كتب

الربيع العربي.. طفرات سياسية مقارنة بين المغرب والمشرق

قال بأن ثورات الربيع العربي ساهمت  في إعادة صياغة السياسة والمبادئ والقيم في الدول التي شملتها
قال بأن ثورات الربيع العربي ساهمت في إعادة صياغة السياسة والمبادئ والقيم في الدول التي شملتها

أصدر مركز أبحاث المكتب الشريف للفوسفاط المقرب من وجه نظر الدولة المغربية، حديثا تقريرا استراتيجيا يسلط الضوء على نتائج السنوات السبع من عمر الربيع العربي.

يكتسي هذا التقرير أهمية كبيرة، كونه يصدر أولا، عن مركز أبحاث المكتب الشريف للفوسفاط المقرب من وجهة نظر الدولة المغربية، الذي يقدم نفسه كمستودع للتفكير، يجتهد في بلورة رؤى استشرافية (رؤى دول الجنوب) لبعض الرهانات الاستراتيجية الإقليمية والدولية، التي تواجه الدول السائرة في طريق النمو أو الدول الصاعدة، ويقترح على صناع القرار أرضية أفكار وتوصيات لاتخاذ قرارات استراتيجية في قضايا تخص بالدرجة الأولى الاقتصاد والتنمية الاجتماعية والعلاقات الدولية، ثم كونه ثانيا، يضع مرحلة ما بعد الربيع العربي (سبع سنوات)، في دائرة التقييم، ورصد التحولات السياسية التي عرفتها تأطرت بها اتجاهات السياسة الدولية، ثم لكونه ثالثا، يحاول أن يعطي صورة ليس فقط عن المآلات التي تواجهها دول الربيع العربي، والتجارب التي أخذها كل قطر على حدة، ولكنه يسلط الضوء أيضا على تحولات السياسة في الدول العربية غير المصنفة ضمن دول العربي، مثل دول الخليج وغيرها، وعلى تفاعلات السياسة الدولية، في خضم نظام دولي مشوب بكثير من الارتباك وعدم الاستقرار، فضلا عن تغير الأدوار.


هل يستمر الربيع العربي أم يصير جزءا من الماضي؟

بعد سبع سنوات على الثورات العربية، وبعد الأحداث والتطورات الكبرى التي شهدتها دول الربيع العربي، والتحولات الكبرى التي عرفتها السياسات الدولية، يظل سؤال ما تبقى من الربيع العربي مشروعا، فهل استهلك هذا الربيع وصار مجرد حلقة من مسار معقد يحمل عناصر تقدمه وتراجعه أيضا؟ أم ثمة مؤشرات دالة على أن الربيع العربي لا يزال مفتوحا، وأن الخط ليس بالضرورة تصاعديا، وأن إمكانية استئنافه موجودة في شروط السياسة والمجتمع؟ وهل انتهى هذا الربيع بعد الديناميات السياسية التي أعقبته إلى تحقيق التقدم الراديكالي الذي كانت تعبر عنه الحركات الاجتماعية في العالم العربي، أم إن هذه الديناميات انتهت في الأخير إلى استعادة الوضع السابق، وعودة القوى المضادة للثورة؟

 

بعد سبع سنوات على الثورات العربية، وبعد الأحداث والتطورات الكبرى التي شهدتها دول الربيع العربي، والتحولات الكبرى التي عرفتها السياسات الدولية، يظل سؤال ما تبقى من الربيع العربي مشروعا

أسئلة شكلت منطلقا لتقرير شارك فيه عدد من الباحثين الأكاديميين من المغرب ومن خارجه، فضلا عن باحثي المركز، وضع نصب عينه تتبع  تحولات السياسة في علاقتها بالربيع العربي، وذلك على الصعيد المحلي والإقليمي والدولي، ضمن أوراق اجتهدت كل واحدة منها أن تقارب حالة من حالات دول الربيع العربي، أو حالة من الدول غير المصنفة ضمن دول الربيع العربي (دول الخليج)، أو الدول التي عرفت ركودا في ديناميات ما بعد الحراك، ولم تتضح بعد الرؤية حول مستقبلها السياسي مثل اليمن وليبيا وسوريا، فضلا عن الدول المصنفة ضمن سياق جيواستراتيجي معقد وشديد الحساسية مثل فلسطين والعراق ولبنان والسودان، كما اجتهدت أوراق أخرى في تتبع تحولات السياسة الدولية سواء ما تعلق  منها بسياسات روسيا والصين، أو سياسات الاتحاد الأوربي، أو سياسات الولايات المتحدة الأمريكية.
  
ومع أن التقرير خص منطقة المغرب العربي بالحيز الأكبر من البحث، لاسيما ما يتعلق بالمغرب الذي حظيت حالته بأكثر من ورقة، إلا أن تركيزه على البعد المقارن في دراسة تحولات السياسة في المغرب العربي، وأيضا في دول الخليج، وتركيزه على شكل تعاطي السياسات الدولية مع ديناميات ما بعد الربيع، والتحولات الكبرى التي عرفتها، رفعته إلى درجة التقرير الاستراتيجي، الذي يعنى برصد تحولات السياسات الدولية وتحليل اتجاهاتها واستشراف مآلاتها، ووفرت له شروط منافسة التقارير الاستراتيجية الأخرى، كونه يقدم وجهة نظر إحدى دول الجنوب في رصد هذه التحولات.  

المغرب: من حراك 20 فبراير إلى حراك الريف

مع ورود أكثر من ورقة بحثية في مقاربة الحالة المغربية، إلا أن ثمة نوعا من التكامل بين الورقة التي ركزت على التعبير الاحتجاجي الذي ترجمته حركة 20 فبراير، وبين الورقة التي ركزت على حراك الريف واعتبرته تعبيرا عن عودة الربيع العربي من جديد إلى المغرب، وبين الورقة التي قاربت جواب الدولة المغربية في التعاطي مع الربيع العربي، والعناصر الدستورية التي تضمنها هذا الجواب. 

فالذي ينظم هذه الأوراق الثلاثة في التقرير، هو تفسير أسباب عودة الحراك، وربطه بطبيعة جواب الدولة المغربية الذي ركز على البعد السياسي، وأغفل البعد الاجتماعي في الربيع العربي، مما جعل حراك الريف وغيره من أنواع التعبيرات الاحتجاجية المطردة تعود من جديد، لتعبر عن نفسها، وتبين حاجة جواب الدولة المغربية إلى الاكتمال، من خلال الاعتكاف على تقديم عرض اجتماعي قادر على تلبية جزء مهم من الطلب الاجتماعي.

كما ينظمها من جهة أخرى، تأكيد انهيار أنظمة الوساطة السياسية والحزبية، وكثافة الطلب على الملك، ووضع النموذج السياسي المغربي في المحك، إذ أصبحت التعبيرات الاحتجاجية، سواء في حالة حركة 20 فبراير، أو في حالة حراك الريف وغيرها من التعبيرات الاحتجاجية المطردة، معبرة عن تجاوز النخب السياسية، ومحدودية تأثيرها في المجتمع.

 

اقرأ أيضا: ماذا تبقى من 20 فبراير؟

الحالة الليبية: الفرز الحاد يضعف مهمة إعادة بناء الدولة

يتعرض التقرير بالتفصيل للحالة الليبية، والمآلات التي انتهت إليها الثورة، والإشكالات البنيوية التي طرحتها، ودور النظام القبلي في إنتاج انقسام وطني وهوياتي، فضلا عن أدوار الفاعلين الخارجيين وصراع إراداتهم ومصالحهم في المنطقة، والمسار المتقطع في إعادة بناء الدولة، ودور حوار "الصخيرات" الذي ساعد المغرب على تنظيمه برعاية أممية في وضع أسس تكوين حكومة وطنية، والتحديات الثلاثة التي ماتزال تعسر مهمة إعادة بناء الدولة، والمتمثلة في الانقسام السياسي داخل البلاد، والتوجس من التدخل الأجنبي، والتحدي الإرهابي لداعش، إذ ساهمت هذه التحديات، بالإضافة إلى صراع الإرادات الدولية، إلى خلق فرز حاد داخل ليبيا بين القوى الوطنية الإسلامية، والقوى المعادية للإسلاميين.

ويلاحظ التقرير أن التطور الذي حدث على المستوى السياسي في ليبيا، مايزال مرهونا بالوضعية الأمنية التي تؤججها من جهة هجمات تنظيم الدولة الإسلامية، ومن جهة ثانية مقاومة قبائل الجنوب، فضلا عن صراعات المجموعات المسلحة على السلطة، خاصة على مشارف الحدود مع تونس وفي جنوب البلاد.

ففي ظل تعقد الوضعية الأمنية، يتساءل التقرير عما إذا كان من الوارد التماس الحل في خيار دولة فدرالية ليبية، تبنى على قاعدة التقسيم التاريخي الثلاثي، هذا إذا لم تنجح الأطراف في بناء حكومة وطنية موحدة.

تحولات السياسة في دول المغرب العربي

يقر التقرير بأن الربيع العربي ساهم بشكل كبير في إعادة صياغة السياسة والمبادئ والقيم في دول المغرب العربي، وأن التحدي الذي طرحته رياح التغيير الإقليمية على دول المنطقة، هو كيف تستطيع أن تتكيف مع هذه التحولات دون أن تفقد نماذجها السياسية.

ولئن كانت تحولات السياسة في المغرب العربي، محكومة في بعض محدداتها بالنزوع نحو الإصلاحات السياسية والدستورية، فإن التحديات الأمنية التي تواجهها في المنطقة، وبشكل خاص ما يرتبط بتحدي تنظيم الدولة الإسلامية، والإرهاب الصادر من دول الساحل جنوب الصحراء، تشكل عقبات أساسية في وجه التحولات الديمقراطية في المنطقة، وهو ما يبرر - حسب التقرير- الحاجة إلى تكتل دول المغرب العربي في كتلة منسجمة ومتكاملة، تقوى قدرتها التفاوضية مع الشركاء الأجانب، وتضمن مستويات عليا من التنسيق مواجهة التحديات الأمنية.

النماذج الثلاثة لدول الربيع العربي

يشير التقرير إلى ثلاث صيغ كتب لها أن ترتب وضعها الانتقالي بعد الربيع العربي، الصيغة التونسية والمصرية والمغربية، في حين، خرجت دول الخليج عن دائرة دول الربيع العربي، بما في ذلك البحرين التي تم إخراجها بمساعدة عسكرية سعودية أمريكية، وعرفت مسارات أخرى أوضاعا هي أقرب إلى أن تكون للحرب الأهلية، كما هو الشأن في سوريا وليبيا واليمن، بينما فرضت سياقات استراتيجية على دول مثل فلسطين والعراق والسودان ولبنان، أن تظل خارج دائرة هذه الدول.

الصيغة التونسية التي عرفت مسارا راديكاليا معقدا، انتهى في الأخير إلى بناء توافقات بين القوى السياسية، ساهم المجتمع المدني القوي في تونس في فرض ضغوط على الإسلاميين، انتهت بهم لترجيح خيار التوافق.

والصيغة المصرية التي أسقطت نظام مبارك، ونجحت في صياغة الدستور وتنظيم انتخابات، وتكوين حكومة يرأسها الإسلاميون، إلا أن أخطاء إخوان مرسي، في ظل سياق دولي متوجس من موقعهم داخل مربع السلطة، ساعد في الإطاحة بهم، بدور رئيسي من الجيش الذي استعاد المبادرة بالممارسة العنفية، مستغلا بذلك ضعف الأحزاب والمجتمع المدني في مصر.

أما الصيغة المغربية، التي تأسست على منطق إصلاحي في ظل الاستقرار واستمرار نظام الحكم الملكي، فقد اتجهت هي الأخرى لإعمال مقاربة توافقية انطلقت من إقرار إصلاحيات دستورية، وتوجهت بشكل أساسي إلى توسيع الفضاء العام وإعادة بناء التوازن بين مؤسسات الدولة.

خلاصة التحولات السياسية التي عرفها دول المغرب العربي، حسب التقرير، حصول تغيير سياسي في تونس، واستمرار الوضع القائم في الجزائر، وتغيير في إطار الاستمرارية في التجربة المغربية، ضمن مسار غير مكتمل تهدده العديد من مؤشرات التراجع. 

مخاطر طموح السعودية إلى القيادة الإقليمية في المنطقة

ناقش التقرير بشكل مستفيض تحولات السياسة في دول الخليج، وتوقف بشكل دقيق على المعضلة الديمغرافية في هذه المنطقة، وأثرها في صياغة الموقف من الربيع العربي، وأيضا في تحديد شكل الإصلاحات في هذه المنطقة.

غير أن الأهم في التقرير هو تتبعه للحالة السعودية، ودراسته للطموح الإقليمي للمملكة، ومخاطر رهاناتها القيادية، فتغيير النموذج الاقتصادي، وما يرتبط به من إحداث تحولات مجتمعية وقيمية قد تواجه مقاومة مجتمعية حادة، أو قد يؤثر على التحالف بين الأسرة السعودية والوهابية التي تثير حساسية شديدة من الإصلاحات المزمع القيام بها، كما أن الصعود الإقليمي لإيران في منطقة الشرق الأوسط، يخلق متاعب كبيرة للأمن السعودي، دون أن يغفل التقرير اصطفاف السعودية إلى جانب الإمارات في معاداة الإسلام السياسي، والآثار السلبية التي يمكن أن تنجم عن تراجع أسعار النفط.

ويخلص التقرير إلى أن السعودية بإصرارها على طموحها الإقليمي ومشروعها الإصلاحي، ستجني نتائج نزوعها القيادي بالمنطقة وستكون ضحية له. 

أما فيما يخص السياسات الدولية، فقدد تتبع التقرير تطوراتها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ورصد بعض مؤشراتها، ولاحظ في السياسة الأوروبية عودتها إلى الواقعية السياسية والانكفاء حول أطروحة "الأمن أولا" مبرزا مخاطر استمرارها، كما توقف عند تزايد مؤشرات "التردد أو الانسحابية" أو "عدم التدخلية" في السياسة الأمريكية، في مقابل أدوار متقدمة للسياسة الروسية في المنطقة وعودة "السوفييتية" إلى مسرح الأحداث الدولية.

التعليقات (0)