مقالات مختارة

ترامب بين حرائق كاليفورنيا وحرائق الرياض

ماجد الأنصاري
1300x600
1300x600

تواجه الإدارة الأمريكية اليوم تبعات حرائق الغابات في ولاية كاليفورنيا، التي تشكل تحديا للإدارة، التي قللت الإنفاق في مجال مواجهة مثل هذه الحرائق ومسبباتها، ولكن وحتى وهو يقوم بجولة للاطلاع على آثار الدمار في كاليفورنيا تلاحق ترامب الأسئلة حول الحريق الجديد الذي أشعلته الرياض، والذي لا يبدو أنه سينطفئ قريبا، جريمة اغتيال خاشقجي، تطور الأحداث في قضية خاشقجي رحمه الله يضيق الخناق أكثر وأكثر على الرياض وعلى واشنطن، كل السيناريوهات التي تعامل بها الأمريكيون مع الموقف لمحاولة دفن القضية أو تجاوزها أو على الأقل إبعاد ولي العهد السعودي عنها باءت بالفشل، وأخيرا تسربت إلى وسائل الإعلام نتائج تقرير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية والذي يقطع الشك باليقين أمريكيا في أن ولي العهد السعودي هو المسؤول عن مقتل خاشقجي، طبعا بعد ذلك مباشرة ظهرت ثلاثة تصريحات، ترامب صرح أولا وخلفه مشهد الدمار الناتج عن حرائق كاليفورنيا بأنه من «الممكن» أن يكون بن سلمان مسؤولا ولكن الوقت مبكر لاستنتاج ذلك، حيث سيتلقى تقريرا نهائيا خلال يومين حول القضية التي تحولت لحريق سيلتهم المتورطين كما التهمت الحرائق الولاية الأمريكية، التصريح الثاني جاء على لسان المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية التي قالت إن المسألة لم تحسم بعد وإن الإدارة الأمريكية لم تتخذ موقفا نهائيا من القضية، عاد ترامب بعدها وفي مقابلة مع قناة فوكس نيوز ليؤكد أن بن سلمان حليف مهم وأنه يعتقد أن هناك حول بن سلمان من أمر بقتل خاشقجي ليتماهى مرة أخرى مع الموقف السعودي، هذه التصريحات بعد التسريب الاستخباراتي يشير إلى أن واشنطن ما زالت تبحث عن سيناريو لإنهاء الأزمة دون خسارة بن سلمان كحليف، ولكن هل هذا فعلا ما تريده واشنطن، وهل هناك اتفاق أمريكي حول هذا الموقف؟


الإدارة الأمريكية ومنذ اليوم الأول لترامب متشظية بشكل كبير، هناك نزاع بين مراكز القوى المختلفة ليس على مستوى المواقف كما هي العادة بل على مستوى المنطلقات، يبدو أحيانا أن البيت الأبيض غير مهتم بالمصالح الإستراتيجية ويركز على المكاسب السياسية المحدودة التي تشكل انتصارات إعلامية للرئيس وخاصة ضمن قاعدته الانتخابية، بينما تتحرك الخارجية والاستخبارات والمؤسسة العسكرية والخزانة الأمريكية من منطلق إستراتيجي يرغب في المحافظة على الشراكات والمكاسب الأمريكية الأساسية عالميا، هذا الانشقاق الرئيسي والذي تتفرع منه مواقف متشظية أخرى بدا واضحا في تعامل الإدارة مع قضية خاشقجي، في الوقت الذي يدفع به كوشنر وبولتون بحماية بن سلمان تدفع المؤسسات ومعها المشرعون الأمريكيون بالتخلص منه أو على الأقل تحييده عبر هذه الأزمة.

بطبيعة الحال ليس هناك موقف مبدئي أمريكي من موضوع خاشقجي، فالولايات المتحدة تحمي نصف طغاة العالم على الأقل من الذين ارتكبوا جرائم أكبر من هذه بكثير، موقف الطرفين في واشنطن نابع من ضغط داخلي إعلامي وسياسي للتعامل مع القضية ما يجعلها معضلة للرئيس الأمريكي الذي يريد أن يترشح بعد أقل من عامين لفترة رئاسية ثانية، كما يمثل الموقف فرصة للمؤسسات لتمرير أجندتها في التعامل مع بن سلمان وتحييد ممارساته التي تضر بالمصالح الأمريكية، لذلك ومنذ يوم الأزمة الأول قال مسؤولون أمريكيون صراحة إنه سيتم استخدام الأزمة للضغط على الرياض للانسحاب من اليمن والتصالح مع قطر، الرياض من ناحيتها لم توفر لداعميها القلائل في واشنطن أي فرصة للدفاع عنهم، الطريقة الساذجة التي ارتكبت فيها الجريمة والتناقض المحرج في التصريحات حولها تمثل وقودا لخصوم بن سلمان في واشنطن في مواجهة الفريق المدافع عنه، ونقطة الانكسار ستكون حين يصبح العبء السياسي الذي يشكله بن سلمان على ترامب أكبر من المكاسب الاقتصادية التي تتحقق من خلاله.

إذن ماذا تريد واشنطن؟ ربما الأفضل أن نسأل عن المتاح أمام واشنطن، المؤسسات الأمريكية تريد من خلال هذه الأزمة أن تعيد الرياض إلى سلوكها الكلاسيكي وهو التحرك الخارجي المحدود بحدود المصالح والبرامج الأمريكية والتخلي عن التأثير الصلب على القرار العربي والاكتفاء بتوظيف القوة الناعمة والوفرة الاقتصادية للدفع بأجندتها، أما البيت الأبيض فيريد مخرجا من الأزمة يحفظ للإدارة ماء وجهها ولواشنطن وهي القوة التي تقود العالم.

المتاح الآن هو من خلال أحد سيناريوهات ثلاثة، إما أن ينجح الزمن في دفع الاهتمام بعيدا عن القضية وبالتالي يمكن كنسها تحت السجادة كما يقال، وهذا السيناريو يصعبه التعامل التركي مع المسألة والذي ينفث المزيد من النار في القضية كلما خمدت عبر نشر الأخبار بشكل مدروس وقتا وكما، السيناريو الثاني هو رفع سقف العقوبات التي فرضتها الخزانة الأمريكية بحيث تطول ولي العهد نفسه أو السعودية بشكل عام ولكن بحيث لا تشكل العقوبات تحديا أمام الاستثمارات السعودية في واشنطن وخاصة المرتبطة بعقود السلاح، وهذا السيناريو هو الأفضل أمريكيا، لكنه لن يكون مقبولا سعوديا إلا كحل أخير، السيناريو الثالث هو أن تتخلى واشنطن عن بن سلمان وتدفع باتجاه عزله دوليا، وهذا السيناريو هو الأمثل تركيا ولكن واشنطن المؤسسات والبيت الأبيض لا تريد هذا الأمر لأنه يخدش في العلاقة الإستراتيجية مع الرياض باعتبارها حليف واشنطن الإقليمي الرئيسي وحليفها الأقوى في سوق النفط الدولية، خلال أيام سيتضح أين ستذهب الأمور ولكن ما لا شك فيه هو أن نهاية القضية لن تكون على هوى الرياض أو البيت الأبيض، ما نراقبه الآن هو من ستلتهمه نيران الجريمة.


عن صحيفة الشرق القطرية

1
التعليقات (1)
متفائل
الثلاثاء، 20-11-2018 02:22 م
هل تملك تركيا الوزن المطلوب لدفع ملف الجريمة و تحويله إلى سؤال أمن واستقرار دولي ، كيف يمكن التأثير في دوائر المال والسياسة ، وتحديدا برجوازيي هذا العالم ، من أن ابن سلمان ومن يهواه ، صار يشكل خيبة لا تضاهيها خيبة ، إلا الحد الذي يمكن أن يتحول هذا الصنم إلى عائق في طريق هؤلاء ، فيهرع الإسرائليون قبل الآخرين إلى تجاوزه وحبسه داخل قفص الاتهام لاستعماله عند الحاجة ، أما الخاسر الأكبر فهو أنظمة الاستبداد العربية التي لم تعد تغر أي من دوائر الاستعمار .