أفكَار

قيادي إخواني سابق: الإسلام الوسطي يمثّل عامة أبناء سوريا

قال بأن تيار الإسلام الوسطي ظل منفتحا على كل المكونات المجتمعية الدينية والمذهبية والعلمية
قال بأن تيار الإسلام الوسطي ظل منفتحا على كل المكونات المجتمعية الدينية والمذهبية والعلمية

لم يأخذ موضوع تحالفات الإسلاميين السياسية حظّه من البحث والدراسة، وذلك لأسباب عديدة منها طول أمد العزلة السياسية التي عاشها الإسلاميون بسبب تحالفات النظم الحاكمة مع بعض القوى السياسية، واستثناء الإسلاميين من هذه التحالفات، بناء على قواسم أيدولوجية مشتركة بين الأنظمة ونلك التيارات.

لكن، مع ربيع الشعوب العربية، ومع تصدر الحركات الإسلامية للعمليات الانتخابية في أكثر من قطر عربي، نسج الإسلاميون تحالفات مختلفة مع عدد من القوى السياسية داخل مربع الحكم، وترتب عن هذه التحالفات صياغة واقع سياسي موضوعي مختلف، ما جعل هذا الموضوع يستدعي تأطيرا نظريا على قاعدة رصد تحليلي لواقع هذه التحالفات: دواعيها وأسسها وصيغها وتوافقاتها وتوتراتها وصيغ تدبير الخلاف داخلها، وأدوارها ووظائفها، وتجاربها وحصيلتها بما في ذلك نجاحاتها وإخفاقاتها.

يشارك في هذا الملف الأول من نوعه في وسائل الإعلام العربية نخبة من السياسيين والمفكرين والإعلاميين العرب، بتقارير وآراء تقييمية لنهج الحركات الإسلامية على المستوى السياسي، ولأدائها في الحكم كما في المعارضة.

بعد القراءة التي قدمها الرئيس السابق لاتحاد الكتاب والأدباء العرب، الدكتور علي عقلة عرسان، والتي نشرتها "عربي21" في جزأين، يعرض اليوم القيادي السابق في جماعة الإخوان المسلمين السوريين، مدير مركز الشرق العربي الدكتور زهير سالم، لمفهوم الإسلام الوسطي ودوره الواقعي والمأمول في الثورة السورية.

قيادي إخواني سابق: الإسلام الوسطي يمثّل عامة أبناء سوريا

 
انطلقت الثورة السورية في شهر آذار/ مارس 2011 في سياق ثورات الربيع العربي. واكتسبت روحا من روحها، في أنها ثورة جيل متطلع إلى العدل والعدالة والحرية والمشاركة الإيجابية في صنع حاضره ومستقبله.

عفوية غير مؤدلجة

وانطلقت ثورات الربيع العربي في جميع الأقطار عفوية، غير مؤدلجة ولا منظمة ولا موجهة. وكانت العفوية أول ما انطلقت هذه الثورات وصفا إيجابيا ثم أصبح الوصف سلبيا، بعد أن ظل ملازما لهذه الثورات زمنا طال على المدى المقدر له، فأصبح عبئا على هذه الثورات وسببا من أسباب ارتكاسها .

ويمكن أن نلخص ملامح هذه العفوية في ثلاث نقاط: غياب القيادة الكفؤة التي تمسك بمركزية القرار الوطني، وتحظى بدعم أغلبية وطنية تمنحها الشرعية. ثم غياب التخطيط الاستراتيجي الموضوعي والواقعي المكافئ في أطره الوطنية والإقليمية والدولية. وثالثا التفاعل الحيوي مع المعطيات والمستجدات والمتغيرات كلُ واقعة بحسبها، وتحمل مسؤولية "نعم" وتحمل مسؤولية "لا". 

لقد أهمل الكثيرون قيمة التفاعل اللحظي مع المتغيرات مقدرين -خطأ- أن موج الثورة يمكن أن يظل منتصبا كالجبال، متناسين أهمية "نعم" التكتيكية" ولا "التكتيكية"؛ كلٌ في محلها حتى ضيعوا وفرطوا .

لقد صدمت ثورات الربيع العربي الطغاة العرب مرة، وصدمت مشغليهم وموظفِيهم من طغاة العالم مائة مرة؛ ولاسيما في وطن مثل سوريا بخاصرته الجنوبية. وبينما تعامل هؤلاء المشغّلون على أنحاء متفاوتة مع الحالات التونسية والليبية والمصرية واليمنية، إلا أنهم تعاملوا مع الثورة السورية بشكل أخص على أنها الاختراق الأعلى لمرتكزات الأمن العالمي، فتعاونوا على الكيد لها أعداء وأدعياء في وقت معا .

إن هذه المقدمة، ليست اعتذارية، لتعني أن الأمر كان أكبر من السوريين؛ ولكن لتؤكد أن هذه المكر والتخطيط من الآخرين لم يقابل بالتفكير والتخطيط الذي يستحق. بل إن كثيرا من الذين تصدوا للقيادة استرسلوا مع هؤلاء الماكرين بحسن ظن هو للتفريط أقرب .

ولنقترب خطوة أخرى من موضوعنا فهذه الثورات الشعبية الوطنية، قد واجهت مكرا متعدد الأبعاد لسحب هذين الوصفين عنها وتحويلها إلى ثورة ملتبسة أو متهمة، ترتفع فوق رؤوس الثائرين رايات سود وصفر وحمر وخضر؛ وكان لعمليات التحدي والاستجابة غير المدروسة دورها في إنجاح هذا المخطط ..

 

لقد أهمل الكثيرون قيمة التفاعل اللحظي مع المتغيرات؛ مقدرين خطأ أن موج الثورة يمكن أن يظل منتصبا كالجبال، متناسين أهمية "نعم" التكتيكية" ولا "التكتيكية"؛ كلٌ في محلها حتى ضيعوا وفرطوا .

وهكذا تم تصنيف الثورة أنها "ثورة متطرفين، ثورة إرهابيين" واستحضرت الأدلة وشهود الزور، من جماعات تم تشكيلها ودعمها وتنميتها وتضخيمها؛ وتغييب القيادات المسؤولة من الذين قيل لهم: ذوبوا فذابوا؛ إلا عن المنابر التي تقتحمهم عليها العين، ويحتاجهم عليها شهود الزور .
ومن خلال لعبة المنح والمنع التي لعبتها الدول تم وضع اليد على الثورة، وتم استلام زمامها، في غيبة تامة لقيادة واعية مقدرة مدبرة؛ تعيد الحسابات عند كل خطوة ومع كل خطوة، تعيد الحسابات قبل قبول المنحة، وتعيد تقدير الموقف عندما تنزل المحنة .

ولأسباب موضوعية وعلمية وتاريخية وديمغرافية، فقد كان تيار الإسلام الوسطي المعتدل في سوريا بحاضنته الشعبية الواعية، وبمشروعه الوطني، وتجربته التاريخية البعيدة والقريبة؛ هو المرشح الأول للوقوف تحت راية العزيمة بالإمساك بقرار الثورة، بدراسته، وتحمل مسؤوليته، ثم الدفاع عنه بكل الحق والصدق، وما يقتضيه الموقف من تضحيات.

إسلام عامة الشعب

وقبل الخوض في حقيقة ما جرى، من تغييب وغياب، من المهم أن نبدأ بتعريف عام لحقيقة هذا التيار ومكوناته الرئيسية. فتيار الإسلام الوسطي المعتدل هو عامة المسلمين من أبناء الشعب السوري ممن لا يحملون عقيدة أو إيديولوجيا مناقضة أو معادية للإسلام العقيدة وللإسلام الشريعة على السواء.

التيار الإسلامي الوسطي المعتدل ليس حزبا ولكنه يضم بين جنباته قوى وأحزابا ومدارس وشخصيات، تستطيع بقليل من التنسيق فيما بينها أن تقدم للثورة السورية قيادة رشيدة، ترى بنور الشرع وترتبط بالشعب والأرض أكثر من ارتباطها بالمانحين والمدغدغين للأحلام .

تيار الإسلام الوسطي المعتدل ظل عبر تاريخ طويل منفتحا على كل المكونات المجتمعية الدينية والمذهبية والعلمية، فيستقطب خيرة رجالها ويتعامل معهم ويستفيد من خبراتهم وقدراتهم في تشكيل قيادة عملية، تظل تتحرك حسب معايير القدرة الذاتية وليس المستعارة، لا يستفزها طمع، ولا تتجارى بها الأهواء الفردية عند كل برق حقيقي أو خلب. فحين نتحدث في هذا التحليل عن "تيار الإسلام الوسطي المعتدل"، إنما نقصد هذه الحالة المجتمعية التي تختص بها بلاد الشام، والتي مثلها في يوم من أيام التاريخ شيخ الإسلام ابن تيمية وهو يفاوض "قازان" ملك التتار، مطالبا بالإفراج عن الأسرى من المسيحيين بالقدر نفسه الذي طالب فيه بالإفراج عن أسرى المسلمين .

وإنه لأسباب عديدة أولها وأخطرها ما كان نابعا من الضعف البشري، ومنها ما هو تاريخي، ومنها ما هو دولي وإقليمي لم يتم تشكيل هذه القيادة. وارتضت قيادات هذا التيار الرئيسية أن تختتصر نفسها في أفراد هاموا في مدارات المتنافسين والمتدافعين في أفلاك المقررين والمغررين والمانحين .

ولقد أدى غياب هذا التيار عن ساحة القيادة العملية إلى أمور شديدة الخطورة في مسار الثورة السورية أهمها:

ـ إعطاء الفرصة لقوى التشدد والتطرف والإرهاب أن تنصب راياتها الغريبة والمريبة على أرض الشام، فقد أحدث غياب هذا التيار، بقيادة رشيدة، عن ساحة الصراع الحقيقية فراغا كبيرا ملأته قوى التطرف والغلو، التي كانت نقطة الارتكاز في الاستراتيجية المعادية للثورة للانقضاض عليها، فتم دعم هذه القوى المتطرفة وتنميتها وتضخيم دورها. وقد كان لهذا أسوأ الأثر على واقع الثورة السورية وإعطاء الذرائع للقوى الدولية للالتفاف عليها وإسقاطها.

ـ السماح ببروز ما سمي فيما بعد "أمراء الحرب" من قادة محليين من العامة، وأشباه الأميين، نفحتهم ونفختهم أموال المانحين فأصبحوا قادة فصائل، يمتلكون السلاح والقرار تحت سقف المانح. الصالح منهم لا يدري كيف يقدّر موقفا ولا كيف ينظر في مآل.

ـ تحول قرار الثورة السورية، الذي يجب أن يعبر عن مصلحة الشعب السوري، إلى نُهبى بين منصات وشخصيات بعضها يقع على يمين بشار الأسد إغراقا في رفض الشعب السوري وجرأة عليه وعلى هويته، وبعضها يتمحور حول ذاته أكثر من تمحوره حول ألا تحزنوا.. الربيع العربي قادم، والثورة ستحقق أهدافها.

وفي حلبة التنافس المحموم على الضوء والصورة تم تهميش كل من يمثل التطلعات الحقيقية للشعب المطحون والمظلوم .

وقد أدى هذا الغياب، غياب تيار الإسلام الوسطي، عن الساحة السورية إلى أن فُرض على الثورة السورية مسارٌ لا أحد يدري من هو صاحب القرار فيه. مسارٌ مرسوم منذ بدايته ليؤدي بالثورة إلى المربع الذي هي فيه اليوم. وفي خضم الفوضى والضوضاء والصخب لم يكن أحد يستمع إلى صوت عاقل أو محذر. ومنذ البداية وضع قطار الثورة على سكة تفضي إلى ما عليه سوريا اليوم، وقيل للناس اركبوا، فتسابقوا إلى القطارات دون أن يعوا إلى أين يقادون !!

 

يتبع..

 

*مدير مركز الشرق العربي

 

التعليقات (1)
متفائل
الجمعة، 16-11-2018 06:43 م
لقد أثبت الكاتب غياب القيادة التي كان يمكن أن تتمثل الوعي الأخلاقي والتاريخي الذي يحتاجه الشعب السوري ، وكل الشعوب المتطلعة إلى التحرر من نير الاستبداد ، إلى أن نتمثل الوعي المفقود ، تبقى شعوبنا في متناول الصراع الفكري الذي تديره الدوائر المعروفة بعدائها التاريخي للعالمين العربي والإسلامي على السواء .