور متفق عليها بهذا السياق، متجاهلاً ربما عن عمد الحديث عن الخلافات الكبيرة التي تعصف في صفوف الإسلاميين السنّة حتى قبل سقوط النظام، حول مجمل عملية التغيير وأدواتها، وطبيعة التحالفات مع القوى السياسية الأخرى خصوصاً الشيعة والكرد. 

‏خلافات السنة 

‏في تلك الفترة، بينما نجح رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق آنذاك السيد محمد باقر الحكيم مستعيناً بنفوذه القوي في إيران وقربه من المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله سيد علي خامنئي، في فرض زعامة موحدة حول تمثيل الشيعة في مؤتمر لندن إلا من مجموعة قليلة رافضة أقصيت تماماً وتمثل تيار السيد محمد الشيرازي ومنظمة مجاهدي الثورة الاسلامية بقيادة عديل الشيخ محمد مهدي الآصفي (الحاج كاظم أبوزينب الخالصي)، كان الخلاف على أشده بين الإسلاميين السنّة حول تمثيل السنة وقيادتهم وبرز بقوة بين الحزب الاسلامي وهيئة علماء المسلمين (الشيخ حارث الضاري) التي رفضت الإنخراط في العملية السياسية، لكن ذلك الخلاف لم يسفر عن تهميش الإسلاميين السنة نهائياً كما كانوا يرددون إذ حافظوا على حصتهم في المناصب الحكومية حتى وهم يشاركون في مقاومة العملية السياسية والإحتلال تماماً كما فعل التيار الصدري، وهم في السلطة مند مجلس الحكم الذي رأسه في إحدى دوراته أمين عام الحزب الاسلامي الدكتور محسن عبد الحميد، وأصبح خليفته الدكتور طارق الهاشمي نائباً لرئيس الجمهورية، وليستمر مسلسل الصراع على مراكز القوة والنفوذ حتى يومنا هذا وتوزع إسلاميو السنّة على الكتلتين المتصارعتين: كتلة البناء القريبة من إيران وكتلة الإصلاح المدعومة من الولايات المتحدة والسعودية. 

‏وكان واضحاً منذ الإعداد لمؤتمر لندن أن خلافات الحزب الإسلامي كانت مع المجلس الأعلى للثورة الاسلامية واللجنة التحضيرية التي أتهمها الحزب الإسلامي يومذاك بالوقوع تحت هيمنة المجلس ومصادرة آراء بقية الأطراف في اللجنة التحضيرية. وقال في حينه إياد السامرائي من الحزب الاسلامي في تصريح نشر قبل يوم من عقد المؤتمر  "إن التمثيل السني العربي في المؤتمر محدود وضعيف" ما يؤكد أن الخلاف كان حول حجم الحصة في الحكومة المقبلة الذي حسم لاحقاً في اجتماعات مجلس الحكم بعد سقوط النظام السابق بمشاركة الحزب فيه بشكل فاعل بحجة الحفاظ على وحدة العراق وعدم تفتيت نسيجه الاجتماعي، ومن أجل أن يأخذ أهل السنّة مكانهم في مستقبل العراق. 

‏وبرر الحزب الإسلامي موقفه الرافض علناً تأييد المقاومة العسكرية للإحتلال بأن ذلك بدون أن يشترك في ذلك الشيعة والكرد، سيلحق ضررا بالغاً بمستقبل وحدة الشعب العراقي، وسيهمش أهل السنّة في المستقبل. 

إقرأ أيضا: العراق.. حزب الدعوة نشأ للحدّ من المدّ الشيوعي والقومي 2من3

‏وقد اتبع الحزب الإسلامي ومر بعده باقي إسلاميي السنة، قاعدة القبول بالأمر الواقع ومحاولة الإصلاح من داخل العملية السياسية عندما انخرط فيها بشكل كامل، وتحول كما هو الحال بالنسبة لحزب الدعوة الاسلامية وعموم شيعة السلطة، إلى حزب سياسي شبه علماني يُؤْمِن بالدولة المدنية والتبادل السلمي للسلطة، وحقوق الإنسان والديمقراطية القائمة على التعددية الحزبية، ويفكر بالمكاسب السياسية والإقتصادية ويسعى إليها ولو على حساب الموازين الشرعية، الأمر الذي كانت نتائجه تدمير مناطق السنّة وتحويل أهلها إلى نازحين، واندلاع معارك تصفيات واغتيالات جسدية وسياسية طالت المشاركين في العملية السياسية ولم توفر المعارضين لها.

‏وما قصة بيع وشراء المناصب الحكومية والعضوية في مجلس النواب التي أصبحت حديث الشارع العراقي، والدخول في صفقات سياسية وتفاهمات مع أحزاب وجماعات كان الحزب وعموم سنّة السلطة يتهمها بارتكاب جرائم قتل وبالطائفية، إلا مؤشرا خطيرا على طبيعة العوارض السلبية الجانبية التي أسفرت عنها المشاركة في حكم نظام لم يساهم لا شيعة السلطة ولا سنتها في إسقاطه، ما جعلهم تابعين للضغوط والتفاهمات الإقليمية والدولية، تحركهم شهوة الحكم بما تتضمن من مال ونفوذ وسلطة.

‏أخيراً وليس آخراً

أخفق الإسلام السياسي السني، والشيعي أيضاً، في مرحلة ما بعد صدام فِي تقديم نموذج "إسلامي"بديل لقيادة العراق، بل ويتحمل أقطابه من أحزاب وفاعليات الوزر الأكبر في زرع الإنقسام والإقتتال على أساس طائفي مقيت خصوصاً قبل صعود تنظيم "داعش" وسيطرته على أكثر من ثلث العراق (ومايزال موجوداً)، وبعد استعادة المدن من "داعش" وتصاعد الميول الإنفصالية للكرد والتراجعات الواضحة الكبيرة أمامهم والتي ظهرت من جميع إسلاميي السلطة سنّة وشيعة، وتجلت في طريقة استقبال رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني (الانفصالي وقائد الاستفتاء) مسعود البارزانىي لدى زيارته الى بغداد، وقد قدمه رئيس الوزراء عادل عبد المهدي حين استقبله كرئيس لإقليم كردستان مع أنه رئيس حزب انفصالي ليس إلا!

 

*كاتب وباحث عراقي

إقرأ أيضا: إسلاميو العراق الأكراد.. ثنائية القومية والتديّن 3من3

التعليقات (0)